مَوْتُ الصديق ، أَقسى أَزْمِنَةِ الضيق..!

د. جوررج كلاس*:

وزير الشباب والرياضة

مَوْتُ الصديق ، أَقسى أَزْمِنَةِ الضيق..!

رَمَّازٌ للأخلاقِ …عَمَّارٌ لِلقِيَم…!

قَبْلَ أَنْ يُغْمِضَ المرَضُ عَيْنّيْهِ على زَعْلَةِ الأيَّام ، نامَ العميد رامز عَمَّار نَوْمَةَ الأَبَد ، و ماتَ مَوْتاتٍ كثيرات ، مَرَّةً حُزْناً و مرَّةً يَأساً و مِراراً على رَجَاءِ أَنْ يَسْتَيْقِظَ على وَطَنٍ أرقى و عالَمٍ تَشيعُ فيهِ المَحَبَّةُ و تَستوي فيهِ العدالةُ و تَعُمُّ فيهِ الكرامة..!

عاش َ إبْنَ وجدانِهِ الأبيض و مَاتَ إبنَ فضيلة ، عَاضَّاً شّفَتَيْهِ على وَجْعَةِ الأيًّام. ، مُتَّكِئاً على دَهرِه الذي مشى إليه بالمقلوبِ ، مُتَكَفِّنَاً بعباءةِ المؤمنِ الذي تقرأ القرآن في سلوكه و تَفهمَ الآياتِ من خلال أخلاقِه…!

منذ شهورٍ قليلاتٍ َكتبتُ له وجدانيةً لطيفةً شَغَفَتْهُ و إستَرَقَتْ من عَيْنَيْهِ دَمعةً حَرَّاقةً بَرّاقةً ..وَاخَذْتُ نفسي على فِعلتي وخاجَلْتُها عَميقاً ، لأنَ رامزَاً لا يَسْتَحِقَّ أَنْ يدمعَ …!

هو صديقٌ عتيقٌ بالأُخُوَّةِ ، و زَميلٌ مَرْجِعٌ في الأكاديميات ، كَثيرُ الرُتَبِ على تَواضِعٍ، وَفيرُ المعَارِفِ ، مَوْثوقُ المُدْرَكاتِ ، هادِئُ الطِباعِ …و أرفَعُ مَراتِبِهِ أَنَّهُ إِبنُ أخْلاقِهِ.. وأَرْفَعُ الأَرْفَعِ أنه شَديدُ الأُبُوَّةِ ، شَفُّ الإنسانية حَنَّان..!

كنا كُلَّما تحاورنا نتبادلُ الرؤى و نَسْتَذكِرُ حَلاواتِ أيَّام العَرَاقَةِ ، و كُلَّما { تَهَامَمْنا } نُخَفِّفُ عن نَفْسَيْنا بِتقَاسُمِ رَوَاسِبِ الأَحوالِ ..!

في زَمَنِيَّاتِ تَوَزُّعِ مغانِمِ الفَسادِ و تقاسُمِ قِطاعاتِ الهَدرِ ، و تَناسي (دَمِ بيروتَ ) ، والإكْثارِ المُنَظَّمِ من الإلهَاءَاتِ بِتَحويلِ العَيْشِ الى جَهَنَّمَاتٍ يَوْمِيَّةٍ مُنَوّعَة ، كثيراً ما نَتواصَلُ للإطمْئنانِ و تَخْفيفِ مُثْقَلاتِ الوَيلاتِ اليَوميَّة ، باحِثيَْنَ عَنْ قَبَسِ أَمَلٍ يُبقينا على ( قَيْدِ الوطن )…

وكثيراً ما كُنَّا نَتَضَاحَكُ و نتَكاذَبُ على حالِنا و نَتَطامَنُ ، بأنَّ الفَرَجَ لا بُدَّ آتٍ ، غَصْباً عن القَدَرِ الذي حَكَّمَ الجَزَّارينَ بِرِقَابِنا نحنُ الغَنَم…فإْسْتَحْكَموا و نَحَروا و جَذَّروا..!

