ماذا في وجهة نظر منير عقيقي ؟

منير عقيقي

وجهة نظر بعنوان:

عملية تشكيل الحكومة في لبنان: بين النصوص الدستورية المغيّبة والمصالح السياسية المهيمنة

 

 بعد انتخاب العماد جوزف عون رئيسا للجمهورية، انطلقت النقاشات والإجتماعات على الساحة السياسية اللبنانية حول ملف تأليف الحكومة الجديدة. وبدأت الكتل النيابية بطرح مواقفها من مسألة التأليف والمشاركة والأسماء والحقائب، وصولا الى تصنيفها بوزارات سيادية وخدماتية وعادية، كأن “بعض الوزراء مع حقائبهم أولاد ست والآخرين أولاد جارية”.

كيف تتعاطى الكتل النيابية مع عملية تأليف الحكومات منذ الخروج السوري من لبنان؟

– معظم الكتل النيابية الرئيسية والمجموعات النيابية، هي كتل طائفية وحتى مذهبية. يطالب رؤساؤها بالحقائب الوزارية ويحددون نوعها، (سيادية أو غير سيادية)، كما يسمّون الوزراء الذين سيمثلونهم.

– يقوم الرئيس المكلف بعرض المطالب والشروط، ويحاول مع رئيس الجمهورية تركيب “بازل” الحكومة من دون أن يغفلا مطالبهما ويضماها الى “البازل” نفسه.

– تزداد العقد نتيجة تضارب المواقف والشروط والمصالح، ويدخل الوسطاء في الداخل ومن الخارج، وتزداد المناورات السياسية والضغوطات حتى تكتمل الصورة النهائية للحكومة بشكل يرضي معظم الأفرقاء الذين وافقوا على المشاركة في الحكومة لتأمين نيل الثقة في مجلس النواب، فيفوز الجميع بـ”حكومة توافقية، تحاصصية، طائفية – مذهبية بامتياز”.

– حكومة من هذا النوع لا يمكن أن تكون حكومة منتجة وإصلاحية تعمل لبناء الدولة، بل هي حكومة إمتيازات تعمل لصالح الفريق السياسي المتمثل فيها. باختصار هي حكومة الدويلات وقوى الأمر الواقع الذين خلعوا اللباس المليشياوي عنهم وارتدوا اللباس المدني، ونقلوا تصرفاتهم الى مؤسسات الدولة.

ماهو دور الأطراف السياسية والحزبية ووزرائهم في الحكومة، وماذا يريدون منها؟

أظهرت التجارب في تأليف الحكومات أن معظم القوى السياسية تتمسك بقوة بحصصها الوزارية، حقائب وأسماء، لضمان وجودها السياسي على الساحة الداخلية أولا، (قد يكون هذا حق لها)، وكي تقوم بتأمين الخدمات والمنافع على الأنصار والمحازبين وإشراك الحلفاء فيها ثانيا. وتصدر معظم القرارات والتعيينات بالتوافق وبطريقة تحاصصية. وهذا الواقع اللاطبيعي في ممارسة السلطة من منطلقات حزبية وبعض الأحيان ميليشياوية، ساهم بشكل رئيسي في تعزيز وجود الأحزاب وحضورها على حساب بناء الدولة، لأن كل طرف كان يستعمل المؤسسات الرسمية والإدارات التي يتولى فيها وزراؤه مسؤولياتهم لخدمة مصالحه المباشرة.

يمكن إستخلاص عمل الحكومات على مرّ السنوات على الشكل التالي:

1-كل وزارة، وبدلا من أن تكون منصة تعمل لكل اللبنانيين وتطبّق سياسة الحكومة إستنادا الى بيانها الوزاري الذي نالت الثقة على أساسه، نراها تتحوّل رافعة لمصالح الفريق الذي تمثله، ومنصة لصرف النفوذ السياسي والمادي والوظيفي له ولأنصاره.

2- يتحوّل الوزير الى شبه آمر لكل ما يتعلّق بوزارته إستنادا الى الصلاحيات التي منحها له الدستور، وإذا تعرض لأي إنتقاد أو المطالبة بمحاسبته، يقوم الفريق التابع له بحملة مضادة حتى ولو وصل الأمر الى خلق أزمة سياسية أو دستورية. أضف الى ذلك، إن المرسوم الذي لا يعجبه يضعه في الجارور ولا يفرج عنه إلا بعد تصحيحه توافقيا.

