كتب اللواء عباس ابراهيم المجير العام للامن العام في مجلة الامن العام تحت عنوان عن «الإنتباه الوطني»:
في الاول من تشرين الثاني الحالي، دخل لبنان المحظور الدستوري وهو خلو سدة الرئاسة الذي لم يبقَ احد الا قدّم مطالعة فيه وعن اخطاره وتداعياته السلبية على مجمل الاوضاع. الآن بلغنا هذا الخطر ولا حياة لمن تنادي، والمؤسف ان «اللااستقرار» صار استقرارا ولكن بـ»كسل وطني» عام عن التفكير في الدولة واهلها ومستقبلهم. جل التفكير محوره المصالح واستعراض القوى.
في بلاد غير تلك التي نحيا في كنفها وقد انعم الله علينا، كان مثل هذا الامر ليغيّر جيلا كاملا من السياسيين. لكن الكسل الوطني معطوفا على غياب التمسك بالهوية اللبنانية الجامعة، وانتظار تفاهمات الخارج واتفاقاته على المنطقة، يجعلنا جميعا نترقب ما هو آت من دون ان يرف لنا جفن. اضحى لبنان في دولة بلا رئيس. هل لعاقل ان يتخيل كيف يكون عليه الوضع الآن؟ وقد مررنا في هذه التجربة مرات عدة، ونعرف كم هي قاسية ومدمرة
الانتخابات النيابية واجب وطني اداه من اداه من اللبنانيين، لكن الغلبة التي انخرطت في هذه العملية انما فعلت على قاعدة إحداث تغيير. وشعار التغيير رُفع من الجميع بلا استثناء حتى ان الكلاسيكيين ردحوا ردحا بعزمهم على التغيير. لكن مجريات الوقائع اثبتت ان الانتخابات طوت الشعارات ولم يحصل جديد في معالجة مشاكل اللبنانيين التي ما عادت تُعدّ او تحصى.
الآن سيأتي من يُتاجر بالخلو الرئاسي ويشتغل على تحشيد العصب الاهلي لهذه الجماعة على تلك. اكثر من ذلك سيذهب هذا او ذاك الى المقامرة باللبنانيين من اجل معركة رئاسية بدا ان الداخل لا طاقة له بها، وان الخارج يريدها وفقا لمعطياته ومصالحه. الاستثمار في هذا الفراغ قابل للاستعمال في كل الاتجاهات ومن كل الاطراف وتحت عنوان «الغيرة» الطائفية والوطنية. لكن هل سيحاسب احد احدا على مسار الامور التي وصلت الى هذا المستوى؟
اما وقد بلغنا ما بلغناه من انحدارات متعاقبة، فما ينبغي قبل اي شيء هو «الانتباه الوطني» في هذه اللحظة الحساسة، لأن اي مغامرة قد تنطوي على جحيم سياسي يأتي على البلد واهله من دون تمييز. لنستفد من تجارب الماضي الطويلة والعميقة، ذلك انه في لحظة تفاهمات محلية مع اخرى اقليمية ودولية سيصير الى انتخاب رئيس وحكما ستكون عندها مفاجأة الاسم والتوقيت وسرعة الانتخابات. حينها ستتحول الكتل وجماهيرها من جموع غاضبة الى اخرى محتفلة ومهللة، وستبذل جهدها لتجيير نتائج هذا المعطى الدستوري الى ارصدة حساباتها السياسية على طريق تمنين اللبنانيين بما هو حق لهم.
الانتباه الوطني المطلوب في هذه المرحلة هو من نوع الوعي من اي انزلاق قد لا يبقي ولا يذر من لبنان.
دخلنا فراغات دستورية وحكومية من قبل، ونجونا منها باقل الخسائر. وطالما دخلنا الى فراغ جديد ينضم الى سوابقه المشينة، فلنفهم انه من دون لبنان الجامع لا يمكن لفئة او طائفة ان تنجو بمفردها.
افتتاحية مجلة الامن العام عدد 110 الصادر في الاول من تشرين الثاني 2022