فساد القطاع الخاص بقلم د.حيّان سليم حيدر
يونيو 15, 2024
3,238 زيارة
في 15 أيار 2024 كتب الصحافي فؤاد بزي في جريدة “الأخبار” مقالًا بعنوان “فساد القطاع الخاص: اللوم على القطاع العام”، الأمر الذي حتّم إيراد في ما يأتي بعض المعلومات التي قد ترفد، يومًا ما، مسار الإصلاح العام.
وأقتبس ممّا ورد في المقال: – “على طاولة لجنة الإدارة والعدل اقتراحا قانون، أحدهما … مقدّم … في عام 2022، ونوقش على مدى 22 جلسة. والثاني يرمي إلى مكافحة الفساد في القطاع الخاص، قدّمه 9 نواب … في عام 2019، ونوقش 13 مرّة. وفي جلسة اللجنة، أمس، اتُّفق على دمج الاقتراحين من دون أن تتضح أهمية إقرارهما، سواء أكانا مدموجين أم منفصلين، طالما أنه لا تعريف واضحاً للفساد، وأن قوانين مكافحة الفساد التي أقرّها المجلس سابقاً لم تُطبّق بعد. في هذا الإطار تبيّن أن النقاشات في لجنة الإدارة والعدل، تدور حول إشكالية واحدة: هل نوحّد قوانين مكافحة الفساد، أم نقرّها كما هي، كلّ منها يتعلّق بقطاع؟ … …”،
ويكمل:
– “المشترك بين الاقتراحين يظهر في الأسباب الموجبة لهما، إذ يتبيّن أنهما ينطلقان من تسابق النواب في الاستجابة إلى اتفاقيات مكافحة الفساد الخاصة بالأمم المتحدة عبر اقتراح قوانين بشعارات رنانة لكنها فارغة من المضمون.
ومن اللافت أنه في اقتراح قانون مكافحة الفساد في القطاع الخاص، يرى النواب أن فساد القطاع العام هو مصدر الفساد في القطاع الخاص، إذ يقول بعضهم: «فساد القطاع الخاص وجه العملة الآخر للفساد في القطاع العام»… …” ليختم:
– «ظاهرة تقاضي العمولات، وتأسيس مؤسّسات وشركات تجارية … …، ما يؤدّي إلى تضارب المصالح».
يعود بي هذا الكلام إلى كلمة أمين عام المنظمة العربية لمكافحة الفساد الدكتور عامر خيّاط ألقاها أمام حضرات النواب تحت عنوان: “دعم تنفيذ إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في لبنان” خلال ورشة عمل أقيمت في البرلمان اللبناني في 5 كانون الأول 2013.
وقد جاء في هذه الكلمة وكأنّه ردٌّ على ما سبق:
“لقد بدأ العمل في مجال قوننة الإجراءات المتعلقة بمكافحة الفساد بمبادرة الأستاذ غسان مخيبر في تشكيل لجنة من الخبراء والقانونيين تحت مظلة المجلس النيابي الموقر لدراسة المقاربات القانونية التي ترتبت إثر توقيع الحكومة اللبنانية على الأتفاقية الدولية لمكافحة الفساد لعام 2003، ومصادقة مجلس النواب الموقر عليها بتاريخ 22 نيسان 2009. عملت هذه اللجنة … واستطاعت في نهاية سنة 2010 إنجاز مسودات ثلاثة قوانين هي قانون مكافحة الفساد وتشكيل الهيئة العليا الوطنية لمكافحة الفساد وقانون حماية الشهود والمبلغين وقانون حق المواطن في الحصول على المعلومات .”
ثم يضيف: “فوجئت …بالإشارة اليه بـ “قانون مكافحة الفساد في القطاع العام” بما يوحي الى أن مسودة القانون هذا المعروض على الهيئة النيابية قد إجتزء بالكامل شمول “القطاع الخاص” بمكافحة الفساد، وهو ما يتعارض مع المسودة التي كانت قد أعدتها لجنة الخبراء وكانت في رأيي من أبلغ وأفصح وأشمل القوانين التي تم إعدادها في المنطقة العربية. هذا الاجتزاء لا مبرر له، ومسيء لغاية القانون ومستهدفاته. ويتعارض مع الإتفاقية الدولية لمكافحة الفساد نصاً وروحاً. “
“جاءنا إقتراح من بعض السادة النواب بإجتزاء القطاع الخاص من المسودة التي كنا بصدد إنجازها مبررين ذلك بالأسباب التالية:
أن لبنان بلد يعتمد كثيراً على الاستثمارات الخارجية من القطاع الخاص الأجنبي وبالتالي قد يؤدي وجود نصوص تتعلق بفساد القطاع الخاص الى إخافته في توجيه هذه الإستثمارات الى لبنان.
أن القوانين سارية المفعول (قانون العقوبات لسنة 1943 وتعديلاته مثلاً) يحتوي على ما يمكن أن يطال القطاع الخاص من ناحية التجريم والعقوبات وبالتالي لا حاجة لأن يشمل قانون مكافحة الفساد القطاع الخاص.
