اندونيسيا: صراع اميركي صيني عليها

يبدو أن إندونيسيا، البلد الواقع في جنوب شرق آسيا، أصبحت أحدث حلقات الصراع بين الولايات المتحدة والصين، خاصة في قطاع السيارات الكهربائية، وتحديدا في مجال تعدين النيكل، الذي يعد مكونا أساسيا في صناعة بطاريات الليثوم، وفقا لخبراء بقطاع تصنيع السيارات الكهربائية.

ويطلق على النيكل اسم “معدن الثورة الخضراء” لاستخدامه بصورة واسعة في صناعة تكنولوجيا الطاقة النظيفة، خاصة السيارات الكهربائية ومحطات الطاقة المتجددة.

ومع رغبة مصنعي السيارات الكهربائية في التحول نحو المزيد من خفض التكاليف والطاقة المستدامة، فإن النيكل أصبح بديلا جاذبا لرخص ثمنه، بالمقارنة مع الكوبالت المعدن المهيمن على هذه الصناعة.

وفي الوقت الذي أصبحت فيه إندونيسيا، الوجهة الجديدة للولايات المتحدة، للتعاون بخصوص بطاريات الليثيوم والسيارات الكهربائية، فإن الاستثمارات الصينية قد رسخت قدمها بالفعل هناك ومنذ أكثر من عقد كامل من الزمن، مع ضخ أكثر من 14 مليار دولار في مناجم النيكل الإندونيسية.

خطة عمل

وقد استقبل الرئيس الأميركي جو بايدن، نظيره الإندونيسي جوكو ويدودو في البيت الأبيض مطلع هذا الأسبوع، وكان من بين الملفات التي تمت مناقشتها تعزيز شراكة المعادن التي تركز على النيكل الذي يعد مكونا أساسيا في صناعة بطاريات “الليثيوم أيون” المستخدمة في السيارات الكهربائية.

وعقب اللقاء، قالت وزيرة خارجية إندونيسيا ريتنو مرسودي، إن الرئيسين اتفقا على تشكيل خطة عمل لإنشاء اتفاقية تجارية بشأن المعادن الحيوية، بعدها ستقوم إندونيسيا بتوفير إمدادات المعادن اللازمة لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية الأميركية، بحسب ما نقلته رويترز.

وقالت “ريتنو” إن الجانبين اتفقا أيضًا على التنفيذ الفوري لشراكة التحول العادل للطاقة (JETP)، وهو تمويل بقيمة 20 مليار دولار تعهدت به الولايات المتحدة ودول مجموعة السبع الأخرى العام الماضي لمساعدة إندونيسيا في تنظيف قطاع الطاقة لديها.

الخبير في قطاع السيارات الكهربائية توني لطيف، يرى في تصريحات لـ”إرم الاقتصادية” أن طموحات الرئيس بايدن لتحويل الولايات المتحدة إلى دولة رائدة في صناعة السيارات الكهربائية، تصطدم بالصين المنتج الأول للسيارات الكهربائية في العالم بحصة تبلغ 60% من إجمالي الإنتاج العالمي.

وتستحوذ أمريكا على 8% فقط من إجمالي مبيعات السيارات الكهربائية حول العالم، خلف دول الاتحاد الأوروبي التي تستحوذ على حصة 15% من المبيعات العالمية.

وتوقع “توني” أن تستمر الصين في صدارة المشهد العالمي لصناعة السيارات الكهربائية وبطارياتها خلال العقد المقبل بسبب استثماراتها الضخمة في النيكل والليثيوم وباقي العناصر النادرة.

طموحات بايدن

يعد تسريع الانتقال إلى المركبات الكهربائية جزءًا أساسيًا من أجندة المناخ للرئيس جو بايدن. وخلال العام الماضي، أعلنت إدارة بايدن عن مجموعة من الإجراءات التي تستهدف زيادة الاعتماد على السيارات الكهربائية، بما في ذلك الإعفاءات الضريبية.

وارتفعت حصة السيارات الكهربائية من جميع مبيعات السيارات الجديدة في الولايات المتحدة بقدر حاد على مدى العامين الماضيين إلى 8%. وبحسب “توني” فإن شركات تصنيع السيارات الأميركية أصبحت في مأزق بسبب افتقار أميركا إلى العديد من الخامات الهامة لصناعة البطاريات، وخاصة النيكل، في ظل التوقعات بإغلاق منجم “إيجيل” في ميتشجان بحلول عام 2025، وهو منجم رئيسٌ في أميركا.

التوجه الأميركي نحو نيكل إندونيسيا لم يكن وليد مقابلة الرئيس الأميركي ونظيره الإندونيسي، ولكن في مايو 2023، قالت وزيرة التجارة الأميركية جينا رايموندو على هامش منتدى الإطار الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادئ، إن التعاون بين واشنطن وجاكرتا بهدف تطوير بطاريات السيارات الكهربائية يمكن أن يكون له تأثير كبير على البلدين.

وأضافت: “يمكن أن يصبح إطار التعاون الاقتصادي في المحيط الهادئ نقطة الدخول للاستثمارات من قبل الشركات الأميركية في إندونيسيا، لا سيما في قطاع المعادن الحرجة والشرائح الإلكترونية والتكنولوجيا العالية”.

