طبقا للبيانات الإحصائية الصادرة عن المصارف المركزية، فإن القطاع المصرفي الخليجي عموما، والبحريني خصوصا، حققا أداء جيدا جدا بالعام الماضي 2023، سواء بالنسبة إلى النمو، أو الأرباح، وذلك على عكس الضغوط التي تعرَضت لها المصارف والأسواق المالية العالمية، علما أن حجم موجودات القطاع المصرفي الخليجي قد بلغ نحو 3258 مليار دولار في نهاية الربع الثالث من العام 2023، فيما بلغ حجم موجودات القطاع المصرفي البحريني نحو 229 مليار دولار.
وفي هذا السياق، تحدث الأمين العام لاتحاد المصارف العربية وسام فتوح في لقاء خاص مع “البلاد”، ليؤكد أن البيئة التشغيلية الجيدة في دول الخليج في ساهمت هذا الأمر، حيث تشير البيانات إلى أن نمو القطاع غير النفطي في دول الخليج، كالسياحة والعقارات وتجارة التجزئة، كان سببا أساسيا في تعزيز البيئة التشغيلية فيها، يضاف إلى ذلك أسعار النفط الجيدة التي أضافت سيولة كبيرة للأسواق، وهو ما أدى إلى وفرة احتياطات السيولة لدى المصارف الخليجية ومن جهة أخرى، فإن ارتفاع معدلات الفوائد وانخفاض التضخم أديا إلى زيادة الدخل من الفوائد، وبالتالي إلى أرباح فعلية مرتفعة، في حين لم نشهد تأثيرا كبيرا على الطلب على الائتمان”.
ودعا الأمين العام لاتحاد المصارف العربية إلى مشاركة واسعة في القمة المصرفية العربية الدولية التي ينظمها اتحاد المصارف العربية بالتعاون مع جمعية البنوك التركية وتحت رعاية رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان وفي حضور وزير المالية التركي محمد شيمشك ومحافظ البنك المركزي التركي فاتح كاراهان والقمة تنعقد تحت عنوان “العلاقات الاقتصادية والمصرفية العربية – التركية” في اسطنبول يومي 23 و24 مايو، وستشكل منصة حوارية للتعاون المالي والمصرفي والتجاري العربي – العربي والعربي – التركي.
فيما يلي الحوار الذي أجرته “البلاد” مع الأمين العام لاتحاد المصارف العربية وسام فتوح.
**كيف ترى مستقبل القطاع المالي والمصرفي في البحرين ودول الخليج؟
فيما يخص العام الحالي 2024، نتوقع استمرار الأداء الجيد للمصارف الخليجية، في ظل نمو اقتصادي جيد، خصوصا في القطاع غير النفطي في منطقة الخليج، والذي من المتوقع أن ينمو بنسبة 3.5 %، حتى في ظل التوترات التي تشهدها المنطقة عموما، حيث نجحت دول الخليج في عزل التداعيات الدولية والإقليمية عن اقتصاداتها. وعليه، فإننا نتوقع أن يظل القطاع المصرفي في دول مجلس التعاون الخليجي مرنا في العام 2024، مع احتياطات سيولة مرتفعة، وربحية قوية، ومخاطر ائتمان منخفضة. كما نتوقع توسعا كبيرا في اعتماد الرقمنة وتحديدا تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المصارف الخليجية، حيث نشهد استثمارات ضخمة في البنية التحتية التكنولوجية لها، ما سيؤدي إلى خفض التكاليف التشغيلية وتطوير الكفاءة والأداء.
**كيف ترى تأثير انخفاض الفائدة المتوقع على القطاع المصرفي في الوطن العربي والخليج خصوصا؟
رغم أنه ليس من المتوقع أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بخفض الفوائد في المدى المنظور، فبرأيي، وحتى عند تحقق هذا الأمر، لن يكون له تأثيرات كبيرة على القطاع المصرفي العربي، وتحديدا في الدول التي عادة ما تواكب تغيير الفوائد من قبل الاحتياطي الفيدرالي، وتحديدا دول الخليج والأردن والمغرب.
ويعود ذلك إلى أن انخفاض الفوائد، سوف يؤدي حتما إلى ازدياد الطلب على الائتمان، خصوصا في ظل نمو اقتصادي قوي متوقع في دول الخليج، والذي يؤدي بدوره إلى منافع بالنسبة إلى الدول العربية الأخرى عبر قنوات التحويلات المالية والسياحة والاستثمار، ما سوف يعوض أي انخفاض في فائدة الإقراض لدى المصارف.
