الإمارات تختصر زمن المعاملات التجارية من أسابيع إلى ساعات
أكتوبر 10, 2025
110 زيارة
almontashe – ايتوس واير: في خطوة نوعية تُعيد رسم ملامح التجارة العالمية، تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم كإحدى الدول الرائدة في تنظيم التقاطع بين التكنولوجيا والتجارة، من خلال رؤيتها الاستباقية في تطوير أطر تنظيمية تدعم الابتكار وتحافظ في الوقت ذاته على الثقة والاستقرار في الأسواق.
وأكد تقرير صادر عن «المنتدى الاقتصادي العالمي» (WEF) أن «مركز السياسات التجريبية للتجارة العالمية» (Global TradeTech Sandbox)، المنبثق عن مبادرة «تكنولوجيا التجارة» (TradeTech) في ، أثبت قدرة التقنيات الحديثة، من البلوكتشين إلى العملات المستقرة، على إحداث تحول جذري في توثيق المعاملات التجارية وتمويلها وتسويتها عبر الحدود، بما يعزز كفاءة منظومة التجارة العالمية ويجعلها أكثر سرعة وشفافية وشمولاً.
جرى إطلاق المركز بشراكة بين وزارة الاقتصاد الإماراتية و«دائرة التنمية الاقتصادية» في أبوظبي و«المنتدى الاقتصادي العالمي»، ليشكل بيئة اختبار خاضعة للرقابة جمعت ثماني شركات تكنولوجية عالمية بالتعاون مع أربع هيئات تنظيمية وطنية.
وخلال فترة امتدت لستة أشهر، تم اختبار حلول رقمية شملت توثيق التجارة الإلكتروني، والهويات اللامركزية، ونماذج الائتمان المعززة ، والمدفوعات القائمة على الأصول المرمَّزة.
سدّ الفجوة التنظيمية في عصر التجارة الرقمية
رغم الطفرة التقنية في مختلف القطاعات، لا تزال التجارة العالمية تعتمد إلى حد كبير على النظم الورقية التقليدية. فكل شحنة دولية تتطلب ما يصل إلى 36 وثيقة و240 إجراءً، ما يرفع التكاليف بنسبة قد تصل إلى 20% من إجمالي كلفة الشحن.
وتحدّ هذه البيروقراطية من الوصول إلى التمويل، خصوصاً للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مما يبرز الحاجة إلى حلول رقمية مدعومة بإطار قانوني موحد.
سعى المركز إلى معالجة هذه الفجوة عبر تعاون وثيق بين المبتكرين في التكنولوجيا والهيئات التنظيمية الوطنية، مثل «» و«سلطة دبي للخدمات المالية» (DFSA) و«هيئة تنظيم الخدمات المالية» (FSRA) في «سوق أبوظبي العالمي».
وركزت التجارب على اختبار مدى توافق الأطر القانونية الحالية مع أدوات رقمية متقدمة كأنظمة البلوكتشين، والهويات اللامركزية، والدفع بالعملات المستقرة.
توثيق التجارة من أسابيع إلى ساعات
شكّلت الوثائق الرقمية المعترف بها قانونياً أحد أبرز إنجازات التجارب، إذ أظهرت نتائج شركتي «كريدور» (Credore) الهندية و«إينيغيو» (Enigio) السويدية أن اعتماد هذه النماذج الإلكترونية يمكن أن يخفض زمن المعالجة من عشرة أيام إلى بضع ساعات، ويقلل كلفة المستند الواحد من نحو 100 دولار إلى ما يقارب الصفر.
طبقت «كريدور» نموذجاً متوافقاً مع «قانون الأونسيترال للسجلات الإلكترونية القابلة للتحويل» (MLETR)، ما أتاح إنشاء سجلات رقمية غير قابلة للتلاعب وقابلة للتتبع، بينما طوّرت «إينيغيو» نظاماً مفتوح المصدر لإنشاء وثائق رقمية أصلية لا يشترط أن تعمل جميع الأطراف على المنصة نفسها، مما يعزز قابلية التوسع الدولي.
ورغم هذه النجاحات، أشار التقرير إلى أن «» لا يزال الجهة الوحيدة في الدولة التي تبنّت «قانون الأونسيترال»، داعياً إلى توحيد الإطار القانوني على مستوى الدولة لتوسيع نطاق التطبيق.
الهويات الرقمية وأنظمة الثقة
ركّزت تجارب أخرى على تعزيز الثقة في تمويل التجارة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إذ طوّرت شركة «إمبيريا» (Empeiria) الإماراتية «جوازات منتجات رقمية» تعتمد على البلوكتشين للتحقق من أصالة السلع وسجلات الفحص، مما يتيح للبنوك تمويل الشحنات بثقة أكبر.
