DW تتحقق
بينما تهاجم قواته أوكرانيا، يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تبرير الغزو: يجب على روسيا “الدفاع” عن نفسها، ووقف “الإبادة الجماعية” و “إزاحة النازيين” في أوكرانيا. DW تقصت الحقائق وكشفت أن الكثير من هذه الحجج خاطئة.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اجتماع في أواخر عام 2019
فعلتها روسيا: بعد أسابيع من التصعيد في الصراع مع أوكرانيا، غزت القوات الروسية أوكرانيا وتهاجم العديد من الأهداف في جميع أنحاء البلاد. قبل الهجوم بفترة وجيزة، خاطب الرئيس فلاديمير بوتين شعبه في خطاب تلفزيوني وذكر دوافعه للهجوم – الذي يراه بمثابة عمل دفاعي. DW فحصت بعض المبررات الرئيسية التي يسوقها بوتين للغزو.
هل كانت قوات الناتو تتقدم على حدود روسيا؟
الادعاء: بوتين يتحدث عن “التوسع شرقا لكتلة الناتو، مما يجعل بنيته التحتية العسكرية أقرب إلى حدود روسيا”. قال بوتين في خطابه التلفزيوني: “الناتو يواصل التوسع. وآلة الحرب في حالة تحرك، وأكرر، إنها تقترب من حدودنا”.
DW تتحقق: الادعاء مضلل.
ما هو صحيح في هذا البيان هو أنه منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، تم قبول 14 دولة من أوروبا الشرقية في حلف الناتو. أربعة منهم مجاورة لروسيا. كما تم منح أوكرانيا إمكانية الانضمام إلى الناتو في عام 2008، لكن الناتو جمد الإمكانية منذ ذلك الحين. وكما أكد المستشار أولاف شولتس، من بين آخرين، خلال زيارته لموسكو منتصف فبراير الحالي، فإن هذه الخطوة لن تكون على جدول الأعمال في المستقبل المنظور.
ومن الصحيح أيضاً أن الناتو قام باستعدادات لوجستية في دوله الأعضاء في أوروبا الشرقية وقام أيضاً بإعداد المطارات للتعزيز السريع للقوات. ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن الناتو فعل ذلك بعد عام 2014، وذلك رداً على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم المخالف للقانون الدولي.
خارج حلف شمال الأطلسي، تعمل الدول الأعضاء في الناتو بشكل ثنائي معاً. تنظر موسكو إلى نشر أنظمة الدفاع الصاروخي إيجيس أشور بريبة كبيرة. ونُشرت هذه الأنظمة بالفعل في رومانيا. ومن المخطط أن تُنشر أيضاً في بولندا. تم تطوير هذه الأنظمة في الأصل للسفن الحربية. ويمكن أيضاً إطلاق صواريخ كروز التي يمكن أن تصل إلى روسيا في وقت قصير، كما أوضح الكولونيل (العقيد) في الجيش الألماني السابق فولفغانغ ريختر في مقابلة مع DW.
ومع ذلك، لن تكون هذه مشكلة غير قابلة للحل، وفقاً لريختر، الذي يعمل الآن في مركز الأبحاث “مؤسسة العلوم والسياسة” في برلين: “يمكن حلها من خلال التحقق الملموس”. بمعنى آخر: يمكن منح روسيا الفرصة للتحقق من عدم وجود صواريخ كروز في مستودعات إيجيس أشور متهيئة للإطلاق. لكن عرض الدخول في حوار بشأن الحد من التسلح رفضته موسكو، كما يقول ريختر: “اختارت موسكو الحرب بدلاً من ذلك وأسقطت احتمالات التوصل إلى حل تفاوضي”.
هل الهجوم الروسي حالة دفاع بموجب ميثاق الأمم المتحدة؟
الادعاء: قال بوتين: “ببساطة لم يُمنح لنا أي خيار آخر للدفاع عن روسيا وشعبنا غير الخيار الذي يجب أن نلجأ إليه اليوم”. “لقد طلبت جمهوريتا دونباس الشعبية من روسيا المساعدة. وفي هذا الصدد، وبموجب الفصل 7، المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة (…) اتخذت قراراً بإجراء عملية عسكرية خاصة”.
DW تتحقق: الادعاء خاطئ.
ليس صحيحاً أن روسيا بحاجة إلى “الدفاع” عن نفسها ضد أوكرانيا، وكذلك لا يستطيع بوتين الاستناد على ميثاق الأمم المتحدة عند القيام بذلك. هذا الادعاء هو واحد من سلسلة مزاعم بوتين بأن أوكرانيا تشن عمليات عسكرية هجومية وتستعد حتى لشن حرب ضد روسيا. بعد فترة وجيزة من اعتراف روسيا بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك(لوغانسك) الشعبية المعلنة من جانب واحد، طلبتا المساعدة وأرسل بوتين – على حد قوله – “قوات حفظ سلام” إلى المناطق الانفصالية.
لكن في الواقع، هذا هو استمرار للاحتلال الزاحف الذي بدأ في عام 2014. وفشلت روسيا حتى الآن في تقديم أي دليل على أن أوكرانيا هاجمت روسيا، ولا توجد معلومات مستقلة عن ذلك أيضأً. في المناطق الانفصالية في شرق أوكرانيا، والتي كانت موضع نزاع منذ سنوات، كانت هناك أيضاً عمليات رفعت أعلاما زائفة، مثل هجمات وهمية كشفها مدونون.