علما أن استراتيجيات وإجراءات التنويع الاقتصادي التي بدأت دول الخليج باعتمادها منذ سنوات عديدة، قد أدت فعلا إلى نشوء قطاعات اقتصادية غير نفطية، وقاعدة إنتاجية كبيرة، وقطاع خاص حيوي جدا، وكلها تعتمد على القطاعات المصرفية في عملياته، وعليه، فإن الطفرة المتوقعة في تلك القطاعات لابد أن تنعكس إيجابا على الطلب على الائتمان المصرفي، وبالتالي على أداء القطاعات المصرفية في تلك الدول.
***ما نظرتك المستقبلية للقطاع المصرفي في كل من لبنان ومصر؟ وما الحلول التي يمكن تقديمها لحل بعض المشكلات التي يمران بها؟
من المهم التمييز بين وضعية القطاع المصرفي في لبنان والقطاع المصرفي في مصر، لأن الأوضاع والتحديات الاقتصادية والمالية والنقدية في البلدين تختلف جذريا، ففي حين أن لبنان يعاني أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخه، وهي إحدى الأزمات المالية الأكثر تعقيدا حول العالم خلال مئة عام، وذلك في ظل تعقيدات سياسية تعوق اتخاذ قرارات جريئة وإجراءات تصحيحية للخروج من الأزمة، كما أن المصارف اللبنانية لديها مشكلة حقيقية تتمثل بتعثر الدولة وعدم دفعها لدائنيها، كذلك مصرف لبنان، وهو الدين الذي تحمله المصارف بشكل رئيس، لذلك، فالوضع شديد التعقيد بالنسبة إلى المصارف اللبنانية، وحتى الآن، لا يبدو أن الحكومة اللبنانية في صدد تطبيق أي خطة نهوض شاملة للخروج من الأزمة، علما أن اتحاد المصارف العربية، وانطلاقا من دوره في مساعدة الدول والمصارف العربية، قد أعد مقترحات لخطة شاملة ولبرنامج منطقي للخروج من الأزمة في لبنان، تم عرضها في مؤتمر عقد في بيروت في شهر أكتوبر من العام 2022، وجرى رفعها إلى الحكومة اللبنانية كمقترح مقدم من الاتحاد.
هذا ويخصص الإتحاد في 25 و26 أبريل المقبل مؤتمرا في بيروت عن “الأمن الاقتصادي في ضوء المتغيرات الجيوسياسية”، ويركز هذا الملتقى على الاضطرابات والتغييرات الجيوسياسية والاقتصادية والمناخية التي تشكل تحديا غير مسبوق على الاستقرار المالي والاجتماعي وعلى مسار تحقيق أهداف التنمية في المنطقة العربية، كما يتناول المؤتمرون تقديم الاقتراحات الممكنة لمواجهة هذه التحديات ضمن الدول العربية وتضافر الجهود في مواءمة السياسات والاستراتيجيات بينها.
أما بالنسبة إلى مصر، فالوضع دون شك، ما يزال بعيدا عن حدوث أزمة مشابهة للبنان، وحتى في ظل الأوضاع الجيوسياسية والحرب على غزة، وما ترافق ذلك من تضرر في السياحة وتراجع في عبور السفن عبر قناة السويس، وهما رافدان أساسيان للعملة الصعبة في مصر، فإن الحكومة المصرية قد اتخذت إجراءات للحد من تداعيات كل ذلك.
وأشدد على أن المصارف المصرية متحوطة جدا ولديها رساميل وملاءة وسيولة ممتازة، كما أن مخاطر الائتمان التي قد تواجهها هي ضمن معدلات منخفضة ولا تشكل أي خطر على وضعها. وعلاوة على كل ذلك، يمتلك البنك المركزي المصري احتياطات دولية تزيد عن 35 مليار دولار.
هناك دول مثل مملكة البحرين قلصت عدد البنوك واعتمدت على التطور التقني والتكنولوجي للمعاملات البنكية، ما رأيك بهذه الخطوة؟ وهل تتوقع مستقبلا أن تتخلى البنوك عن مبانيها والاكتفاء بمبنى واحد لها، والاعتماد على محاكاة الذكاء الاصطناعي في تنفيذها لخدمتها ومعاملاتها البنكية؟
شرعت مملكة البحرين في رحلة طموحة للتحول الرقمي بما يتماشى مع «رؤية 2030»، والتي هي خطة تنموية شاملة تهدف إلى تنويع الاقتصاد وضمان النمو المستدام وتسخير التكنولوجيا لرقمنه اقتصادها وتعزيز قدرتها التنافسية وتحقيق الأهداف المنصوص عليها في رؤية 2030.