مرَّةً نَتداولُ مُقاساةَ أحوالنا الحياتية ( أمّا الاقتصادية فمتروكة للتجَّار و مافيات الفُجَّار)؛ وثانيةً نَخْتلِقُ تبريراتٍ غير إقناعية ، وسيلةٍ للتلَهّي عن ما يُحْرِقُنا ؛

وثالثةً نتبادلُ فيها آياتِ الصبر والرحمة ، مُلتجِئينَ الى الله …

وكثيراً كثيراً ما كُنَّا نَصْمُتُ و نَتحاورُ على سَكْتِ الهَمْسِ حتى لا نسمعَ ما نقولُ ولا نَفزَعَ مِمَّا لا نقوى على قَوْلهِ و لا نَجْرُؤ على تَخَيُّلِه ، إحتراماً و وَجَلاً و إخْتِبَاءً منَ ذاتنا الخَجولةِ من قَعْسِيَّاتِها غيرِ المُبَرَّرَة…ثم نَتوادَعُ على أَمَلٍ تَواصُلٍ جديد…ونُصلّي ، كُلٌّ في كتابِه ، أَنْ تكونَ أثْقَالُ الغدِ على قَدْرِ ما وُسْعِنا أَنْ نَحْتَمِلُهُ من مُفَاجَاءاتٍ و خَيْباتٍ وإِحْباطاتٍ تَيْئِيسيَّة و و نَكَباتٍ إِعْدَامِيَّةٍ ، نُسَلِّمُ فيها رِقابِنا طَوْعاً لِمِقصَلِة الزَمَنِ الأَصَمِّ خِلْقَةً والأَبْكَمِ غَبَّ الطلب…!

صديقي ، المُدَجَّجُ فِكراً و خِبْرَةً و صَبْراً ، نتَشاغَلُ معاً أحياناً بشربِ القهوةِ الإفتراضية في مقهى إفتراضي وحياةٍ إفتراضيَّةٍ لا ترحم. و لِشِدَّةِ ما نحنُ مُصِرَّانِ على قَلْبِ الأبيضِ أَسْوَد ، على قَدْرِ ما نستطيعُ..!

في آخرِ جَلسةِ قهوةٍ ، شربناها بلا فناجين ، أَسَرَّ لي أَنَّهُ تَعِبٌ من إنهيارِ الخُلقِيَّاتِ و سقوط القِيَم و إنْعِدامِ أبْسَطِ الخِدْماتِ الحياتية التي صرنا نعيشها بتصنيفٍ ما تحتَ الصِفرِ وما قبل إكتشافِ علمِ العدد..!

 كاَلمَني { الرَمَّازُ العَمَّار } بِحَرْقَةٍ و كَسْرَةِ خاطِرٍ ، فَاشَّاً قَلْبَهِ لي ، قال :

تَخيَّلْ يا صديقي ، تَخَيَّلْ ، أَنَّني أَمٌضَيْتُ ساعاتِ الليلةِ الماضية وأنا أحَاوِلُ إِسْتِجلابَ نَسمَة هَواءٍ بِهَزَّةِ كَرتونةٍ ، أُخَفِّفُ بها وَهْجَ حَرِّ القَيْظِ عن وَجْهِ إبنتي..!

هو قال لي : ” تَخَيَّلْ ” . و أنا تَخَيَّلٌتُ . فإِقْشَعَرَّ عَقْلي وصَفَنَ قلبي،وقُلْتُ لنفسي : ” يا نفسي إنَّا نَتَدرَّبُ على المَوْتِ ، فَإِقْتَبِليه بِبَسْمَةٍ و هَزَّةِ رَأس.!!!

حَمَانا اللهُ مِن شُرورٍ أَعْظَم…!!!

تَعْسَاً لِبَلَدٍ نُحَارِبُ فيهِ حَرَّ الطَقْسِ بِكَرتونة..!

و َدْ تكونُ الكرتونة هي الطاقةُ البديلةُ في لبنان..!!!

عن mcg

شاهد أيضاً

فتوح يعول اهمية كبرى على دور المصارف العربية في عملية التنمية العربية

اطلق اتحاد المصارف العربية دراسة حول اقوى ١٠٠ مصرف عربي من حيث رأس المال الاساسي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *