صدر عن مؤسسة حسن صعب ما يلي
حسن صعب قامة وطنية وعربية نفتقدها في هذه الأيام، اذ تتقاذفنا أمواج الأزمات الهوجاء من كل حدب وصوب.
نفتقد بغياب حسن صعب، الرؤية الثاقبة واستقرار الأمور، ونفتقد في غيابه الجرأة في قول الحق، في وجه أي كان، والكلمة الطيبة.
في العام 1985 قال حسن صعب في إفتتاح المؤتمر الوطني الثالث عشر للإنماء ما يلي :
إن إنساننا يذوق مرارة الحياة منذ ثلاثة عشر عاماً. ولكنه يفتديها بحلاوة الإستشهاد في سبيل الحرية والكرامة يوماً بعد الأخر. وها هي روح الفداء في جنوبنا المقاوم تسري إلى شعبنا الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، لتعري إسرائيل من لباسها النووي، ولتجردها من استعلائها العسكري، ولتنذر العالم كله بأن حجارة الحق هي اقوى فعلاً من نوويات الباطل، ولتكشف وجه الإسرائيليين الحقيقي، بأنهم معلمو النازية في أوروبا لا ضحاياها، وبأنهم أبطالها الجدد في وطننا العربي لا الثائرون عليها، وبأن هذه الأمشاج من البشر التي صدورها إلينا رواداً لتحضيرنا كما زعموا، إن هم أدوات مشيئة لوقف تقدمنا إذا قدروا…
أيها الإخوان الأعزاء،
إنهم لن يستطيعوا وقف تقدمنا، وإن أشعلوا لنا الحروب يوماً في لبنان، ويوماً آخر بين الشقيقتين العراق وإيران، وأياماً أخرى ما بين أراضي وطننا العربي من الخليج الى المحيط. فوعي شعبنا كفيل بالانتصارعلى كل الحروب والفتن، مهما عملت استخباراتهم لتسعيرها. ولو تحولت حجارة المليون التي يرجم بها تمثال البغي الإسرائيلي حجارة المئة مليون، لانهار التمثال بين عشية وضحاها. إن أخوف ما نخاف الخوف. وأن أشد ما يمكن أن يحاربونا به هو اليأس من مستقبلنا. إننا نرفض الخوف واليأس. ونظل نزاوج في ندوتنا بين الفداء والإنماء. فالفداء تضحية بالنفس لاستبدال الإنسان المستذل بالإنسان المتحرر. والإنماء هو أيضا تضحية بالنفس لإستبدال الإنسان المتخلف بالإنسان المتقدم. فالفداء والإنماء توأمان متلازمان. ولذلك نصر على المضي في حمل رسالتنا العلمية الوطنية الإنسانية في الجبهة الإنمائية، بينما يحملها إخواننا المقاومون في جبهتهم الفدائية. وغاية الجبهتين واحدة. إنها إنبثاق إنسان الكرامة والحرية والتقدم. إن لبنان وفلسطين يحملان اليوم مشعل الفداء للإنسان. وأن لبنان وفلسطين، لا إسرائيل، هما اللذان يحملان مشاعل الحرية والكرامة والتقدم والحضارة للإنسان. إن الإسرائيليين هم رواد بربرة وطننا العربي. ولكن العرب هم رواد تحضير وطن الإنسان. ومهما ربح الإسرائيليون من جولات التبربر القديم والجديد، فإن النصر لن يكون إلا لجولة التحضر العربي الحق.
بمناسبة الذكرى ال 34 لرحيل، مؤسس وأمين عام ندوة الدراسات الإنمائية الدكتور حسن صعب الذي عرفه لبنان والوطن العربي شيخاً أزهرياً ومرشحاً مميزاً للندوة النيابية ووزيراً دائماً للإنماء من دون وزارة. راهن على الإنسان وسيلة وغاية. وعلى العقل تخطيطاً وتنظيماً لصناعة المستقبل.
أصدر المنسق الإعلامي “لمؤسسة حسن صعب للدراسات والأبحاث” الزميل محمد ع.درويش بياناً جاء فيه : عرف لبنان الدكتور حسن صعب شيخاً أزهرياً لبس العمامة. مؤسساً ورئيساً لجمعية الأخوة الإسلامية في كلية الأزهر في بيروت عام 1937، قبل أن ينتقل إلى الحياة المدنية ويخوض معركته دفاعاً عن فلسطين من خلال أمانة سر لجنة الدفاع عن فلسسطين لمحلتي الزيدانية والظريف في بيروت 1947/1948.
