البلديات اللبنانية: بين تحديات الواقع وآفاق التنمية المستدامة
سبتمبر 14, 2025
795 زيارة
المصدر: أنطوانيت علوان
تلعب البلديات دورًا محوريًا في تحقيق التنمية المحلية المستدامة، حيث تُعتبر الإدارة المحلية الأقرب إلى المواطنين، والمسؤولة عن تحسين جودة الحياة في المجتمعات المحلية. في لبنان، تواجه البلديات تحديات هائلة نتيجة الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي عصفت بالبلاد منذ عام 2019، مما أثر بشكل مباشر على قدرتها على تنفيذ مشاريعها التنموية. ومع ذلك، تبرز بعض البلديات كنماذج نجاح رغم الظروف الصعبة، مما يعكس إمكانية تحقيق التنمية المستدامة إذا ما تم تعزيز قدراتها ودعمها بشكل فعال.
يستعرض هذا المقال دور البلديات اللبنانية وفق قانون البلديات والمرسوم الاشتراعي رقم 118 لسنة 1977، ويحلل واقعها الحالي من خلال العقبات والإنجازات، ثم يناقش كيفية تحسين أدائها لتحقيق التنمية المستدامة، مستندًا إلى تقارير ودراسات حديثة وتجارب ميدانية.
البلديات اللبنانية ودورها في التنمية المحلية
وفقًا لقانون البلديات اللبناني، تتمتع البلديات بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، مما يمنحها صلاحيات واسعة لتنفيذ مشاريع تنموية وخدمات عامة تشمل البنية التحتية، النقل، الصحة، التعليم، والثقافة. يُعتبر هذا الدور جزءًا أساسيًا من تحقيق التنمية المتوازنة التي تُعزز استقرار النظام ووحدة الدولة.
على الرغم من هذه الصلاحيات، فإن البلديات اللبنانية تواجه تحديات معقدة تعيق قدرتها على تحقيق أهدافها التنموية. حيث شكلت الأزمة الاقتصادية في أواخر عام 2019، إلى جانب التدخلات السياسية، الفساد، ونقص الخبرات الإدارية، أبرز العقبات التي أثرت على أداء البلديات، كما أشار تقرير المركز اللبناني للدراسات والسياسات (LCPS) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2024.
ومن أبرز العقبات التي تواجه البلديات اللبنانية هي:
-
الأزمة الاقتصادية الحادة: منذ عام 2019، تأثرت البلديات بشكل مباشر بالتضخم وتأخر التحويلات من الصندوق البلدي المستقل، مما أدى إلى تراجع قدرتها على تحصيل الإيرادات وتقدير النفقات.
-
ضعف الإطار القانوني والتنظيمي: أدى غموض النصوص القانونية ونقص الخبرات الإدارية إلى ضعف في التخطيط والتنفيذ، إضافة إلى انتشار ثقافة عدم احترام القانون.
-
شرذمة البلديات: أدت كثرة عدد البلديات مقارنة بحجم البلد واحتياجاته التنموية إلى خلل في توزيع الموارد والجهود، مما أثر على كفاءة العمل البلدي.
-
التدخلات السياسية والفساد: إن غياب الاستقلالية الفعلية للبلديات في بعض المناطق جعلها عرضة للتأثيرات السياسية وشبهات الفساد، مما أضعف دورها التنموي.
-
نقص التجهيزات والموارد البشرية: عدم وجود أرشيف منظم، نقص التجهيزات، وضعف الكادر الإداري والفني، كلها عوامل تعيق العمل البلدي الفعّال.
لكن رغم هذه العقبات، تمكنت بعض البلديات من تحقيق إنجازات ملموسة في مجالات متعددة، مثل:
-
مشاريع بيئية: أنجزت بلدية برعشيت مشروع إنارة الشوارع بالطاقة الشمسية، وهو الأكبر من نوعه في لبنان، إضافة إلى مشاريع لتوفير مياه الشرب وتشغيل مضخات المياه، وفقًا لتقرير نشرته جريدة الجمهورية.
-
تنمية البنية التحتية: نفذت بلدية بيروت مشاريع ترميم وتأهيل الحدائق والشوارع، وأنشأت مختبرًا بلديًا مركزيًا لتحليل ودراسة الغذاء والبيئة، بحسب موقع لبنان24.
-
دعم المجتمعات المضيفة: أعد اتحاد بلديات الشوف خطة تنمية اجتماعية واقتصادية محلية بدعم من الأمم المتحدة، مع تحسين التخطيط المحلي ودعم المجتمعات المحلية.
-
مشاريع الطاقة المتجددة: برنامج “بلدي” الممول من USAID نفذ أكثر من 55 مشروعًا في مجالات الطاقة الشمسية، تحسين الدخل، وتوفير الخدمات الصحية، مما ساهم في تحسين ظروف العيش لـ195 ألف شخص.
ويبقى السؤال المطروح، كيف يمكن تحسين أداء البلديات لتحقيق التنمية المستدامة؟
تشير الدراسات والتقارير الحديثة، مثل تقرير مشروع التمكين البلدي المشترك بين الاتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2024، إلى مجموعة من الإصلاحات والإجراءات التي يمكن أن تعزز أداء البلديات اللبنانية:
-
مراجعة الإطار القانوني والتشريعي: مثل تحديث القوانين لتعزيز استقلالية البلديات المالية والإدارية. وكذلك تقليل الرقابة المركزية على الإنفاق، وإعادة توزيع العائدات الضريبية بشكل عادل.
-
دمج البلديات لتحسين الفاعلية: تقليل عدد البلديات عبر الدمج وفق اعتبارات اقتصادية وديموغرافية، وتعزيز القدرة على تنفيذ مشاريع تنموية متكاملة وخفض التكاليف الإدارية.
-
تطوير القدرات الإدارية والبشرية: تنظيم برامج تدريبية لتطوير مهارات العاملين في التخطيط الاستراتيجي، الجباية، وإدارة المشاريع. كذلك اعتماد التحول الرقمي لتحسين كفاءة العمل البلدي.
-
تعزيز الشفافية والمشاركة المجتمعية: من خلال نشر محاضر جلسات المجلس البلدي وتمكين المواطنين من الاطلاع على الموازنات والمشاريع. وإشراك المجتمع المدني في صنع القرار لتحديد الأولويات التنموية.
-
تنويع مصادر التمويل: دعم الشراكات مع القطاع الخاص والمنظمات الدولية. وتفعيل دور الصندوق البلدي المستقل وتحسين تحصيل الرسوم المحلية.
-
التوجه نحو التنمية المستدامة: اعتماد حلول بيئية مثل الطاقة المتجددة وإدارة النفايات. وكذلك دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتعزيز التنمية الاقتصادية المحلية.
-
توسيع صلاحيات البلديات: منح البلديات صلاحيات أكبر في الإدارة المالية وفرض الضرائب المحلية، وتعزيز استقلالية رئيس البلدية عبر انتخابه مباشرة من المواطنين.
في الختام، رغم التحديات الهائلة التي تواجه البلديات اللبنانية، يبقى دورها محورياً في تحقيق التنمية المحلية المستدامة. حيث يتطلب تحسين أداء البلديات إصلاحات قانونية وإدارية، تعزيز الشراكات المجتمعية، وتوجيه الجهود نحو الابتكار والتنمية المستدامة.
يمكن للبلديات أن تُصبح نموذجًا للتنمية المستدامة والشراكة الحقيقية بين الإدارة والمجتمع، إذا ما تم دعمها وتمكينها، لأن من خلالها يمكن للبنان أن يخطو نحو مستقبل أفضل.