الرئيس دونالد ترامب هو «ملك» خارج الولايات المتحدة الأميركية، فيما هو في «الداخل الأميركي» يحاول المستحيل لرفع الإغلاق الحكومي. كما يتفاجأ بوصول زهران ممداني، شخص سياسي كعمدة لنيويورك من أصول إسلامية، يكسب في التصويت كل فقرائها ومثقفيها ومن كل ألوان الطيف بما فيهم الطيف اليهودي الفقير المتضرر من سياسات اليمين اليهودي المتطرف ومن طغيان مليارديرات نيويورك الذين يريدون الاستئثار بكل شيء.

ومعادلة الخارج الأميركي و«الداخل الأميركي»، تفترض «تنبها» إلى كيفية التعامل مع المبادرة الأميركية للسلام في المنطقة، وإلى التحولات العميقة الحاصلة فيها. فهذه المبادرة ترمي إلى تحويل واشنطن لفاعل رئيسي وأحادي في المنطقة، مع الأخذ في الاعتبار لمواقع محدودة، لنفوذ الدول الاقليمية الثلاث الأساسية فيها تركيا و»اسرائيل» وايران. وهذا يشكل نافذة لايران لتفاوض محسوب مع واشنطن.

علما بأن اليمين الديني اليهودي يعتبر نفسه أنه هو الذي أحدث المتغيرات في المنطقة، وبالتالي يريد أن يكون المستفيد الأول من التحولات في التوسع الجغرافي وفي الهيمنة السياسية والاقتصادية وفي تحويل دول المنطقة، وتحديدا ما يسمى «دول الطوق» إلى مقاطعات متعددة تتحكم بها «اسرائيل».

من هنا ثمة تعارضات جوهرية بين المشروعين الأميركي و»الاسرائيلي»، ذلك أن واشنطن تريد صياغة «العالم الابراهيمي» وفقا لحساباتها ، وليس وفقا لحسابات اليمين الديني اليهودي، ومعه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والمستوطنين، الذين تتحكم بهم أوهام توراتية لا ترتكز على سند تاريخي. ومعنى هذا الأمر تسعى واشنطن إلى احتكار «الشراكات» الإقتصادية والمالية والنفطية والاستثمارية مع دول المنطقة.

من هنا سعيها إلى تسريع الحلول في غزة وسوريا ولبنان، وإلى إقامة «العالم الابراهيمي»، مع الأخذ في الاعتبار مطالبة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بإعطاء الأولوية المطلقة لتحقيق السلام، والإعتراف بالدولة الفلسطينية.

وهكذا، فإن الرهان الأميركي هو عليه، وعلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وعلى أمير قطر، وعلى رئيس دولة الإمارات، وعلى الرئيس السوري أحمد الشرع، كقوى ضاغطة مستعجلة للحل، ومحرجة للحكومة الاسرائيلية التي تراهن على الوقت، وعلى انشغال البيت الأبيض في «الداخل الأميركي»، وانصرافه للاهتمام بالانتخابات الأميركية المقبلة.

لبنانيا الرئيس العماد جوزاف عون يريد أن يكون لبنان في ملعب التحولات، ومحيطا بالمعطيات وبالحسابات الأميركية و»الاسرائيلية» على السواء. من هنا وافق على العرض الأميركي بالتفاوض، وربطه بتنفيذ القرار 1701 من الجانب «الاسرائيلي». وهو استند في ذلك إلى خطاب القسم، وإلى البيان الحكومي، وإلى تفاهمات مع الرئيسين نبيه بري ونواف سلام، وإلى تفهم الإدارة الأميركية لحاجات الداخل اللبناني إلى وحدة وطنية، كي يعطي التفاوض ثماره اللبنانية، من دون المساس بالثوابت الوطنية الجامعة. وهكذا أخرج الرئيس جوزاف عون موضوع التفاوض من التجاذبات الداخلية، ومن إمكان «اختراق اسرائيلي» للداخل اللبناني عبر مكوناته.

وفي كل الأحوال يراهن الرئيس العماد جوزاف عون على الدور الايجابي نحو لبنان من جانب الفاتيكان، إذ إن البابا ليو الرابع عشر حريص على التنوع والتعدد اللبناني، وعلى موقع المسيحيين المشرقيين في سوريا والعراق والمحيط.

أما بالنسبة للكتاب المفتوح الذي وجهه حزب الله للرؤساء الثلاثة، فهو ليس اعتراضا على فكرة التفاوض، وإنما على «الضغوط الاسرائيلية» والخارجية التي تمارس على لبنان، لجره إلى مفاوضات يكون الرابح فيها الطرف الاسرائيلي. ومع ذلك يدرك الرؤساء الثلاثة هذا الأمر ويأخذونه في الاعتبار، كما أن الرئيس نبيه بري يشكل ضمانة الموقف الوطني والشيعي م