العميد منير عقيقي :معايير التصويت !

كتب رئيس تحرير مجلة الامن العام العميد منير عقيقي في عدد المجلة رقم 104 الصادر في 6 ايار 2022:

ما تفعله كثرة لبنانية على مساحة لبنان هو الصويت والصراخ. بعضها “ضد النظام السياسي”، وهذا امر خطير كونه يروم “نظاما متخيلا” غير مهيئة له التركيبة اللبنانية، وبالتالي هو محل اشكالية كبرى اصلا. والبعض الآخر، هو ضد “الطبقة السياسية” التي توصف بـ”الكلبتوكراسي”، والتي لم يستعمل اللبناني يوما حقه الديموقراطي من اجل تغييرها وفقا للقوانين، وتطوير الاسس التي يرتكز عليها مجتمعه، ونقله من مجتمع اهلي ريعي الى مجتمع مدني فاعل وحيوي.

في الحالين، هو صويت وندب غير مبررين الا من مدخل معاينة الآلام الناجمة عن السقوط الحر السياسي والامني والاقتصادي والمعيشي الذي يشهده البلد منذ ثلاث سنوات، في ظل فوضى عارمة مسيّسة، لم تسمح حتى بالدعوة الى طاولة حوار، وبإجراء نقاش سياسي يؤهل اللبنانيين الى الارتكاز على معايير تنقل البلد الى حال الاستقرار الدائم على كل الصعد.

ما لا يعفي اللبنانيين من مسؤوليتهم، هو استمرار الكثير منهم في الوقوف جانبا، وتدجين الذات وتطويعها بإزاء ترك الامور للاخرين الذين يأخذون البلد الى خيارات ما صبت إلا في مصلحة تأبيد الحياة السياسية لهذا او لذاك. هكذا راح اللبنانيون، وكلٌ من معزله الطائفي ـ المذهبي ـ المناطقي والنفعي، يتبادلون تبريرات مسوغات هذا السلوك السياسي الذي ما كان ليفضي الا الى ما افضى اليه من انهيار مريع ما عاد نقاش ينفع او يضر الا متى كان الهدف منه بناء خطة تعاف وطني، هدفها تطوير التجربة السياسية منذ التسعينات حتى الآن واقرار برنامج اقتصادي مع اصلاحات جوهرية والا سنكون جميعنا كمن يخوض تجربة خبرها ويعيد اختبارها في ظل الشروط نفسها منتظرا نتيجة افضل. وهذا وحده جنون مُطبق.

بهذا المعنى، تصبح الحاجة ملحة الى اعتماد التصويت بدلا من الصويت. وهذا يفرض ان يكون التصويت قائما على معايير وبرامج لا لبس فيها، تقدم ما يحتاجه البلد واهله بصورة عاجلة، وتوقف السقوط الحر الذي يكابدونه ويثخن جراحهم تمهيدا للإنطلاق نحو “أفضل مُمكن ومعقول”، بعدما لم تُبقِ الأزمة ولم تذر. وهذا يستلزم تغييرا عاما وشاملا في الاستدراك السياسي والمفهوم الاقتصادي. فنحن في حالة تصدع حقيقي بلغ حد الإنهيار في سائر القطاعات ما سبب موجات هجرة للكفاءات والمهارات إلى الخارج. وهذا، ان كان يحل مشكلة و مشاكل اقتصادية او اجتماعية، لكن الأكيد انه لا يبني وطنا جديا .

لذلك، من جملة معايير التصويت واصوله الواجب اعتمادها يجب ان تكون:

اولا: لبنانية، تختار الحفاظ على الكيان وبناء دولة. فما عندنا هو هياكل مؤسسات دولتية محكومة بنوازع اهلها الطائفية التي اقترعت على مدى العقود السابقة وفقا لقاعدة “هم ونحن”. وهذه المعادلة على وجه التحديد هي ما كانت تزيد الطين بلة. فلم يصل اللبنانيون يوما الى مرحلة “النحن الجماعية” الرامية الى تحقيق المواطنة الصحيحة.

ثانيا، وضع مصلحة اللبناني كـ”مواطن” بكل معانيها الحقوقية والانسانية، فوق كل المصالح السياسية والحزبية والطائفية، والتصويت لمن يؤمن له الخدمات والحقوق، قانونا وليس منّة، تصون آدميته وعيشه الكريم.

هذان المعياران، يفترضان ان يكونا متأتيين من خيارات السعي إلى مستقبل واعد قوامه:

قوة النقد لا قوة رجال المال والاعمال،

اولوية التعليم الرسمي على مقاطعات التعليم الخاص،

مستشفيات حكومية وليس فقط امبراطوريات خاصة،

مصارف قوية لا مصرفيون اقوياء،

واخيرا، دولة قوية تطمئن، وليس دويلات تستثير العصبيات.

هذه حقيقة يجب أن تعيد ترتيب الاولويات عند جميع اللبنانيين على الطريق إلى تطوير ادارة النظام، وحتى إدخال تعديلات تسد الثغر. فنحن لا نتحدث عن كتاب مقدس، بل عن دستور يجب أن يُحترم متى ارتضاه اللبنانيون وحمى مصالحهم وامنهم الاستشفائي ومستقبل أولادهم التعليمي، وقدم ضمانات لودائع جُمِعت بالعرق والجهد.

عن mcg

شاهد أيضاً

رصيف صحافة اليوم الخميس 12 كانون الاول 2024

لثalmontasher – رصيف صحافة اليوم الخميس 12 كانون الاول 2024   الديار: الرئيس المنتظر: هل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *