منير عقيقي : “في مناسبة الإستقلال”.

مقالتي في مجلة الامن العام عدد ١٢٣ شهر كانون الاول ٢٠٢٣ بعنوان:

“في مناسبة الإستقلال”..

ثمانون عاما واللبنانيون يتصارعون من اجل الحفاظ على استقلالهم وديمومته.

في كل المناسبات وعلى مر السنين، كان يلازم اللبنانيين، ولا يزال، شعار مثلث الاضلع، قوامه “حرية، سيادة واستقلال”، حيث كانت حناجرهم تصدح به في الساحات، تترجم معانيه في البيانات والمواقف السياسية وفي المقالات والتحليلات الصحافية. كما لم يغب هذا الشعار عن المناقشات في اروقة المجلس النيابي، وفي البيانات الوزارية وبرامج الاحزاب والجمعيات وهيئات المجتمع المدني، حتى ان بعض الخارج المهتم بالسياسة اللبنانية كان يزّين مواقفه “الداعمة” للبنان بهذا الشعار.

السؤال المطروح، لماذا يرفع اللبنانيون هذا الشعار ويطالبون به؟ هل مضمون هذه الكلمات الثلاث لم يتحقق بعد؟

لمقاربة هذه السردية والاجابة عن التساؤلات في شأنها، لا بد من عرض ما يلي:

اولا: في مسألة الحرية، لا يوجد بلد على الكرة الارضية يتمتع شعبه والمقيمون على ارضه والوافدون اليه بطرق شرعية او خلسة، بهذا القدر الكبير من الحرية المتفلتة وغير المنضبطة. لماذا؟ لأنه توجد في لبنان قوانين وهي متقدمة، ولو بعضها يحتاج الى تطوير وتحديث. لكن المعضلة هي في عدم تطبيق هذه القوانين بحزم وعدل، بل العكس فهي في الحقيقة وعلى ارض الواقع، تنفذ انتقائيا اذ يتداخل فيها النفوذ السياسي والمصالح على انواعها، بحيث يتحول مفهوم الحرية الى فوضى. وبدل ان يطالب الناس بتطبيقها، نخالهم يتعاملون بمعانيها حسب اهوائهم وخدمة لمآربهم، في حين ان الحرية في لبنان تشكل جزءا من تاريخ، من حضارة، من قيم، من تربية ومن اخلاق، جُبِلت مع عذابات اللبنانيين وقهرهم، فعندما اينعت استولدت الاستقلال.

ثانيا: في مسألة السيادة، استنادا الى الكتب التي تناولت تاريخ اللبنانيين ما قبل الاستقلال وبعده، اثبتت الوقائع ان كل الاطراف اللبنانيين ارتبطوا في السابق وحتى حاضرنا، بشكل مباشر او غير مباشر مع “خارج ما”، وكانوا يطالبون هذا “الخارج” بكل اشكال الدعم. وطالما ان هؤلاء الاطراف يبنون “معاقلهم”، ان لم نقل “دولهم”، على حساب الدولة المركزية، فلن تكون لهذا البلد “سيادة” على ذاته، وستبقى الدولة اللبنانية بعيدة جدا من ترجمة حقيقية لمغزى هذه الكلمة.

ثالثا: في الاستقلال، وهنا بيت القصيد. ان التعريف بالـ”الاستقلال” في معناه العام، يعني “تحرر الدول والتخلص من القيد والسيطرة الاجنبية”.

بالنسبة الى لبنان، منذ تاريخ نيله الاستقلال، وبناء على كل الوقائع والمعطيات، لم يعمل المسؤولون الرسميون فيه ولا الفئات التي يتكون منها الوطن على التحرر او التخلص من ارتباطاتهم الخارجية المتنوعة، منها ما هو ديني او عقائدي او ثقافي او سياسي او تلك المرتبطة بتاريخ الشعوب والجغرافيا.

لا توجد دولة في عالمنا الحاضر، مهما كبرت مساحتها او صغرت، نامية كانت او متطورة وعلى اختلاف انظمتها، قد استحوذت على استقلال ناجز مئة في المئة، ولكن غالبيتها تتمتع باستقلال نسبي، وكل منها في مجالات محددة ومتنوعة.

انطلاقا من هذا الواقع، ان استقلال الدول، ومن بينها لبنان، لا يتحقق الا في انجاز خطوات متقدمة، نذكر بعضها على سبيل المثال:

• ترشيد الادارة في المؤسسات الرسمية.

• تطبيق القوانين والانظمة بعيدا من الاستنسابية والتدخلات انى كان مصدرها او شكلها.

• اصدار تشريعات حديثة تساهم في بناء الدولة.

• تحفيز القطاع التربوي لمواكبة تطلعات الاجيال.

• تحسين القطاع الصحي بدعم المستشفيات الحكومية، تأمين الطبابة الفاعلة والشاملة لكل المواطنين.

• تحديث قوانين القضاء وحمايته من التدخلات.

• الاستجابة لمطالب الشعب المحقة وضمان سبل عيشه بكرامة.

• تأسيس علاقات طبيعية مع الدول العربية والاجنبية تؤمّن مصلحة الدولة العليا.

• حماية حدود الوطن وسلامة اراضيه من خلال بناء جيش قوي واجهزة امنية تضمن الامن والاستقرار في البلاد وتصون النظام والحق الانساني.

عسى ان نحتفل قريبا باستقلال حقيقي ناجز.

يمكن الاطلاع على العدد على الرابط التالي:

عن mcg

شاهد أيضاً

رصيف صحافة اليوم الاربعاء 23 تشرين الاول 2024

صالانباء:   زيارة هوكشتاين “وداعيّة”… والحسم ليس قريبا!… التصعيد الذي سبق وتلا الزيارة من العدو …