مشروع الفجوة المالية يعد المودعين بـ1500دولار شهرياً.. هل هو عرض جاد؟

   

almontasher – ارم الاقتصادية : بين وعد سياسي بـ1500 دولار شهرياً، وصيغة قانونية لا تزال مليئة بالثغرات، يبدو قانون الفجوة المالية، في لبنان، محطة حاسمة لاختبار جدية مسار التعافي. ووفقاً لما تجمع عليه مصادر رسمية وتقارير دولية وخبراء تحدثوا إلى إرم بزنس، فإن السؤال لم يعد هل سيُنفّذ كبرنامج سداد فعلي بأرقام واضحة، أم كإعادة ترتيب محاسبي للخسائر وتأجيل للأزمة؟.

بعد جلسات مطوّلة، أقر مجلس الوزراء اللبناني مشروع قانون «الفجوة المالية / الانتظام المالي وسداد الودائع (FSDR)».وفي خلاصة سياسية بارزة، أعلن وزير الإعلام بول مرقص أن المجلس اتفق على مبدأ أساسي يقضي بألّا يقلّ التسديد للمودعين عن 1500 دولار أميركي شهرياً، وفق ما نقلته الوكالة الوطنية للإعلام عقب جلسة استمرت أكثر من تسع ساعات.

غير أن هذا الإعلان، على ثقله الرمزي، فتح نقاشاً أوسع حول جوهر القانون، لا سيما ما يتصل بتوزيع الخسائر، وقابلية التنفيذ، والمخاطر اللاحقة لإقراره، وهي محاور لا تزال موضع تباين حاد بين الحكومة، مصرف لبنان، المصارف، والخبراء.

توزيع الخسائر.. ماينتقده الخبراء

وفقاً لما نقلته وكالة “رويترز” عن مشروع القانون، يقوم الإطار المقترح على تصنيف الودائع إلى فئات: الودائع التي تقل عن 100 ألف دولار يُفترض أن تُسدّد تدريجياً على مدى أربع سنوات، في حين تُعالج الودائع الأكبر من خلال أدوات مالية طويلة الأجل مدعومة بأصول مصرف لبنان، تمتد آجالها بين 10 و20 سنة.

وتشير “رويترز” إلى أن المشروع ينص على أن البنوك التجارية ستتحمل 20 بالمئة من مسؤولية سداد مدفوعات الأوراق المالية المدعومة بالأصول. وينص أيضا على أن مصرف لبنان والبنوك التجارية ستمول بشكل مشترك مدفوعات الودائع الصغيرة، على ألا تتجاوز حصة مصرف لبنان 60 بالمئة.

لكن هذه المقاربة لا تحظى بإجماع الخبراء، ففي حديث موسّع لـ«إرم بزنس»، يرى الخبير الاقتصادي اللبناني منير يونس أن ما يجري لا يمكن توصيفه كتوزيع عادل للخسائر، بل كتسوية اضطرارية. ويضيف قائلأ: «نحن نعمل اليوم من دون تدقيق جنائي يحدد المسؤوليات. في غياب هذا التدقيق، يصبح التوزيع عبارة عن تسوية بحسب القدرات وليس بحسب المسؤوليات. أي أننا لا نسأل من ارتكب الخطأ أو من استفاد، بل من يستطيع أن يتحمل الخسارة».

ويضيف يونس أن إحدى أعقد النقاط تتعلق بما يعتبره مصرف لبنان دَيناً مستحقاً له على الدولة بقيمة 16.5 مليار دولار، موضحاً أن «هذا الرقم لا يمكن تسجيله كدين عام بالرقم نفسه؛ لأن أي دين عام يجب أن يمر عبر مجلس النواب. لذلك نرى أن مشروع القانون ترك مادة تقول إنه سيتم تحديد هذا الدين لاحقاً بين الدولة ومصرف لبنان، وهذا يعني أن مساهمة الدولة بقيت غير محددة رقمياً، وقابلة للتفاوض السياسي لاحقاً».

من جانبه، يقدّم الخبير الاقتصادي وليد بو سليمان قراءة أكثر ارتباطاً بالمعايير الدولية، معتبراً، في تصريح لـ«إرم بزنس» أن العدالة في الأزمات المصرفية «لا تُقاس فقط بنسبة مئوية تُفرض على المصارف أو المصرف المركزي، بل بسُلّم تحمّل الخسائر».

ويشرح أن «المعايير المعتمدة دولياً تفرض أن يتحمل المساهمون كامل الخسائر أولاً، ثم الدائنون، مع حماية صغار المودعين قدر الإمكان. أي صيغة تُظهر تحميل المصارف جزءاً من الخسائر لكنها تترك الدولة أو المصرف المركزي كمموّل أخير من دون سقف واضح، تعني عملياً إعادة تدوير الخسائر على المجتمع ككل، سواء عبر التضخم، أو الضرائب، أو تراجع الإنفاق العام».

