شادي مسعد:لوقف مسلسل الانهيار والفقر المدقع الذي تتسع مساحته يوماً بعد يوم
سبتمبر 4, 2022
1,015 زيارة
مع دخول البلاد المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية، وقبل أقل من شهرين على الموعد الدستوري لمغادرة الرئيس القصر الجمهوري، لا تبدو الخريطة الانتخابية واضحة، ولا توجد مؤشرات جدية الى الآن توحي بأنه سيتم اختيار رئيس للبلاد قبل نهاية العهد، وبالتالي تحاشي الدخول في مرحلة الفراغ.
في غضون ذلك، يمكن رصد مجموعة من «المعارك» التحضيرية في الداخل، والتي تجري على «ضفاف» الاستحقاق الرئاسي، بانتظار أن يصبح المناخ الخارجي داعماً لانجاز الاستحقاق. ويمكن تقسيمها على الشكل التالي:
اولا- معركة ادارة الفراغ، في حال صدقت التوقعات ولم يتم انتخاب رئيس قبل نهاية ولاية العماد ميشال عون. هذه المعركة تتمحور حول الحكومة التي ستتولى ادارة شؤون البلاد في غياب رئيسٍ للجمهورية. طبعاً، هناك خلافات مستحكمة بين القانونيين انفسهم في شأن جواز أن تتسلم حكومة مستقيلة (تصريف اعمال) ادارة شؤون البلد من دون وجود رئيس للجمهورية. وبسبب وجود هذا الخلاف، المقصود أو غير المقصود، هناك مساع لتشكيل حكومة مكتملة المواصفات لتتمكّن من استلام المهمة من دون أي تحفظ. لكن مهمة تشكيل هكذا حكومة ليست سهلة، على اعتبار ان كل الاطراف المعنيين، يريدون الافادة من المناسبة لتعزيز وجودهم في السلطة التي سترث كل الصلاحيات. وحتى الان، لم ينجح اسلوب الترغيب والترهيب في فرض الحكومة المنشودة.
ثانيا- معركة الاتفاق على مرشح واحد للانتخابات. هذه المعركة تدور على اكثر من جبهة، سيما على مستوى قوى الثامن من آذار، حيث يتردّد ان حزب الله لم يضع ثقله بعد في هذه المحاولة، ولا يزال يعمل من خلال الاصدقاء على محاورة المعنيين بالموضوع، ويبعث من وقت الى آخر، وعبر بعض المواقف والتصريحات، ما يشبه الرسائل المشفّرة. ويبدو أن التحدّي الأساسي بالنسبة لهذا الفريق، يكمن في التوفيق بين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، للتوافق على دعم الاخير للرئاسة، مقابل حصول باسيل على ضمانات للمستقبل. كذلك يعمل النواب التغييريون على محاولة الاتفاق على اسم مرشح واحد. في حين يأمل النواب المستقلون مع حزب الكتائب الوصول الى تفاهم على الاسم، ومن ثم محاولة الترويج له لدى حزب القوات اللبنانية، والحزب التقدمي الاشتراكي.
ثالثا- معركة ضمان «مصالح» المكونات الطائفية. هذه المعركة غير قائمة في الساحة المسيحية على اعتبار ان القوتين الاساسيتين، القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، لا يوجد بينهما اتفاق او تنسيق. وبالتالي، وحتى هذه اللحظة، يتصرف الطرفان وكأنهما سيكونان في جبهتين متواجهتين في الانتخابات الرئاسية. لكن هذا الوضع غير محسوم، ولا شيء يمنع المفاجآت في المستقبل، والدليل على ذلك، ما جرى في انتخابات العماد ميشال عون، الذي وصل الى قصر بعبدا مدعوما من حزب القوات اللبنانية.
أما على المقلب الشيعي فإن الموقف ثابت، والثنائي أمل وحزب الله متفاهم تماما في ملف الاستحقاق الرئاسي. وفي الساحة الدرزية، وبعد الانتخابات النيابية الأخيرة، أصبح وليد جنبلاط اللاعب شبه الوحيد الذي يمثل الجانب الدرزي في الاستحقاق.
تبقى الساحة السنية المشرذمة في غياب تيار المستقبل، والتي قد تشهد في الايام الطالعة محاولة جادة من مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، للمّ شملها بالحد الأدنى، ومحاولة ملء الفراغ الذي تركه غياب سعد الحريري عن الساحة. ويبدو أن المفتي تلقى التشجيع للقيام بهذه الخطوة من قبل معظم المرجعيات السياسية السنية، وفي مقدمها نادي رؤساء الحكومة السابقين، ولو ان هؤلاء لن يكونوا مدعوين إلى الاجتماع الذي سيجمع كل نواب السنة في دار الافتاء، تحت عباءة المفتي. صحيح أن الرهانات على إمكانية توحيد مواقف هؤلاء حيال الاستحقاق الرئاسي صعبة، بسبب انتماءتهم السياسية المختلفة، لكن الصحيح أيضاً أن المفتي بخطوته هذه، أراد ان يعيد الاعتبار الى الكتلة السنية، وان تكون دار الافتاء هي المرجعية التي تملأ الفراغ السياسي القائم بسبب اعتزال الحريري العمل السياسي. وهناك من يهمس بأن دريان سيكون دوره، في حال نجحت مساعيه، شبيهاً بدور البطريرك الماروني نصر الله صفير في خلال غياب القيادات المسيحية عن البلد، وفي مقمدمها العماد ميشال عون الذي كان في المنفى، وسمير جعجع الذي كان في السجن.
الملاحظ في كل هذه «المعارك» التحضيرية غياب المعركة الاساسية المتعلقة بالعمل على تأمين حصول الاستحقاق في موعده، وتحاشي السقوط في الفراغ الذي قد يطول اكثر من التوقعات، اذا عاكست الظروف اللبنانيين المنتظرين على أحرّ من الجمر، انجاز كل الاستحقاقات، لضمان الانتقال الى وقف مسلسل الانهيار والفقر المدقع الذي تتسع مساحته يوماً بعد يوم.