(1). ان الازمة التي يمر بها الاقتصاد كان يجب ان لا تحدث. فمن النادر جدا ان تقع دولة في ازمة مالية و لديها من اعلى نسب الاحتياطي الذي بلغ في منتصف 2019 نحو 50 مليار دولار و يفوق الدين العام بالدولار ب 150% و يغطي 50% من الودائع. كان من الواجب ان لا يتوقف مصرف لبنان عن توفير السيولة للمصارف و اتخاذ اجراءات اصلاحية مالية و نقدية فورا.
خطة الحكومة لا تقدم حلا كونها تعتبر الالتزامات خسارات يجب شطبها وهذا قرار استنسابي وغير محق و مخالف للدستور اللبناني ولن يؤدي الى حل بل الى فقدان الثقة بالقطاع المصرفي و فقدان السيولة، وكلاهما ضروريان للتوصل الى حل. ان شطب الودائع المقترح ( ومن المعروف في الشأن المصرفي ان اي قطاع مصرفي لا يستطيع اعادة الودائع ) في خطة الحكومة سيؤدي الى افقار اكثر من مليون مواطن والى محو قدرتهم الشرائية والى المزيد من الانهيار.
الحل يتمثل بالتالي:
اعادة جدولة جميع الالتزامات و الموجودات المالية.
التحرير الكامل لسعر الصرف.
تحقيق التوازن المالي باسرع وقت. سيدعمها تحرير سعر الصرف و اعادة الجدولة.
اعادة ادارة مؤسسات القطاع العام من خلال خصخصتها على اساس مناقصات بمواصفات دولية، و من ثم تحويلها الى شركات مساهمة.
تحويل صناديق الضمان الى صناديق نقدية.
النظر في وضع المصارف بعد تطبيق الاجراءات اعلاه اولا.
هذه الاجراءات توفر السيولة و الثقة اللذين يوفران حلا للازمة و ليس بشطب او اعادة الودائع.
(2). الاجراءات التي اتخذت لحينه ادت الى تفاقم الانهيار وليس العكس: لم يتخذ اي اجراءات اصلاحية منذ بدء الازمة و انما بالعكس من ذلك:
تخلى مصرف لبنان اولا عن سياسة الربط لسعر الصرف لليرة على اساس 1500 ل.ل مقابل الدولار، من دون اتخاذ اجراءات بديلة ناجحة.
التوقف عن تزويد المصارف بالسيولة مما ثبط الثقة بالمصارف و اوحي بانها مفلسة وهي ليس كذلك.
فقد الدولار المصرفي قيمته مقابل الدولار النقدي/ الفريش.
تعدد الاسعار لليرة مقابل الدولار (7 اسعار على الاقل) للسحب من الودائع ولخدمة الدين، وهو اجراء غير دستوري و يشوه الاسعار، و يتبع اسلوب التفرقة بين الدائن (المودع) والمدين (المقترض)، وقوّض عمل القطاع العام وفر فرصا للفساد.
وخاصة سداد الديون بالدولار بالليرة اللبنانية على اساس السعر الرسمي: مما حقق ارباحا طائلة غيرعادلة للمقترضين على حساب المودعين .
وضعت قيود عشوائية على حركة رؤوس الاموال و السحب من الودائع للمقيمين وغير المقيمين.
اتباع سياسة دعم باهضة كلفت اكثر من 14 مليار دولار خلال سنة ونصف.
ومنعت المصارف من التعامل في سوق القطع مشترية او بائعة في سوق القطع الحر، وبهذا حرمت من تكوين سيولة ذاتية بالعملات الصعبة.
اعلنت الحكومة عن توقف خدمة اليوروبند في الداخل و الخارج بقرار انفرادي مما ادى تخفيض التصنيف الائتماني للأدنى المستويات.
(3). نتج عن مجمل الاجراءات المتخذة
المزيد من استنافذ مصرف لبنان لمعظم احتياطاته (24 مليار دولار) خلال سنة و نصف بعد بدء الازمة.
خلق دولار “فريش” حدد حسب السوق الحر وآخر مصرفي قديم (لولار) يعادل اليوم اقل من 15% من الدولار الفريش.