أن معالجة الفساد في القطاع العام بالقانون مدار البحث تؤدي الى معالجة فساد المشتركين في هذا الفساد من القطاع الخاص.”
“عارضت بقوة هذا التوجه في إجتماعات اللجنة الخاصة وتم تفنيذ جميع الأسباب المذكورة أعلاه وعلى النحو التالي:
إذا كانت معالجتنا في المسودة ستخيف المستثمر الأجنبي الفاسد فهذا في رأيي هو المقصود. يتبع ذلك أن المستثمر النزيه سوف يتشجع من وجود قانون يعالج الفساد في القطاع الخاص لأن في ذلك حماية له خلال عمله في لبنان.
2.0 أما القول بأن القوانين السارية المفعول تعالج الفساد في القطاع الخاص فهو مردود في المبدأ من حيث أن هذا التوجه ينطبق أيضاً على القطاع العام. ومردود في الواقع كما تبين وثيقة التقييم الذاتي لتنفيذ إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الموزعة على حضراتكم صباح اليوم من حيث أنها تشير بوضوح بجزئية معالجة القوانين اللبنانية في بعض جوانب ما ورد في الفصل الثالث من الأتفاقية بعنوان “التجريم وإنفاذ القانون”.
“واقع الحال فالاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد تحتوي على 71 مادة، تعالج ما لايقل عن 15 مادة منها الفساد في القطاع الخاص.
والمسار الطبيعي هو إصدار قانون شامل لمكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص دون استثناء.
3.0 أما القول بأن معالجة الفساد في القطاع العام ستؤدي الى معالجة القطاع الخاص المُشتَرِك معه ومن خلال نفس القانون فهو كلام غير دقيق. هنالك جرائم ناتجة عن الفساد في القطاع الخاص حصراً.
وأود الإشارة الى أن كتلة الأموال المتراكمة في فساد القطاع الخاص تفوق عدة مرات كتلة الأموال الفاسدة في القطاع العام. نهاية الأمر فالرشوة التي يتقاضاها الموظف العمومي تكون عادة ضمن ما يشار له بالفساد البسيط الذي يقوم على الحاجة المادية لإعالة أهله وعائلته ويرتبط أساساً بسوء توزيع الدخل. أما الفساد في القطاع الخاص فسببه الجشع والطمع والغريزة السيئة لدى الفرد، ولا يمكن إزالته سوى بتغيير السلوك والردع وتأليب ثقافة مكافحة الفساد. “
ليختم: “أنني ومن هذا المنبر الكريم أهيب بالسادة النواب العودة الى النص الشامل لمسودة هذا القانون كما وضعتها لجنة الخبراء وتم التوافق عليها بالاجماع.”
(إنتهت مداخلة الدكتور عامر خياط أمين عام المنظمة العربية لمكافحة الفساد).
قد يجدر التذكير بأنّ أول قانون لـِ”الإثراء غير المشروع” كان قد صدر في لبنان بالمرسوم الإشتراعي رقم 38 في 18 شباط من العام 1953 ولم يُسْتَخدَم قط.
وللتأكيد، أكرّر ما جاء في المقال: “…طالما أنه لا تعريف واضحاً للفساد… وأن قوانين مكافحة الفساد التي أقرّها المجلس سابقاً لم تُطبّق بعد “..
ثم، وعلمًا أنّه يمكن للمتابع التعرّف على محاولات مكرّرة لقوننة الموضوع منذ تسعينيات القرن الماضي، وإن كان لا أظنّه يسمع عن تنفيذ حكم واحد في هذا المجال، توقّفتُ عند قول، “رؤيوي”، مرّ عليه نصف قرن ونيف من الزمن، لمشترع لبناني، شعرًا:
أنّني مثَّلت دوري نائبًا في “برلمانٍ”
كل إصلاح يراه خطوات مستحيلهْ !
ذاك أنَّا، منذ أن كنا، أنانيّون بُلْهُ
كلَّ فردٍ همُّه أن يصدر الإصلاح عنه (*)
وهل يذكّركم البيت الأخير بسجال النواب الوارد أعلاه حول دمج الإقتراحين أو عدمه؟
وبالإنتقال إلى جوهر القضية، فصل فساد القطاع الخاص عن قرينه العام، وبالإستناد إلى زيف قول بعض المشترعين أنّ مجرّد وجود قانون لمكافحة الفساد في القطاع الخاص من شأنه أن يبعد المستثمر إلخ… لا بل بناء على ذلك بات علينا أن نحمّل “نواب الأمة جمعاء” لدورة العام 2013 مسؤولية ما تمّ تلطيف وقعه، مؤخّرًا، باستخدام تشكيلة من المصطلحات مثال: الإنهيار والفجوة والثغرة والخسارة (المالية والإقتصادية)، وأكرّر، نحمّلهم كامل مسؤولية سرقة العصر والعمر معًا، التي ذهبت مع تعب الناس، في أكبر عملية فساد عرفتها البشرية إذا ما قيست على أساس عدد السكان.
ولا شك عندي أنّها كانت أنجح عملية شراكة بين القطاعين العام والخاص.