هل يُشعِل الديموقراطيون حرباً جديدة؟
ديسمبر 12, 2021
312 زيارة
العميد الركن الياس فرحات
ثمة إحتدام في المشهد الدولي لم نألفه منذ إنهيار الإتحاد السوفياتي حتى الآن. يزيد من وطأته إحتدام مماثل في الإقليم. من اليمن إلى فلسطين مروراً بسوريا والعراق ولبنان. ماذا ينتظرنا؟
لطالما تباهت الولايات المتحدة بأنها ليست قوة استعمارية مثل بريطانيا وفرنسا وانها لم تدخل الحرب العالمية الثانية إلا بعد تعرضها لعدوان ياباني على بيرل هاربر، وكانت النتيجة هزيمة اليابان والفاشية والنازية وإنتصار الحلفاء ومعهم “القيم الاميركية” (الحرية والعدالة والديموقراطية!)، لكن في مطلع القرن الحادي والعشرين،
وجدت الولايات المتحدة نفسها تحتل بلدين وشعبين وتتعرض لمقاومة بأشكال مختلفة. ففي العام 2001 وغداة هجمات 11 سبتمبر، قررت الولايات المتحدة إحتلال افغانستان بذريعة الاقتصاص من نظام “طالبان” الذي كان يأوي تنظيم “القاعدة” الذي تبنى تلك الهجمات. وفي العام 2003، إحتلت الولايات المتحدة العراق بذريعة حيازته اسلحة دمار شامل ودعمه للارهاب. وبرغم “الذرائع” التي تسلح بها الأميركيون، إلا أنهم لم يتمكنوا من ازالة صفة الاحتلال عن إحتلالهم، وذلك طوال عقدين من الزمن، لكن عندما بدأت دوائر صنع القرار الأميركي تشعر في الآونة الأخيرة بفداحة الخسائر السياسية والإقتصادية قررت سحب القوات الاميركية من هذين البلدين وانهاء كل التبعات الناتجة عن احتلالهما.
منذ العام 2001 ثم العام 2003 وحتى يومنا هذا، اي اثناء انغماس الولايات المتحدة بالحروب وادارة الاحتلال في كل من افغانستان والعراق، حصلت تطورات وازنة على المسرح الدولي ابرزها صعود الصين المتسارع وبدء روسيا باستعادة دورها، ومضي ايران في مشروعها النووي، فضلاً عن تقدم أدوار مرتكزات إقليمية أخرى.
في هذا السياق، من المفيد سرد الواقعة الآتية. في يونيو/حزيران 2019 كشف الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر انه ارسل رسالة الى الرئيس دونالد ترامب جاء فيها أن الولايات المتحدة أنفقت تريليونات الدولارات على الحروب في السنوات الأخيرة، بينما استثمرت الصين في مشاريع مثل السكك الحديدية فائقة السرعة التي تعود بالنفع على شعبها.
وأشار كارتر إلى أن “ترامب رد على رسالته من خلال الاتصال به على خط خاص، وأخبره بصراحة شديدة أن الصينيين كانوا يتقدمون على الولايات المتحدة في نواح كثيرة”. يرجح ان ما جاهر به كارتر هو جزء يسير من رسالته ومن جواب ترامب عليها، لكن الحقيقة هي ان الصين لم تحقق تقدما في مشاريع مثل السكك الحديدية ولا في غيره بل حققت تقدما أقلق الولايات المتحدة عندما لم تعد الأخيرة في مركزها زعيماً أوحدَ للعالم بأسره. يسري ذلك على روسيا. بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، سعت الولايات المتحدة إلى أن لا تقوم قائمة لهذا البلد، فالغرب لا يأتمن للدب الروسي. ادخلت أميركا دول اوروبا الشرقية القديمة في حلف الاطلسي ونشرت الدرع الصاروخي من البلطيق الى تشيكيا والى ملاطية في تركيا والى اسرائيل بذريعة “الخطر الروسي”.
وابتدعت “الثورات الملونة” وقلبت الاوضاع في جورجيا وهددت القوقاز واوكرانيا الفاصلة بين اوروبا وروسيا. لكن روسيا دافعت عن نفسها ومزقت جورجيا وانشأت كيان دولة في ابخازيا وكيان دولة آخر في اوسيتيا الجنوبية.. والامر نفسه في اوكرانيا بإحتلالها شبه جزيرة القرم وضمه الى اراضي الاتحاد الروسي، كما أنشأت كياناً في دونباس شرق أوكرانيا وتدخلت عسكريا في سوريا لتفادي سقوط هذا البلد بيد تنظيمات اسلامية متشددة مع ما يعنيه ذلك من اخطار على الاتحاد الروسي في القوقاز وفي الحديقة الخلفية في اسيا الوسطى.