انحدار في سعر الصرف في السوق الموازية مما ادى الى خسارة في قيمة الليرة و الودائع بالليرة الى ما يفوق 98%.
انخفاض كبير في الاجور والدخل الحقيقي.
المزيد من الانهيار الاقتصادي وارتفاع البطالة – حيث خسر الانتاج ما يقرب من الثلث.
وارتفاع التضخم الى ما يفوق ال 1600 بالمئة منذ بداية الازمة.
وكانت الاجراءات لصالح (المقترَض) كالدولة والقروض الخاصة وليس المقرض.
(4). الحل المالي المقترح من قبل حكومة ميقاتي الصادر في 9/9 – 2022
الحل المالي المقترح هو مصدر الخلاف الاساسي بين الدولة والمواطن والعديد من المصارف والمؤسسات.
تمحور الخلاف حول تحديد الخسارات المزعومة و كيفية التخلص منها (ابتداءً من خطة لازار و لغاية الخطة الحالية للرئيس ميقاتي) و قدرت الخسارات ب73 مليار دولار. و هل هي خسارات ام التزامات؟
بدون ادنى شك هي التزامات تحتاج الى اعادة جدولة.
اعتبرت الخطة ان معظم الالتزامات هي خسارات، و هذا خطأ فادح. انصب اهتمام الخطة على معالجة الخسارات المزعومة وعلى شطب معظم الودائع بالمقابل، وليس على احياء الاقتصاد واستعادة النمو، واستقرار الاسعار وسعر الصرف.
(5). ملخص لأهم ما يسمى ركائز ومبادىء خطة الحكومة:
أ *فك الترابط بين حسابات المصارف التجارية وحسابات مصرف لبنان والموازنات والديون السيادية. هذا يعني شطب الحسابات المشتركة بين الفئات الثلاث، مما يؤدي الى تقليص غير مسبوق في ميزانيات االقطاع المصرفي. هذا يعني الغاء ودائع المصارف في مصرف لبنان، والغاء سندات الدولة لدى المصارف.
ب* اعادة الملاءة لمصرف لبنان
*مشاركة الدولة فقط في استعادة ملاءة مصرف لبنان بـ 2.5 مليار دولار فقط – ضمن قدرتها على تحمل الديون، بينما الدولة هي مسؤولة كليا عن خسارات مصرف لبنان ان حدثت.
الغاء التزامات مصرف لبنان بالعملة الصعبة تجاه المصارف، 65-70 مليار دولار وبالمقابل يتطلب هذا الاجراء شطب معظم الودائع وخاصة بالدولار.
اصدار حقوق لصالح المصارف للتعويض عن هذه الالتزامات، وهي حقوق غير مضمونة وتفتقد لاية قيمة حقيقية، و لا تستطيع الدولة تمويلها اللا بعد عدة اجيال.
ج * اعادة هيكلة ورسملة المصارف القادرة على الاستمرار بعد استيعاب الخسائر.
خطة الحكومة تقترح اطفاء او تحويل الى الليرة و الى صندوق استرداد الودائع مجمل الودائع التي تفوق 100 الف دولار العائدة الى نحو 250 الى 300 الف حساب على اقل تقدير . و بافتراض ان كل حساب يعيل 4 اشخاص فهذا يعني ان اكثر من مليون شخص سيحرم من الحياة الكريمة.
**التزامات المصارف للمودعين بالدولار ستقلص كالتالي:
حماية الودائع فقط لغاية 100 الف دولار و ليس فقط لصغار المودعين- تقدر ب 19 مليار دولار، و يدفع منها 14 مليار بالدولار (75%) و تسحب خلال عدة سنوات (7 سنوات) ويحول الباقي الى ودائع بالليرة. هذا يشير الى ان معظم ما تبقى من الودائع بالدولار البالغة نحو 84 مليار دولار سيشطب من المصارف كالتالي:
يشطب او يحول الى الليرة باسعار مخفضة 53 مليار دولار ضمن شعارات:
تشطب الفوائد فائضة من الودائع المؤهلة
تحول الى الليرة الودائع الغير مؤهلة
جزء من الودائع يخصص كمساهمة في راس مال المصارف
اصدار حقوق لصالح المودعين بما يوازي 30 مليار دولارعلى صندوق استرداد الودائع
صندوق استرداد الودائع سيحتاج الى اكثر من ثلاثة اجيال لاسترداد الودائع كما اكدت الحكومة – فهو صندوق وهمي.
