مَوْتُ الصديق ، أَقسى أَزْمِنَةِ الضيق..!
نوفمبر 13, 2021
380 زيارة
د. جوررج كلاس*:
وزير الشباب والرياضة
مَوْتُ الصديق ، أَقسى أَزْمِنَةِ الضيق..!
رَمَّازٌ للأخلاقِ …عَمَّارٌ لِلقِيَم…!
قَبْلَ أَنْ يُغْمِضَ المرَضُ عَيْنّيْهِ على زَعْلَةِ الأيَّام ، نامَ العميد رامز عَمَّار نَوْمَةَ الأَبَد ، و ماتَ مَوْتاتٍ كثيرات ، مَرَّةً حُزْناً و مرَّةً يَأساً و مِراراً على رَجَاءِ أَنْ يَسْتَيْقِظَ على وَطَنٍ أرقى و عالَمٍ تَشيعُ فيهِ المَحَبَّةُ و تَستوي فيهِ العدالةُ و تَعُمُّ فيهِ الكرامة..!
عاش َ إبْنَ وجدانِهِ الأبيض و مَاتَ إبنَ فضيلة ، عَاضَّاً شّفَتَيْهِ على وَجْعَةِ الأيًّام. ، مُتَّكِئاً على دَهرِه الذي مشى إليه بالمقلوبِ ، مُتَكَفِّنَاً بعباءةِ المؤمنِ الذي تقرأ القرآن في سلوكه و تَفهمَ الآياتِ من خلال أخلاقِه…!
منذ شهورٍ قليلاتٍ َكتبتُ له وجدانيةً لطيفةً شَغَفَتْهُ و إستَرَقَتْ من عَيْنَيْهِ دَمعةً حَرَّاقةً بَرّاقةً ..وَاخَذْتُ نفسي على فِعلتي وخاجَلْتُها عَميقاً ، لأنَ رامزَاً لا يَسْتَحِقَّ أَنْ يدمعَ …!
هو صديقٌ عتيقٌ بالأُخُوَّةِ ، و زَميلٌ مَرْجِعٌ في الأكاديميات ، كَثيرُ الرُتَبِ على تَواضِعٍ، وَفيرُ المعَارِفِ ، مَوْثوقُ المُدْرَكاتِ ، هادِئُ الطِباعِ …و أرفَعُ مَراتِبِهِ أَنَّهُ إِبنُ أخْلاقِهِ.. وأَرْفَعُ الأَرْفَعِ أنه شَديدُ الأُبُوَّةِ ، شَفُّ الإنسانية حَنَّان..!
كنا كُلَّما تحاورنا نتبادلُ الرؤى و نَسْتَذكِرُ حَلاواتِ أيَّام العَرَاقَةِ ، و كُلَّما { تَهَامَمْنا } نُخَفِّفُ عن نَفْسَيْنا بِتقَاسُمِ رَوَاسِبِ الأَحوالِ ..!
في زَمَنِيَّاتِ تَوَزُّعِ مغانِمِ الفَسادِ و تقاسُمِ قِطاعاتِ الهَدرِ ، و تَناسي (دَمِ بيروتَ ) ، والإكْثارِ المُنَظَّمِ من الإلهَاءَاتِ بِتَحويلِ العَيْشِ الى جَهَنَّمَاتٍ يَوْمِيَّةٍ مُنَوّعَة ، كثيراً ما نَتواصَلُ للإطمْئنانِ و تَخْفيفِ مُثْقَلاتِ الوَيلاتِ اليَوميَّة ، باحِثيَْنَ عَنْ قَبَسِ أَمَلٍ يُبقينا على ( قَيْدِ الوطن )…
وكثيراً ما كُنَّا نَتَضَاحَكُ و نتَكاذَبُ على حالِنا و نَتَطامَنُ ، بأنَّ الفَرَجَ لا بُدَّ آتٍ ، غَصْباً عن القَدَرِ الذي حَكَّمَ الجَزَّارينَ بِرِقَابِنا نحنُ الغَنَم…فإْسْتَحْكَموا و نَحَروا و جَذَّروا..!