3- أثبتت التجارب أن هناك شبه إنعدام في استمرار العمل بالمشروعات أو الخطط السابقة للوزارات، بحيث إن كل وزير يرتأي ما يراه مناسبا لإدارة شؤون وزارته من دون التطلع الى ما قام به الوزير السابق، ثم يخرج من الوزارة ليأتي وزير جديد ويبدأ العمل من الصفر، ويستقدم فريقا من المستشارين.

4- قلّة هم المدراء العامون الذين يتمكنون من العمل في أي مشروع إلا إذا كان يصب في مصلحة الوزير وفريقه السياسي، من دون إغفال حصول خلافات بينه وبين الوزير فيُحيَّد دوره وتُشل قدرته على تنفيذ مهامه الوظيفية.

الواقع الحالي:

من الثابت أن إستمرار الوضع على ما هو عليه، يعني أن الجميع سيستمرون في السقوط، لأن أحدا منهم لم يقتنع بعد بأن التمسك بمواقفه المناهضة لإصول بناء الدولة، واستمرارهم في بناء دويلاتهم على أنقاض الدولة الحالية، سيفضيان في نهاية المطاف الى بعثرة لبنان الكبير وإلغاء وجوده. من الواضح أيضا، أن الثقة بين الأطراف السياسية اللبنانية مفقودة بشكل شبه كامل، حتى داخل الأطراف السياسية ذات اللون الطائفي الواحد، والأسباب تعود الى ما يلي:

** عدم وجود دولة كاملة الأوصاف. لا فصل حقيقي للسلطات، لا إدارات أو مؤسسات رسمية تعمل في خدمة الناس، لا أجهزة رقابية يُسمح لها باستكمال مهماتها التفتيشية حتى النهاية، لا تعيينات تعتمد المعايير الوظيفية الموحّدة، لا قانون يطبّق سواسية على الجميع، لا محاسبة على الأخطاء،….

** كل طرف سياسي في السلطة يفرض أجندته الخاصة على الدولة، فتتضارب السياسات والأهداف، وتنتفي سياسة السلطة المركزية الواحدة التي من المفترض أن يكونوا قد اتفقوا عليها لجهة الإلتزام بالدستور وتنفيذ القوانين على الجميع. ولكن كون كل الأطراف السياسية هم الدولة ويشكّلون أركان السلطة التنفيذية والتشريعية وإداراتها ومؤسساتها، فمن المؤكد أن مصلحتهم تقضي بعدم تطبيق القانون عليهم، وهذا الواقع تكون نتيجته دائما على حساب الدولة ومؤسساتها وشعبها. هذه الدوامة العجيبة تستمر في الدوران حول نفسها، فتغرقهم في مسارات الفوضى واللاقانون، كما هو حال البلاد الآن

.

** إستجرار التدخل الخارجي للإستقواء به، فتزداد التناقضات والإنقسامات

.

** هذه الممارسات تنتج سلطة هجينة، فالنواب الذين يشكلون السلطة التشريعية يمارسون بواسطة وزرائهم السلطة التنفيذية، وتعيين وظائف الفئة الأولى والسلطة القضائية ويوافقون على المشروعات بالتوافق، و….

كيف تراقب السلطة التشريعية السلطة التنفيذية الخارجة من رحمها، وكيف تطبق السلطة التنفيذية القانون على من هم أولياء أمرها؟

 

الخلاصة:

تأليف الحكومة وفقا للدستور والقوانين يعني عمليا:

  • مهمة التأليف تقع حصرا على رئيسي الحكومة والجمهورية بالتشاور والتعاون بينهما.

2- فصل النيابة عن الوزارة كجزء من عملية الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

3- ميثاقية الحكومة ومقتضيات العيش المشترك يتم ضمانهما من خلال تمثيل الطوائف، لا الأحزاب والكتل.

4- حكومات الوحدة الوطنية هي إستثناء، وفي حالات وأزمات قصوى مثل الحروب والثورات. أما القاعدة، فهي حكومات تنبثق عنها “معارضة وموالاة” وتكون خاضعة للرقابة والمحاسبة.

5- الوزراء يكونون من أهل الخبرة والأختصاص. المعيار هو الكفاءة والجدارة وليس الولاء والإنتماء السياسي.

لبنان اليوم أمام مفترق طرق، إما أن يتنازل الجميع لتطبيق الدستور والقانون وفصل السلطات، واستعادة الثقة… وإما على الدولة السلام.

عن mcg

شاهد أيضاً

​ زغيب شارك في إجتماع رؤساء البعثات للدورة الآسيوية الشاطئية في الصين ( سانيا – 2026 )

almontasher >شارك عضو اللجنة الأولمبية اللبنانية المحاسب روكز زغيب في إجتماع رؤساء البعثات لدورة الألعاب …