باتت الحرب الإسرائيلية على لبنان على مشارف انتهاء شهرها الثاني والدخول في الشهر الثالث، وسط مساعٍ حثيثة لوقف إطلاق النار لكن من دون التوصل إلى اتفاق نهائي حتى الآن.
مع استمرار الحرب، وتزايد حدة القصف وتوسع رقعة الاستهدافات لتطال مناطق لبنانية جديدة، دخل المواطن في حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل الذي ينتظره، وما ستؤول إليه الأمور في حال طال أمد الأزمة.
في ظل هذه الحالة، يسعى المواطن اللبناني إلى التكيف مع الوضع قدر الإمكان، رغم الصعوبات الناتجة عن أزمة اقتصادية خانقة لا مثيل لها.
ومن الأمور التي لجأ إليها الشعب اللبناني في السنوات الأخيرة، شراء الذهب الذي يُطلق عليه اسم “الملاذ الآمن”، لأنه المعدن الأكثر أماناً، والذي يسمح للأفراد والمستثمرين بالحفاظ على ثرواتهم خلال الأزمات.
عالمياً، ارتفعت اسعار الذهب يوم الخميس 21 تشرين الثاني (نوفمبر) للجلسة الرابعة على التوالي مدعومة بزيادة الطلب على الملاذ الآمن، وزادت العقود الفورية للذهب 0.2% مسجلةً 2654.50 دولار للاوقية وصعدت العقود الأميركية الآجلة للذهب بنفس النسبة مسجلة 2657.10 دولار للأوقية.
تُثار الكثير من الأسئلة حول مستقبل أسعار الذهب. فما هي التوقعات بشأن أسعار الذهب، وإلى أي مستوى قد تصل؟ وكيف تعامل اللبنانيون مع عملية شراء وبيع هذا المعدن خلال الحرب؟
“عليكم بشراء الذهب”
في هذا السياق، يؤكد الخبير في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية علي حمّود في حديث خاص لـ”النهار” أن “أسعار الذهب ارتفعت يوم 19 تشرين الثاني (نوفمبر) إلى أعلى مستوى لها خلال أسبوع مع تراجع الدولار، وتصاعد التوترات الجيوسياسية في أوروبا بين روسيا وأوكرانيا، مما دفع المستثمرين إلى التوجه نحو الأصول الآمنة”.
ويضيف أن “التهافت على الذهب يعود أيضاً إلى الخوف من الأزمات في الشرق الأوسط”.
ويأتي ذلك في وقت يترقب فيه المستثمرون إشارات من المسؤولين الأميركيين بشأن خطط أسعار الفائدة في الفترة المقبلة، “في ظل الحديث المرتقب لعدد من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع، إضافة إلى التوقعات بتخارج تريليوني دولار من الصناديق المالية الأمريكية مع خفض الفائدة. ومن الطبيعي أن يتم استثمار هذه الأموال في الملاذات الآمنة، وأبرزها الذهب”، وفقاً لحمّود.
ويشرح الأسباب الأساسية لزيادة الطلب على الذهب، قائلاً: “أهم هذه الأسباب هو الطلب من البنوك المركزية العالمية، والتوجه الفيدرالي نحو المزيد من خفض الفائدة، بالإضافة إلى التحوط ضد الأزمات التي يشهدها العالم”.
إلى ذلك، توقع بنك الاستثمار الأميركي “غولدمان ساكس” عودة أسعار الذهب إلى الارتفاع وتصاعدها لتسجل مستوى تاريخياً عند 3000 دولار للأونصة بحلول نهاية 2025.
وقال البنك إنَّ أسعار الذهب العالمية سترتفع خلال العام المقبل إلى مستوى قياسي، بفضل عمليات الشراء من جانب البنوك المركزية وخفض الفائدة الأميركية.
في هذا الإطار، يقول حمّود: “من المتوقع أن تصل أسعار الذهب في نهاية العام إلى 2800 دولار للأونصة، وأوائل 2025 إلى 3000 دولار”.
ويتابع: “على الرغم من الخسائر التي تكبدها الذهب خلال فترة الانتخابات الأميركية بسبب إقبال المستثمرين على الأصول ذات المخاطر العالية، فإن مكاسب المعدن الأصفر منذ بداية العام تجاوزت الـ26%، وهي أفضل مكاسب سنوية منذ 14 عاماً”.
ويوجّه حمّود نصيحة، قائلاً: “عليكم بشراء الذهب… فإذا أردنا المقارنة مع البيتكوين التي تجاوزت أسعارها أسعار كيلو الذهب، فإن من الأفضل أن نشتري المعدن الأصفر”.
وعن شراء اللبنانيين للذهب، يشير إلى أن “هذا التوجه يأتي بسبب الحرب الدائرة، والخوف من المجهول أو استمرار الصراع”.
حركة نشِطة
وفي نظرة على تعامل اللبنانيين مع المعدن الأصفر خلال الحرب لا سيما في مناطق النزوح، تؤكد تالا حسن التي تعمل مع والديها في محل لبيع المجوهرات في كترمايا بإقليم الخروب (نحو 22 كلم إلى الجنوب كن)، في حديث لـ”النهار”، أن “هناك زبائن جدد، لا سيما مع حركة النزوح. فمنهم من يرغب في بيع الذهب طلبًا للمال بسبب الأزمة الحالية، وآخرون يشترون”.
وتضيف أن “الأشخاص الذين يرغبون في شراء الذهب يركزون على الأونصات والليرات، خوفاً من تدهور الوضع وزيادة بدل الإيجار عليهم”. وتابعت بمثال عن شخص حوّل كل أمواله إلى ذهب ثم سافر إلى قطر.
وتشير حسن إلى أن البعض يشتري الذهب لتخفيف حدة الاكتئاب الذي يشعر به بسبب الحرب الدائرة.
وتوضح في حديثها أن المنطقة تشهد حركة تجارية نشطة، ما دفع البعض إلى فتح محلات جديدة.
من جهتها، تقول إحدى الموظفات في محل لبيع المجوهرات، في مدينة طرابلس شمالي لبنان، إنَّ هناك حركة مستمرة من الزبائن، خاصةً مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد.
وتضيف لـ”النهار”: “العديد من الأشخاص يبيعون الذهب لشراء احتياجاتهم اليومية، بينما آخرون يعمدون إلى شرائه كاستثمار للمستقبل خوفاً من تدهور الأوضاع أكثر”.
وتشير الموظفة إلى أن “الأشخاص الذين يشترون الذهب يفضلون القطع الصغيرة، والتي يعتقدون أنها ستكون أكثر استقراراً إذا استمر الوضع الاقتصادي في التدهور”.
مع كل ما تقدّم، يبقى الاحتفاظ بالذهب ضرورة لمن استطاع، لأنه يحتاج إليه في الأزمات، كما يحدث اليوم خلال الحرب. وستظل مقولة ‘خبّي قرشة الأبيض ليومك الأسود’ تلاحق المواطن اللبناني في كل وقت، في بلد لا استقرار فيه، ومعرضٌ دائماً للانتكاسات الأمنية والاقتصادية وغيرها.