مرَّةً نَتداولُ مُقاساةَ أحوالنا الحياتية ( أمّا الاقتصادية فمتروكة للتجَّار و مافيات الفُجَّار)؛ وثانيةً نَخْتلِقُ تبريراتٍ غير إقناعية ، وسيلةٍ للتلَهّي عن ما يُحْرِقُنا ؛
وثالثةً نتبادلُ فيها آياتِ الصبر والرحمة ، مُلتجِئينَ الى الله …
وكثيراً كثيراً ما كُنَّا نَصْمُتُ و نَتحاورُ على سَكْتِ الهَمْسِ حتى لا نسمعَ ما نقولُ ولا نَفزَعَ مِمَّا لا نقوى على قَوْلهِ و لا نَجْرُؤ على تَخَيُّلِه ، إحتراماً و وَجَلاً و إخْتِبَاءً منَ ذاتنا الخَجولةِ من قَعْسِيَّاتِها غيرِ المُبَرَّرَة…ثم نَتوادَعُ على أَمَلٍ تَواصُلٍ جديد…ونُصلّي ، كُلٌّ في كتابِه ، أَنْ تكونَ أثْقَالُ الغدِ على قَدْرِ ما وُسْعِنا أَنْ نَحْتَمِلُهُ من مُفَاجَاءاتٍ و خَيْباتٍ وإِحْباطاتٍ تَيْئِيسيَّة و و نَكَباتٍ إِعْدَامِيَّةٍ ، نُسَلِّمُ فيها رِقابِنا طَوْعاً لِمِقصَلِة الزَمَنِ الأَصَمِّ خِلْقَةً والأَبْكَمِ غَبَّ الطلب…!
صديقي ، المُدَجَّجُ فِكراً و خِبْرَةً و صَبْراً ، نتَشاغَلُ معاً أحياناً بشربِ القهوةِ الإفتراضية في مقهى إفتراضي وحياةٍ إفتراضيَّةٍ لا ترحم. و لِشِدَّةِ ما نحنُ مُصِرَّانِ على قَلْبِ الأبيضِ أَسْوَد ، على قَدْرِ ما نستطيعُ..!
في آخرِ جَلسةِ قهوةٍ ، شربناها بلا فناجين ، أَسَرَّ لي أَنَّهُ تَعِبٌ من إنهيارِ الخُلقِيَّاتِ و سقوط القِيَم و إنْعِدامِ أبْسَطِ الخِدْماتِ الحياتية التي صرنا نعيشها بتصنيفٍ ما تحتَ الصِفرِ وما قبل إكتشافِ علمِ العدد..!
كاَلمَني { الرَمَّازُ العَمَّار } بِحَرْقَةٍ و كَسْرَةِ خاطِرٍ ، فَاشَّاً قَلْبَهِ لي ، قال :
تَخيَّلْ يا صديقي ، تَخَيَّلْ ، أَنَّني أَمٌضَيْتُ ساعاتِ الليلةِ الماضية وأنا أحَاوِلُ إِسْتِجلابَ نَسمَة هَواءٍ بِهَزَّةِ كَرتونةٍ ، أُخَفِّفُ بها وَهْجَ حَرِّ القَيْظِ عن وَجْهِ إبنتي..!
هو قال لي : ” تَخَيَّلْ ” . و أنا تَخَيَّلٌتُ . فإِقْشَعَرَّ عَقْلي وصَفَنَ قلبي،وقُلْتُ لنفسي : ” يا نفسي إنَّا نَتَدرَّبُ على المَوْتِ ، فَإِقْتَبِليه بِبَسْمَةٍ و هَزَّةِ رَأس.!!!
حَمَانا اللهُ مِن شُرورٍ أَعْظَم…!!!
تَعْسَاً لِبَلَدٍ نُحَارِبُ فيهِ حَرَّ الطَقْسِ بِكَرتونة..!
و َدْ تكونُ الكرتونة هي الطاقةُ البديلةُ في لبنان..!!!