منذ الإستقلال ، لم يشهد لبنان مراجعة واحدة أعقبت حدثاً كبيراً أو مفصلياً كما درجت العادة في معظم دول العالم . فلم تجرِ مراجعة مثلاً عقب الحرب الأهلية ، كما لم تبادر السلطات المعنية والإدارات المختصة الى إجراء تقييم موضوعي في أعقاب اعتداءات إسرائيلية على لبنان ، أين نجحت وأين أخفقت ، لأسباب معروفة لها صلة بالحساسيات الطائفية والمخاوف من ربط مسؤولية أي مسؤول بطائفته . ولهذا السبب ربما لم يسمع اللبنانيون تقييماً رسمياً جدياً لنتائج عدوان أيلول الأخير .
لكن اللبنانيين أنفسهم أجروا مراجعاتهم بأنفسهم من دون انتظار أي تقييم رسمي ، فاختلفوا حول عناوين كثيرة ، لكنهم أجمعوا على واحدة : نجاح شركة طيران الشرق الأوسط الباهر في الصمود رغم المخاطر التي حاصرتها أكثر من أي مؤسسة أخرى .
أما سبب هذا الإجماع فبسيط وهو أنه في الوقت الذي اضطُرّت مؤسسات وإدارات على امتداد خارطة الجمهورية للإقفال أو تعليق أعمالها ، قرّرت الشركة المذكورة تحدي العاصفة ، وهي في قلبها بحكم موقع المطار الجغرافي المُتاخم للضاحية الجنوبية ، ورغم سقوط الصواريخ من يمينه ومن يساره ، واستمرت بالعمل وبإبقاء صلات اللبنانيين بالعالم وكأن شيئاً لم يكن .
لم يكن هذا الإنجاز تفصيلاً ، أو مجرد نجاح عابر . ما قامت به “الميدل إيست” بطاقمها الإداري والفني وعلى رأسه محمد الحوت ، كان إنجازاً جباراً يمثل أنموذجاً للوطنية والمهنية في آن .
وحدها “الميدل إيست” خرقت الحصار الإسرائيلي الجوي والبحري ، ووزعت نسورها في الفضاء لتحتفظ الأرزة اللبنانية بمقاعدها في السماء .
لن ينسى اللبنانيون ، وأنا واحد منهم ، كيف كانت رائحة البارود تزكم أنوفهم وهم يطأون أرض المطار في الذهاب وفي الإياب . كما لن ينسوا قدر المخاطر التي تكبدها إداريو هذه المؤسسة وجهازها الفني ومضيفوها والمضيفات عند كل حركة إقلاع أو هبوط .
“الميدل إيست” واحدةٌ من المعجزات الوطنية التي يفتخر بها كل لبناني . ومحمد الحوت مفخرةٌ بذاته كتب قصة نجاح هذه الشركة – الأيقونة بعرق الجبين وبكفاءة قلّ نظيرها .