الغاء حصة المساهمين و المطلوبات الاخرى في المصارف على اساس احترام التسلسل الهرمي لتحمل الخسائر. اي حذف لرؤوس اموال المصارف.
** اصول المصارف بالدولار ستعالج كالتالي:
الغاء ودائع المصارف في مصرف لبنان. مقابل اصدار حقوق (بقيم وهمية) لصالح المصارف.
الغاء سندات الدولة لدى المصارف.
استعادة قروض المصارف للعملاء على اساس السعر الرسمي 1500 ل.ل مقابل الدولار.
دمج المصارف المتبقية القادرة على الاستمرار.
ضخ اموال جديدة في المصارف – من اين- لا ندري؟
من ناحية ميزانيات الدولة:
توقع الاستمرار بتحقيق عجز مالي مرتفع و تراكم المتاخرات- تفوق مليار دولار.
استهداف الخطة توحيد سعر الصرف فقط و ليس تحريره – وهو غير مجدي.
هذا يعني ان الجزء الاكبر من القطاع المصرفي سيغلق او يقلص و البدء بقطاع جديد- فمن اين ستأتي الاموال ومن سيشتري المصارف المتعثرة او اقامة مصارف جديدة.
ان الخطة المعروضة لا تؤدي الى تعافي الاقتصاد بل الى شطب الجزء الاكبر من القوة الشرائية للمواطن مما يؤدي الى كساد غير مسبوق و الى اقفال معظم المصارف بعد الغاء غالبية الودائع .
كما ان القوانين المطروحة كالكابيتال كونترول لايخدم الاقتصاد ولا يشجع على دخول رؤوس الاموال انما يقيد السحب من الودائع بحد اقصى قدره فقط 1000 دولار شهريا لكل مودع.
يجب ان تستهدف اي خطة دخول الاموال الخاصة وليس المساعدات الرسمية وهي قروض يجب اعادتها و تشجع على استمرار الفساد.
ان برامج مع صندوق النقد لا يشجع بالضرورة دخول الاموال الخاصة كونها تثبت ان الدولة عاجزة عن ادارة اقتصادها.
(6). الخطة البديلة – اتحاد المصارف العربية بالتعاون مع خبراء دوليين
لا حاجة لاعادة الودائع و لا لشطبها ولا لشطب ديون الدولة وديون مصرف لبنان كما ذكر في خطة ميقاتي ذاتها: لا يستطيع اي قطاع مصرفي في العالم ان يرد كل الودائع فورا – و لا دولة في العالم تستطيع اعادة كل ديونها فورا.
كما لا نطرح في هذه الخطة بيع مؤسسات الدولة للتعويض عن كبار المودعين المقدرة بنحو 20% من مجموع عدد الحسابات وتحوز على 80% من مجمل قيمة الودائع .انما الهدف استعادة فعالية انتاج هذا القطاع من خلال خصصة ادارته اولا.
الحل يكمن بتوفير السيولة للمصارف واستعادة الثقة، و انتهاج اصلاحات ناجعة و بالتسلسل بدلا من الانتظار حتى يتم الاتفاق مع صندوق النقد.
أهم بنود الخطة البديلة:
الاعلان عن صيانة والحفاظ على كل الودائع بأي عملة كانت. وهذا يعيد الثقة بالدولة والمصارف.
التحرير الكامل و المباشر لسعر الصرف لجميع المعاملات و القطاعات وليس فقط توحيده كما تقترح الحكومة و صندوق النقد:
تحرير سعر الصرف يوحد سعر الصرف تلقائيا وله وقع ايجابي على صعد عدة:
استعادة القيم الحقيقية للاصول والخصوم المالية وانهاء بدعة اللولار (الدولار المصرفي القديم قبل 17 تشرين الاول 2019)
الغاء جميع القيود المكبلة على السحب حسب عدة تعاميم استنسابية لمصرف لبنان المركزي
استعادة المصارف لدورها في سوق القطع (سوق العملات الاجنبية)
اعادة التوازن للاسواق المالية.