وأظهرت حكومة البحرين أيضا التزامها بدعم صناعة التكنولوجيا المالية بما يتجاوز مجرد الإصلاحات التنظيمية، من خلال استثمارات تهدف إلى تعزيز الابتكار وريادة الأعمال. وإضافة إلى ذلك، وكجزء من استراتيجية مصرف البحرين المركزي للتحول المالي الرقمي في المملكة والتطورات في الخدمات المالية الرقمية، فقد وضع مبادرات عديدة مثل تقديم البيئة التنظيمية التجريبية، التي تسمح للشركات الناشئة وشركات التكنولوجيا المالية بتقديم حلول مصرفية ومالية مبتكرة، حيث كان بالفعل استباقيا في اعتماد سياسات وإجراءات تنظيمية تتعلق بالأصول المشفرة، والاستشارات المالية الرقمية، والتمويل الجماعي، والخدمات المصرفية المفتوحة، وإطار اعرف عميلك الإلكتروني وغيرها. وبنتيجة ذلك، شهدت صناعة التكنولوجيا المالية في مملكة البحرين نموا كبيرا، حيث تعمل حاليا أكثر من 120 شركة في مجال التكنولوجيا المالية في المملكة، كما استفادت منظومة التكنولوجيا المالية في البحرين أيضا من وجود 19 حاضنة ومسرعة أعمال، وهو ما يوفر الموارد والدعم شركات التكنولوجيا الناشئة للنمو والتوسع.
وواكبت المصارف البحرينية سياسات الحكومة والبنك المركزي في التحول الرقمي واعتماد المزيد من الرقمنة في عملياتها، بحيث يمكننا وصف ذلك «بتحول رقمي واسع» في القطاع المالي البحريني، وهذا التحول ظهرت بوادره في مجالات عديدة، منها تطوير الخدمات المالية، وتقديم خدمات جديدة، وتوسيع نطاقها، وتخفيض كلفتها، إضافة إلى التوجه إلى الاعتماد أكثر على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، الذي يحل في مجالات عديدة محل الإنسان، وسوف يؤدي هذا الأمر دون شك إلى استبدال العنصر البشري بالآلة، أي تطبيقات الذكاء الاصطناعي، في مجالات وقطاعات عديدة في المصارف، ولكن دون أن يعني ذلك تقلص حجم المصارف واقتصارها على مبنى واحد.
***هناك بعض الدول بدأت بتطبيق العملة الرقمية الصادرة عن مصارفها المركزية، متى برأيك تبدأ الدول العربية والخليجية بتطبيق هذا النوع من العملات؟ وما التحديات التي تواجهها في هذا الشأن؟
كجزء من سياسات التحول الرقمي التي تنتهجها، تسعى مصارف مركزية خليجية فعلا إلى البدء باعتماد العملة الرقمية Central Bank Digital Currency، إلى جانب العملة الورقية، وإن بدرجات مختلفة، وسوف يساعد التطور التكنولوجي والمصرفي والمالي في دول الخليج بشكل كبير في ذلك الأمر، ولا شك في أن لذلك منافع جدية، منها تعزيز الشمول المالي في منطقة الخليج، وزيادة كفاءة المعاملات المالية والمصرفية، وتحقيق سيطرة أفضل على السياسة النقدية، وتسهيل المعاملات عبر الحدود، والحد من الانشطة غير المشروعة، وغيرها.
ولكن في المقابل، قد يترتب على استخدام العملات الرقمية عدد من التحديات، منها على سبيل المثال، احتمال تقليل الحاجة إلى الوسطاء الماليين التقليديين (مثل المصارف)، ما قد يؤدي إلى فقدان وظائف وانخفاض النشاط الاقتصادي، واحتمال تعرض النظام المصرفي لعدم استقرار نتيجة لزيادة مفاجئة في الطلب على العملات الرقمية، والتعرض للهجمات الإلكترونية ومحاولات القرصنة، بالإضافة إلى احتمال انتهاك خصوصية المستخدمين لتلك العملات.
**كيف ترى التطورات الجيوسياسية في المنطقة وتأثيراتها على الاقتصاد الخليجي والعالمي ككل في المستقبل القريب؟
أثرت حرب غزة بشكل أساسي على كل من مصر والأردن ولبنان، خصوصا في مجالات السياحة، بالإضافة إلى إيرادات قناة السويس بالنسبة إلى مصر. أما بالنسبة إلى الدول الخليجية، فمن غير المتوقع أن تتأثر بشكل ملحوظ سواء بسبب الحرب في غزة، أو بسبب التعقيدات الجيوسياسية الناجمة عنها في البحر الأحمر وبحر العرب. وهنا ألفت إلى توقعات النمو التي أصدرها صندوق النقد الدولي في نهاية يناير 2024، والتي أشارت إلى أن المنطقة، وتحديدا دول الخليج، سوف تشهد نموا اقتصاديا خلال العام الحالي 2024، أعلى من العام 2023، على الرغم مما يجري، وهو ما يؤكد عدم تأثر الاقتصادات الخليجية بتلك الأحداث.