استثمارات صينية

في المقابل، يشهد قطاع مناجم النيكل في إندونيسيا حضورا قويا من قبل الشركات الصينية التي ضخّت استثمارات بلغت 14 مليار دولار، بهدف الاستحواذ على العديد من المعادن النادرة المستخدمة في صناعة بطاريات الليثيوم، وفقًا لما ذكرته وكالة بلومبرغ.

وتُعد الشركة الصينية لتصنيع مواد البطاريات (سي إن جي آر) من أبرز الشركات الناشطة في استثمارات مناجم النيكل في إندونيسيا. وتستثمر الشركة في 3 مشروعات جديدة لإنتاج النيكل غير اللامع، مستهدفة زيادة قدرتها الإنتاجية إلى 120 ألف طن سنويًا.

خطط إندونيسيا

وباعتبارها دولة ذات موارد ضخمة من خام النيكل، تخطط إندونيسيا لإنشاء شركة حكومية لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية وتصدير 200 ألف سيارة كهربائية بحلول عام 2025، وفقا لبيانات حكومية.

وتستحوذ إندونيسيا على أكبر احتياطي في العالم من النيكل، المقدر بنحو 21 مليون طن، يمثل 22% من الاحتياطيات العالمية المعروفة، مع حجم إنتاج يصل إلى 1.1 مليون طن في عام 2023، متفوقة على الفلبين التي تنتج 370 ألف طن، وروسيا التي تنتج 250 ألف طن، وكندا 130 ألف طن، وفقاً لبيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.

بالإضافة إلى ذلك، تتمتع البلاد بإمكانية الوصول إلى الكوبالت، الذي يطيل عمر بطاريات السيارات الكهربائية، والبوكسيت، المستخدم في إنتاج الألومنيوم، وهو عنصر رئيسٌ في تصنيع السيارات الكهربائية، ويؤدي هذا الوصول السهل إلى المواد الخام لتقليل تكاليف الإنتاج.

وتستهدف إندونيسيا أن تصبح مركزًا عالميًا لمعالجة النيكل وإنتاج البطاريات، وإنتاج سيارات كهربائية بحلول عام 2025 أو 2026، حسب تصريحات الوزير المنسق للشؤون البحرية والاستثمار الإندونيسي، لوهوت بنسار باندجايتان، منتصف سبتمبر الماضي.

ونقلت وكالة أنباء “آنتارا” الإندونيسية عن باندجايتان قوله: “في عام 2025 أو 2026، ستصنع إندونيسيا سيارات كهربائية من قبل أبناء الأمة”.

وأشار إلى أن هناك العديد من شركات السيارات الكهربائية، التي تمثل نصف حجم الإنتاج العالمي، مهتمة بإندونيسيا، كما رحبت إحدى الشركات العالمية المصنعة للمركبات الكهربائية بتطوير المركبات الكهربائية في إندونيسيا.

شراكات إندونيسية

في غضون 3 سنوات فقط، وقعت إندونيسيا صفقات بقيمة 15 مليار دولار لمواد البطاريات وإنتاج السيارات الكهربائية مع شركات مصنعة، بما في ذلك شركتا إل جي وهيونداي الكوريتين، وفوكسكون التايوانية.

وافتتحت شركة هيونداي الكورية أول مصنع لتجميع السيارات الكهربائية في إندونيسيا في مارس 2022، وتم تشييده على مصنع للسيارات التقليدية موجود في سيكارانغ، بالقرب من جاكرتا، وينتج IONIQ 5 وتبلغ طاقته السنوية 250 ألف مركبة.

ومن اللافت أن السيارات الكهربائية محدودة الانتشار في إندونيسيا، وتشكل أقل من 1% من السيارات على الطرق في البلاد، وفقًا رويترز. وفي العام الماضي، سجلت إندونيسيا مبيعات بلغت 15400 سيارة كهربائية فقط وحوالي 32000 دراجة نارية كهربائية.

ومع عدد سكان يبلغ 278 مليون نسمة، تمثل إندونيسيا أيضًا سوقًا محتملاً كبيرًا لمصنعي السيارات الكهربائية في الصين والولايات المتحدة على حد سواء.

ارتفاع الطلب على النيكل

وحققت المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية القابلة للشحن مستوى قياسيا خلال سبتمبر 2023، حيث وصلت إلى نحو 1.3 مليون وحدة تقريبًا، وفقا لبيانات شركة “EV-volumes” التي تضم قاعدة بيانات مبيعات السيارات الكهربائية عالمياً.

وحتى شهر سبتمبر 2023، سجلت المبيعات نحو 9.4 ملايين سيارة كهربائية في جميع أنحاء العالم، وهو ما يمثل 16% من الحجم الإجمالي لمبيعات السيارات عالميا، بالمقارنة مع 10 ملايين سيارة كهربائية جديدة للركاب على مستوى العالم لأول مرة، خلال عام 2022.

وتوقع بنك غولدمان ساكس أن يرتفع طلب شركات صناعة السيارات الكهربائية على النيكل من 176 ألف طن خلال عام 2021، إلى 1.4 مليون طن في عام 2030.

وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن الطلب على النيكل يمكن أن يرتفع 19 ضعفًا بحلول عام 2040 إذا حققت الدول أهداف اتفاقية باريس للمناخ كاملة، عبر تقليل انبعاثات غازات الدفيئة والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى مستويات ما قبل الصناعة.

عن mcg

شاهد أيضاً

حيدر يستقبل حبيب

almontasher :استقبل وزير العمل  محمد حيدر مدير عام مصرف الاسكان انطوان حبيب على رأس وفد. …