كما استخدمت مؤسسة «آي أوتا» (IOTA) الألمانية هوية رقمية لامركزية وبيانات تجارية مشفّرة لتمويل مصدّرين من كينيا، في تجربة أثبتت أن إثبات الهوية الذاتي يمكن أن يقلل زمن التحقق ويفتح أسواقاً جديدة.
غير أن التقرير نبّه إلى غياب إطار قانوني واضح للاعتراف بالهويات الرقمية اللامركزية، داعياً إلى تحديث التشريعات المنظمة للتوقيع الإلكتروني والهوية الرقمية بما يتوافق مع المعايير الدولية مثل «مؤسسة المعرّف القانوني العالمي» (GLEIF).
وأكد أن تبنّي هذه الأطر الحديثة من شأنه تسريع عمليات الفحص الامتثالي، والحد من التكرار في إجراءات التحقق، وفتح آفاقٍ جديدة أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة في الأسواق العالمية.
الذكاء الاصطناعي والتمويل اللامركزي
يُعَدّ الوصول إلى التمويل التجاري أحد أبرز التحديات التي تواجه الشركات حول العالم، إذ تشير بيانات «منظمة التجارة العالمية» (WTO) إلى أن نحو نصف طلبات التمويل المقدَّمة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تُرفَض، مما يُسهم في اتساع فجوة تمويلية عالمية تُقدَّر بنحو 2.5 تريليون دولار.
وأظهر المركز كيف يمكن للتقنيات القائمة على البيانات أن تضيق هذه الفجوة التمويلية. فقد طوّرت شركة «جيتستريم أفريكا» (Jetstream Africa) الغانية نظاماً يستخدم الذكاء الاصطناعي لتقييم الجدارة الائتمانية، ما خفّض زمن الموافقة على التمويل من أربعة أسابيع إلى أقل من عشر دقائق، وذلك من خلال تحليل بيانات والفواتير لإنشاء ملفات مخاطر دقيقة.
أما شركة «فوي فاينانس» (Voy Finance) الإستونية فقد استخدمت «أدوات التمويل اللامركزي» (DeFi) لتحويل الأصول التجارية، كالفواتير وسندات الشحن، إلى ضمانات رقمية قابلة للتداول على البلوكتشين، مما أتاح تمويلاً فورياً وشفافاً.
لكن التقرير أشار إلى ضرورة وضع تعريفات قانونية واضحة للأصول المرمّزة وإنشاء سجلات فواتير موحدة للحد من الاحتيال وتعزيز الثقة.
العملات المستقرة والضمانات الرقمية
سجّلت حضوراً لافتاً في مجال المدفوعات، فقد طوّرت شركة «مداد القابضة» عملة مستقرة تحقق عائداً يومياً مدعومة بصناديق سوق نقدية مرمّزة، مما خفّض زمن التسوية من أيام إلى دقائق. وتم دمجها في منصة «ساب» (SAP) للمدفوعات الرقمية، بالشراكة مع شركة «فرانكلين تمبلتون» (Franklin Templeton) لتوفير عائد فوري على الأموال المودعة.
كما تعاونت شركة «هايفين» (Haifin) التابعة لمجموعة «إي آند» (&e) مع «مصرف الإمارات المركزي» لتحويل سوق الضمانات المصرفية البالغ 463 مليار درهم إلى منصة رقمية قائمة على البلوكتشين، الأمر الذي قلل مخاطر الاحتيال وحرّر رؤوس أموال مجمّدة.
وبيّن التقرير أن هذه النتائج تُظهر الأثر الكلي المحتمل للأدوات الرقمية في تحسين كفاءة المدفوعات العالمية، لكنه شدد على أن استخدام العملات المستقرة في التجارة يتطلب أطراً تنظيمية صارمة ووضوحاً في متطلبات الاحتياطي والتنسيق الدولي لحماية السيادة النقدية ومنع المخاطر النظامية.
من بيئة اختبار إلى نظام عالمي
تقدّم التجربة الإماراتية نموذجاً عالمياً لتنظيم التجارة الرقمية، إذ تحولت بيئة الاختبار إلى منصة لصياغة سياسات دائمة تستند إلى الابتكار والمرونة التنظيمية.
ودعا «المنتدى الاقتصادي العالمي» الحكومات إلى إنشاء مراكز سياسات تجريبية للتجارة العالمية تجمع بين وزارات التجارة والمالية والجمارك، وتسمح بترخيص المشاريع الناجحة بعد التجريب.
وبذلك، ترسّخ الإمارات مكانتها كمختبر تنظيمي عالمي يوازن بين الابتكار والحوكمة، مقدّمة خريطة طريق لتحديث منظومة التجارة العالمية نحو اقتصاد أكثر كفاءة وشمولاً وعدلاً.