قوات روسية تدخل أوكرانيا –
وقالت بيا فوهرهوب، الباحثة في المعهد الألماني للسياسة والأمن الدوليين، لـ DW: “الحق في الدفاع عن النفس يفترض هجوماً من جانب الطرف الآخر. في حالة أوكرانيا، لا يوجد أي مؤشر على ذلك على الإطلاق”. ووصفت منطق بوتين بأنه “خادع”، لأن: “على العكس من ذلك، فقد فعلت أوكرانيا كل شيء في الأسابيع الأخيرة لعدم إعطاء روسيا أي ذريعة لإعلان مثل هذا الحق في الدفاع عن النفس”.
وكذلك منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تراقب الصراع في أوكرانيا في إطار مهمة خاصة منذ سنوات، تتباين بشكل واضح مع تصريح بوتين بأن الغزو الروسي مشمول بالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. وأدان رئيس منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ووزير الخارجية البولندي زبيغنيف راو الغزو الروسي ووصفه بأنه “انتهاك أساسي لميثاق الأمم المتحدة”. وأضاف أن “تبرير الهجوم بالمادة 51 “مثير للشفقة ومخزِِ”.
المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للصحفيين: “هذه الحرب لا معنى لها. إنها تنتهك مبادئ الميثاق”. تضمن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة الحق في “الدفاع الفردي أو الجماعي عن النفس” في حالة وقوع هجوم مسلح. ولكن هذا ليس هو الحال فيما يتعلق بروسيا، كما يقول مارسيلو كوهين، أستاذ القانون الدولي في معهد الدراسات الدولية والتنمية في جنيف، وأضاف كوهين لـ DW: “أن حجج بوتين لا أساس لها من الصحة لعدة أسباب”. أولاً، المنطقتان الانفصاليتان ليسا دولتين بمعنى القانون الدولي. ثانياً، تصرفت أوكرانيا لغاية حصول الغزو ضد المنطقتين “ليس بشكل عنيف” ضد المنطقتين. وثالثًا، “الاستخدام المكثف للقوة ضد المنشآت العسكرية في جميع أنحاء أوكرانيا غير ضروري وغير متناسب”.
في غياب أي دليل على هجوم مسلح من قبل أوكرانيا، يظل العمل الروسي فعلياً حرباً عدوانية دون أي مبرر بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
هل حدثت “إبادة جماعية” في أوكرانيا؟
الادعاء: الهدف مما يسميه بوتين “عملية عسكرية خاصة” هو “حماية الأشخاص الذين يتعرضون للانتهاكات والإبادة الجماعية منذ ثماني سنوات”.
DW تتحقق: الادعاء خاطئ.
تم تعريف مصطلح “الإبادة الجماعية” في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية لعام 1948 على أنها “جريمة إبادة متعمدة لكامل أو أجزاء من جماعة قومية أو إثنية أو دينية أو عرقية”. لا توجد تقارير عن عمليات قتل جماعي مستهدفة للمدنيين في أوكرانيا، على الرغم من أن المراقبين الدوليين وثقوا بدقة جميع ضحايا النزاع المدنيين منذ عام 2014. التقارير الدورية لبعثة المراقبة التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي كانت تسافر على جانبي “خط الاتصال” في شرق أوكرانيا منذ عام 2014 – التي تعمل أيضاً بموافقة روسيا – لا تعطي أي مؤشر على قتل ممنهج للسكان المدنيين.
تسجل بعثة مراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا جميع القتلى والجرحى في تقاريرها اليومية. ولقي معظم القتلى المدنيين حتفهم في المرحلة الأولى من الصراع بين عامي 2014 و2015. منذ عام 2016، انخفض عدد الضحايا بشكل مستمر. سجل آخر تقرير موجز متوفر من بعثة المراقبة لعام 2020 مقتل 161 مدنياً في الفترة من 1 يناير 2017 إلى منتصف سبتمبر 2020 – مع عدد مماثل من الضحايا من كلا الجانبين.
وكان السبب الرئيسي للوفاة هو القصف المدفعي، يليه تفجيرات للألغام الأرضية والذخائر. وأوضح التقرير أن “معظم الضحايا – 81 قتيلاً و231 جريحاً – ناجمة عن ألغام وذخائر غير منفجرة ومواد متفجرة أخرى. وقتل أو أصيب مدنيون في ظروف مختلفة، بما في ذلك العمل في الحقول أو صيد الأسماك أو المشي”.كما يقول تقرير عن بعثة المراقبة التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في سبتمبر 2020. ولا يوجد دليل من مصادر مستقلة – من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والأمم المتحدة – على “إبادة جماعية” مزعومة.
من جانبها، تصف بيا فوهرهوب من مؤسسة العلوم والسياسة اتهام بوتين بالإبادة الجماعية بأنه “لا أساس له على الإطلاق”. وهي تعتقد أن الرئيس الروسي لا يهتم بالحقائق على الإطلاق: “في النظام الاستبدادي الذي تعيشه روسيا اليوم، لا توجد وسيلة لوسائل الإعلام الناقدة للتحقق من ذلك بأي شكل من الأشكال. وفي هذا الصدد، هناك مبرر للحرب كافٍ بالنسبة له رغم عدم وجود أسس واقعية لذلك”، حسب فوهرهوب.
لجأ أوكرانيون إلى محطة مترو أنفاق للإحتماء من الهجمات – أسباب الحرب ليست ذات مصداقية بالنسبة للأوكرانيين