1500 دولار.. وعد سياسي أم برنامج قابل للتنفيذ؟

إعلان حد أدنى قدره 1500 دولار شهرياً للمودعين أثار اهتماماً واسعاً، لكنه فتح في الوقت نفسه أسئلة حادة حول مصدر السيولة. فوفقاً لما نقلته الوكالة الوطنية للإعلام، لا يزال هذا الرقم مطروحاً كمبدأ، فيما لم تُحسم بعد آليات التمويل والتنفيذ التفصيلية.

وتشير “رويترز” إلى أن بدء تنفيذ القانون مشروط بخطوات تقنية أساسية، من بينها تدقيق دولي سريع لأصول مصرف لبنان، وإعادة تقييم جودة أصول المصارف وإعادة رسملتها ضمن مسار إعادة هيكلة أوسع. كما نقلت الوكالة عن وزير المالية ياسين جابر أن تطبيق القانون قد يضخ ما بين 3 و4 مليارات دولار سنويًا في النظام المالي.

غير أن منير يونس يحذّر من الانجرار وراء الأرقام النظرية، موضحاً، في حديثه لـ«إرم بزنس»، أن «موجودات مصرف لبنان قد تُقدّر نظرياً بنحو 55 مليار دولار إذا احتسبنا الذهب، والنقد المتوافر، والعقارات والمساهمات، لكن معظم هذه الأصول غير قابلة للتسييل السريع». ويذكّر بأن «هناك قانوناً صادراً عام 1986 يمنع التصرف بالذهب»، ما يجعل استخدامه لسداد الودائع أمراً بالغ التعقيد سياسياً وقانونياً.

ويضيف يونس أن مصرف لبنان، حتى مع امتلاكه نحو 11 مليار دولار من الاحتياطات النقدية، «ملزم بالإبقاء على احتياطي استراتيجي لتغطية الاستيراد والطوارئ»، محذراً من أن تحميله الحصة الأكبر من سداد ودائع المئة ألف دولار «قد يضعه في زاوية خطرة تهدد الاستقرار النقدي».

في المقابل، يرى يونس أن المصارف التجارية «قد تكون قادرة على تأمين حصتها من ودائع المئة ألف دولار، والتي تُقدّر بنحو 8 مليارات دولار على أربع سنوات، من خلال بيع أصول تملكها»، وإن كان يقرّ بأن سيولتها المباشرة تبقى محدودة.

أما وليد بو سليمان، فيلفت إلى أن المشكلة الجوهرية «ليست في وجود أصول على الورق، بل في توافر سيولة دولارية صافية وقابلة للاستخدام من دون أن تؤدي إلى ضغوط على سعر الصرف أو إلى توسيع الاقتصاد النقدي».

تنقية الميزانيات وشطب الأصول غير المنتظمة

من البنود الأكثر إثارة للجدل في مشروع القانون ما يتعلق بـ«تنقية» ميزانيات المصارف ومصرف لبنان. ووفقاً لما أوردته “رويترز”، تشمل هذه العملية شطب أصول وودائع مصنفة «غير منتظمة».

ويشرح منير يونس لـ«إرم بزنس» أن هذا المفهوم قد يشمل «شطب ودائع غير مشروعة أو غير واضحة المصدر، وقد تكون مرتبطة بتبييض أموال أو تهرب ضريبي، إضافة إلى شطب فوائد تراكمت منذ عام 2016، وشطب جزء من الودائع التي تحولت من الليرة إلى الدولار بعد 17 تشرين الأول 2019». ويرى أن هذه الخطوة، رغم حساسيتها، «قد تكون ضرورية لإظهار الحجم الحقيقي للفجوة».

في المقابل، يحذر وليد بو سليمان من أن تنقية الميزانيات «قد تكشف خسائر أكبر مما هو مُعلن»، ما يعني أن فجوة الرسملة المطلوبة قد تتسع، وأن الضغط قد ينتقل مجدداً إلى سؤال من سيموّل هذه الفجوة».

معارك قانونية ومالية مفتوحة

حتى لو أُقرّ مشروع القانون في مجلس النواب، لا يبدو أن الطريق ستكون سالكة. فقد نقلت رويترز اعتراض جمعية المصارف على الصيغة المطروحة، في حين حذّر خبراء نقلتهم الوكالة من أن بعض البنود تبدو «غامضة عمداً»، خصوصاً في ما يتعلق بما يحدث إذا تعذّر الدفع وفق الجداول الزمنية المحددة.

ويربط منير يونس مصير القانون بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، معتبراً أن الصندوق يشدد على احترام تراتبية الخسائر وعدم تحميل الدولة العبء الأكبر؛ لأن ذلك قد يعيد إنتاج أزمة دين سيادي. ويحذر من أن عدم توافق القانون مع شروط الصندوق «قد يُبقي لبنان خارج أي برنامج دعم، ويعرضه لاحقاً لدعاوى دولية من حاملي سندات اليوروبوند المتعثرة منذ عام 2020».

عن mcg

شاهد أيضاً

انتخاب مقلّد أميناً عاماً مساعداً في تنفيذية الإتحاد العربي

نقر الصورو لتكبيرها الرباع اللبناني محمد زيتون يحصد 11 ميدالية برونزية  في بطولتي العرب وغرب …