وعدا عن تقدم الدورين الصيني والروسي، فإن المرتكز الإيراني في الهضبة الأسيوية حقق تقدما برغم الحصار والحرب والعقوبات منذ تاريخ إنتصار الثورة الإيرانية في العام 1979 حتى يومنا هذا.
وكان لافتاً أنه بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015 ورفع العقوبات عن ايران واستعادة الأخيرة ارصدتها المجمدة، توسع دور إيران الاقليمي واستغلت الحرب السعودية على اليمن وتمكنت من مساعدة الحوثيين في بناء قوة هددت دول الخليج لا سيما السعودية وفرضت نفسها كلاعب اساسي في جزيرة العرب وعند الممرات المائية الدولية الحيوية.
وفي العام 2018 وخلافا للتقاليد الاميركية بان يلتزم كل رئيس المواثيق الدولية التي عقدها سلفه، الغى الرئيس ترامب الاتفاق النووي برغم انه تحول الى قرار دولي بعد موافقة مجلس الامن عليه. اي ان ترامب خالف القانون الدولي علنا. دفع ذلك الايرانيين الى تحقيق إنجازات تكنولوجية في التخصيب وغيره وصولاً إلى القول إن إيران أصبحت حالياً عند العتبة النووية.
عملياً، وجدت ادارة جو بايدن نفسها في مواجهة ثلاثة تهديدات استراتيجية: الصين في شرق اسيا والمحيط الهادئ، روسيا في اوروبا، وايران في الشرق الاوسط. بادر بايدن الى عقد قمة افتراضية مع الرئيس الصيني شي جين بينغ وقمة اخرى مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ظل رفض ايران اجراء اي اتصال مع الولايات المتحدة طالما تستمر الولايات المتحدة بفرض العقوبات عليها خلافا لمضمون الإتفاق النووي 2015.. في هذا الوقت، تستمر المفاوضات في فيينا بين ايران ومجموعة 4+1 ومن خلفها الولايات المتحدة وتتضارب المعلومات حول نتائج هذه الإجتماعات في ظل ميل معظم المحللين الى توقع فشل الجولة السابعة.
وقد لاحظنا في الأيام الأخيرة كيف حضرت اسرائيل علناً على هامش المفاوضات وخصوصا في لقاءات على مستوى عال في واشنطن ادت الى اعلان وزير الامن الاسرائيلي بني غانتس انه اعطى الاوامر للجيش الإسرائيلي بالاستعداد لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الايرانية، من دون أن يصدر اي تعليق عن الولايات المتحدة برغم خطورة هذا الاعلان وتوقيته. ليس سراً انه في حال تنفيذ ضربة اسرائيلية ضد ايران، فان النزاع سيتوسع في المنطقة وبالتالي ستجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة حرب جديدة دفاعاً عن مصالحها وحلفائها.
ماذا عن التوتر بين روسيا واوكرانيا؟
مع تزامن التوتر في الشرق الاوسط واوروبا، هل تتخلى الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيون عن اوكرانيا وتترك المجال لروسيا ان تعيد سيطرتها على جارتها الغربية؟ يقول وزير الدفاع الاميركي السابق ليون بانيتا (عام 2012 في ادارة باراك اوباما) إنه توصل الى استنتاج مفاده أن الجيش الأميركي لن يكون قادراً في المستقبل على خوض حربين بريتين وبشكل مستدام في الوقت نفسه، وذلك في معرض إستعادة تجرية إحتلال أفغانستان والعراق. هل تجازف الولايات المتحدة في شن حربين معاً؟
وماذا اذا استغلت الصين انهماك الولايات المتحدو في حربين واقدمت على احتلال تايوان وهو الهدف الذي اعلنه الصينيون مرارا وابلغه الرئيس شي جين بينغ للرئيس بايدن خلال القمة الافتراضية الاخيرة؟ وهل يمكن أن يتقبل الشعب الاميركي شن حروب جديدة في الخارج على حسابه (نموذج كارثة كنتاكي غير المسبوقة في الولايات المتحدة وما تستوجبه من اعمال انقاذ واعادة اعمار إلخ..)؟
الارجح ان يستخدم الاميركيون كثيرا من الدبلوماسية وكثيرا من اظهار القوة على جبهتين فإذا كان ثمة إستبعاد نسبي لفتح جبهة عسكرية أميركية مع الصين، تتأرجح الاحتمالات بين ايران واوكرانيا تبعاً للتطورات في الايام او الاسابيع المقبلة.
فهل يتوقف نجاح مفاوضات فيينا على هذه الحسابات؟