خلال السنوات الخمس الاخيرة اصبح لبنان واللبنانيون المقيمون فيه يعتمدون على التحويلات المالية التي يتم ارسالها من اللبنانيين المغتربين والمنتشرين الى اهلهم واصدقائهم الذين يعانون اليوم من تراجع الحياة المعيشية والوضع الاقتصادي المتأزم بحيث لم تعد رواتبهم تكفي لاعالة عائلاتهم واسرهم رغم ان لبنان اصبح مدولرا بنسبة كبيرة تتعدى اليوم الـ ٨٥ في المئة .

ومن الطبيعي ان تكون هذه التحويلات المالية بالعملة الصعبة وخصوصا الدولار الاميركي وقدرت مصادر مصرفية قيمة التحويلات المالية في العام ٢٠٢٣ ما يوازي ٧مليارات و٨٠٠مليون دولار ويتوقع رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم عباس فواز ان تتجاوز الـ ٨ مليارات دولار هذا دون ذكر حجم الاموال التي تدخل عبر المعابر الجوية والبرية التي تقدر بالمليارات وبحسب آخر تقديرات البنك الدولي، فإن لبنان تصدّر المرتبة الاولى في المنطقة من حيث مساهمة تحويلات المغتربين في الناتج المحلي الاجمالي والتي بلغت 30,7%، وهذا ما يشير إلى تراجع حوالي 5% عن العام 2022 حيث سجّلت الارقام آنذاك 35,7%.

هذه النسبة تقل بشكل حاد عن الزيادة المسجلة في عام 2021 والتي بلغت 10.2%”. وتُعد التحويلات مصدراً حيوياً لدخل الأسر المعيشية للبلدان منخفضة الدخل، كما أنها تخفف من حدة الفقر، . وتظهر الدراسات أن التحويلات تساعد الأسر المستفيدة على بناء القدرة على الصمود في وجه الأزمات .

وتعليقاً على ذلك، قال عفت شريف، المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للحماية الاجتماعية والوظائف في البنك الدولي: “في أثناء الأزمات، تغلب المهاجرون على المخاطر وأظهروا قدرة على الصمود في مواجهتها لدعم أسرهم وذويهم في بلدانهم، لكن ارتفاع معدلات التضخم وضعف النمو العالمي يؤثران على حجم الأموال التي يمكنهم إرسالها، ويجب أن تشمل أسواق العمل وسياسات الحماية الاجتماعية في البلدان المضيفة المهاجرين الذين تمثل تحويلاتهم شريان حياة حيويا للبلدان النامية”.

مصادر مالية تعترف بأهمية التحويلات المالية في ظل الركود الذي تعانيه مختلف القطاعات الاقتصادية والعائلات اللبنانية التي باتت تعيش على ما يرسله اولادها اليها حيث يمكن للأسر تأمين احتياجاتها الأساسية مثل المعيشة والتعليم والرعاية الصحية وبعد ان ارتفعت نسبة البطالة في لبنان وكذلك الامر بالنسبة للفقر التي تعدت نسبته الـ ٨٠ في المئة وتراجع حركة الاستثمار وتأمين فرص العمل .

وتضيف هذه المصادر المالية ان الدورة الاقتصادية باتت تعتمد على هذه التحويلات في حركة الاسواق والاستهلاك التي عادت الى الانتعاش على الرغم من ان بعض التحويلات لا تتجاوز الـ ٥٠ دولارا اميركيا والحد المتوسط ٥٠٠ دولار اميركي .

لقد دخلت التحويلات المالية في جسم الاقتصاد الوطني وحركته بعد جمود بسبب ما تعرض له لبنان من انهيار نقدي ومالي ومصرفي وجائحة كورونا افقدته التوازن الاقتصادي فكانت هذه التحويلات بمثابة حبة الدواء التي تسكن الوجع لكن لا تشفيه في ظل غياب الاصلاحات التي تضع لبنان على طريق التعافي الاقتصادي .

وتعتبر المصادر المالية ان الصيف يشهد سنويا انتعاشا بالعملة الصعبة من جراء تدفق المغتربين الى لبنان وقد اثر ذلك على احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة التي قاربت العشرة مليارات دولار بعد ان كانت منذ سنة لا تتجاوز الثماني مليارات دولار وكل ذلك بسبب ما انفقه المغتربون او بسبب تحويلاتهم المالية اضافة الى تأثير هذه التحويلات على حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية التي تراجعت الى حدود ٥٠ تريليون ليرة بعد ان وصلت الى ٨٠ تريليون ليرة وغني عن القول ان ميزان المدفوعات هو ايضا تشكل التحويلات عاملا ايجابيا له مع العلم انها تساهم في تخفيف العجز في الميزانية العامة رغم ان هذه الحكومة فرضت الضرائب الكبيرة على المواطنين .

صحيح ان القطاعات الاقتصادية تتأثر سلبا بالتطورات الامنية والسياسية والاقتصادية لكن طالما ان حركة التحويلات المالية مستمرة طالما ان لبنان سيبقى واقفا على رجليه بفضل ابنائه المغتربين الذين لم يبخلوا يوما في مد يد المساعدة للبنان المقيم بحيث باتت تعتبر اليوم هذه التحويلات “خشبة خلاص “لازمة يعانيها البلد والمواطنون معا .