مات كمال فضل الله … كتب اَخرسطر في رواية الحياة وغادرنا بعد أن تركنا وحدنا نقرأ في الرواية ما مرّ ويمر على لبنان من قهر وفقر وإذلال وتغييب لدور الوطن الذي كان حلم الأوطان فاَثر كمال الإبتعاد عن هذا الواقع المرير وانتقل إلى عالم جديد يشبهه في صدقه وبعده عن الكذب والكراهية والحقد …
كمال فضل الله كنت معلمي يملأني الفخر بذلك وكنت أول من يطلع على كتاباتي قبل أن أنشرها في صحف تلك الأيام تحت باب بريد القرّاء … أبو حسام منك تعلمت الكثير وقد كنت الحكاية في إطلالتي الأولى على الصحافة … منك تعلمت محبة الناس ومنك تعلمت الهدوء والرصانة والحكمة والإبتسامة حتى ولوكان القلب يبكي والعين لا تدمع … منك تعلمت الصبر على المكاره وتعلمت عفة اللسان ونظافة الكف والأخذ بيد المحتاج .
حاولت الكتابة عنك وعن صداقة عمرها أكثر من نصف قرن فلم أجد عبارات أنقى وأصفى من العبارات التي رثاك بها بيان نقابة محرري الصحافة والنقيب الأستاذ جوزف القصيفي حين قال : ” أبكيه صديقاً ، رفيقاً ، شريفاً، لم يرتزق إلا من مهنته ، اَكلاً خبزه بعرق قلمه ، لم يحد به هوى أو ميل إلى ما يتجاوز حدود الشرف والإستقامة والموضوعية والتهذيب في هذا الزمن الصعب والقاسي .. إلى من شرّف المهنة وارتقى بها إلى الذرى كاتباً وأديباً وخطيباً “
أبو حسام في رحاب عيناتا الأبية والراسخة في صفحات البطولة والإباء وفي رحاب الجنوب الذي عشقت أرضه وترابه طويت صفحتك الأخيرة فوداعاً يا معلّمي ويا أخي ويا من على يديه أحببت الصحافة وعشقت القلم … وداعاً أقوله لك وأنت الذي قلت لي في اَخر لقاء بيننا : لقد يئست من هذا البلد فالنفق مظلم وما زلنا في بداية الظلام فيه… لعل يأسك من كل شيء هو الذي جعلك تختار الرحيل …
أبو حسام ستبقى ذكراك حية في قلوبنا ونفوسنا وأنت القائل : ” غداً إذا دقت الأجراس في وادي النسيان فاذكروني وعند الموت تنتهي الكلمات ولا تبقى منها سوى الذكريات .. لك محبتنا كلها حياً وغائباً وراحلاً وصدق محمود درويش حين قال: الموت لا يوجع الموتى ، الموت يوجع الأحياء …