اعادة الثقة بالمصارف .
اعادة السيولة للمصارف وباستعمال الشيكات المصرفية وبطاقات الائتمان بقيمتهم الحقيقية للدولار (الدولار المصرفي يوازي الدولار “الفريش”)
تشجع تقليص الطلب على الدولار النقدي وتعزيز العودة الى استعمال النقد الافتراضي- شيكات و بطاقات ائتمان.
استعادة المودعين التعامل بدون قيود مع المصارف.
يعيد الثقة لليرة اللبنانية.
يشجع عودة الادخارات النقدية في المنازل والشركات الى المصارف.
يشجع الادخار والاستثمار.
يعزز القدرة التنافسية للاقتصاد ويدعم بالدرجة الاولى انتاج السلع البديلة للمستوردات اضافة الى الصادرات.
دعم النمو وخلق فرص العمل.
يشجع دخول رؤوس الاموال من الخارج.
يحرر مصرف لبنان من واجب التدخل في سوق القطع ويخوله التركيزعلى السياسة النقدية التي تستهدف النمو ولجم التضخم. ويستطيع مصرف لبنان بعد تحريرسعر الصرف خفض نسبة الاحتياطي الالزامي ليوفر سيولة اضافية للمصارف.
تحقيق توازن مالي لحسابات الدولة: تحرير سعر الصرف يجب ان يرافقه تحقيق توازن مالي وهذا يصيح ممكنا من خلال سعر صرف حر واعادة جدولة ديون الدولة، ويساهم في استقرار سعر الصرف.
التوازن المالي يؤدي الى تحسين اداء ميزان الدفوعات والى ثبات سعر العملة المحلية .
اعادة جدولة الاصول و الالتزامات المالية: تحرير سعر الصرف يجب ان يرافقه اعادة جدولة لكل الاصول والالتزامات المالية العامة والخاصة (ودائع وقروض المصارف اضافة الى ديون الدولة) لكي لا يشكل تحرير سعر الصرف ضغطا على السحوبات في المرحلة الاولى.
ولاحاجة عندئذٍ لقانون الكابيتال كونترول.
تطوير ادارة مؤسسات القطاع العام من خلال خصخصة اداراتها بالاستناد الى مناقصات تستند الى المعايير العالمية . و قد أصدرت الادارات الخاصة بعد الاصلاح اسهما تعرض في بورصة بيروت لتكون مداخيل اضافية الى الارباح والضرائب للدولة. ومن الممكن ان تحتفظ الدولة اللبنانية بجزء من هذه الاسهم على ان لا تتعدى نسبة اقل من 50%.
اعادة هيكلة المصارف: من الافضل ان تعالج اعادة هيكلة المصارف اذا دعت الحاجة بعد الاصلاحات المذكورة لاعطائها فرصة التعافي من خلال هذه الاجراءات. ومن السابق لاوانه ان يبدأ الاصلاح في القطاع المصرفي اولا. القطاع المصرفي يعاني من السياسات الحالية و يستطيع االتعافي من خلال الاصلاح الذاتي مع الاجرءات المذكورة اعلاه.
تحويل صندوق الضمان الاجتماعي والصناديق الخاصة الى اساس نقدي بدلا من وضعها الحالي لتوفر الضمان الصحي والتقاعد المستدام للقطاع الخاص من خلال ضريبة مخصصة للضمان يساهم فيها الافراد الشركات وقد تساهم الدولة بجزء من التكلفة كبديل لتخصيص ايرادات للحماية الاجتماعية.
ان هذه الاجراءات كفيلة باعادة الثقة للمصارف ولليرة اللبنانية مما يخول عودة المصارف الى عملها الطبيعي.
اضافة يحتاج لبنان الى اصلاحات في مجالات عدة مالية و نقدية و قطاعية وقضائية و في الادارات العامة.
ختاما: ان اعلان التزام الحكومة اللبنانية ضمان حقوق المودعين هو غير واضح وغير اكيد، وعلى صندوق النقد ان يأخذ موقفا داعما للمودعين، كون ان المودع هو ركيزة الدولة و منقذها”.