وعرفته المنابر الجامعية أستاذاً وزائراً في بيروت والدول العربية والولايات المتحدة. حاضر عن القضية الفلسطينية ودور لبنان في الشرق الأوسط وفي حركة التحرر العربي والتواصل بين المسيحية والإسلام وفي العلاقات العربية – الأميركية وفي المساهمة العربية في تقدم المعرفة الإنسانية.
مارس التدريس في الجامعة اللبنانية وتولى عمادة كلية الإعلام والتوثيق فيها وفي الجامعة الأميركية وجامعة الروح القدس – الكسليك وجامعة القديسس يوسف فتخرج على يديه الاف الطلاب في الحقوق والعلوم السياسية والإعلام.
في سيرة الفقيد أنه عين ملحقاً في مفوضبة لبنان في باريس العام 1945-1946. ثم نائباً لقنصل لبنان في اسطمبول لدائرتي الصحافة والشؤون الثقافية في الإدارة المركزية في وزارة الخارجية قائماً بالأعمال بالوكالة في واشنطن ومدير الشؤون السياسية بالوكالة في وزارة الخارجية.
شارك حسن صعب في بعثات عربية ودولية عدة فكان عضو بعثة لبنان في الجامعة العربية 1948-1949-1959. وعضو في الوفد اللبناني الى منظمة “الأونيسكو” 1954-1955. وعضو في الوفد اللبناني الى الجمعية العامة للأمم المتحدة 1955. مثل لبنان في مؤتمرات الدبلوماسيين في كلاريس، سويسرا 1957/1960 وفي المؤتمر الرابع للجمعية الدولية لعلم السياسة، روما 1958 وكان رئيس اللجنة الثقافية في مؤتمر رؤساء دول عدم الإنحياز – القاهرة 1964. وشارك في مؤتمرات وحلقات الحوار الإسلامي – المسيحي لمجلس إتحاد الكنائس المسيحية 1970 – 1976. وشارك في المؤتمر الدولي للدين في سبيل السلام في اليابان 1971.
كما شارك في مؤتمر البترول العربي الثامن لجامعة الدول العربية في الجزائر عام 1972. ورأس لجنة الحريات النقابية في منظمة العمل العربية في القاهرة 1975-1977، وكان عضوا في اللجنة الإستشارية للثقافة العربية لمنظمة الأونيسكو 1975 – 1980 ، ومستشاراً خاصاً لدى الدول والمنظمات العربية للسكرتير العام لمؤتمر الأمم المتحدة للعلم والتكنولوجيا للإنماء. وعضو المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الكسو” ونائب رئيس مؤتمرها العام 1985.
لم يترك صعب مناسبة عربية أو دولية علمية ودراسية إلا وشارك بها من خلال ندوة الدراسات الإنمائية التي أسسها عام 1964. راح الدكتور صعب يعقد المؤامرات الإنمائية التي حفلت بالمحاضرات لمشاركين لبنانيين وعرب لطرح الآراء حول إنماء الإنسان في مختلف المجالات.
ترشح الدكتور صعب الى الانتخابات النيابية عن دائرة بيروت الثالثة عام 1972.
وهو يحمل أوسمة وجوائز عدة منها ميدالية الإستحقاق اللبناني برتبة ضابط العام 1958. وجائزة العلوم الإجتماعية لجمعية أصدقاء الكتاب في لبنان عام 1967.
وجائزة أعلام الفكر للجمعية الثقافية لإنطلياس 1989 ووسام الأرز الوطني برنبة ضابط للخدمات في الإنماء.
للدكتور حسن صعب مؤلفات وترجمات عديدة ابرزها بالعربية “الأونيسكو”، “علم السياسة”، “الوعي العقائدي”، “تحديث العقل العربي”، “نظرة جديدة إلى الإتحاد العربي”، الإنسان العربي وتحدي الثورة العلمية التكنولوجية”، الإسلام تجاه تحديات الحياة العصرية”، “إسلام الحرية لا إسلام العبودية”، “العرب يبدعون مستقبلهم”، “لبنان العقل لا لبنان العنف”، “شخصيات عرفتها وأحببتها”، “إعجاز التواصل الحضاري الإعلامي اللحظوي”، “الدبلوماسي العربي ممثل دولة أو حامل رسالة”.
ومن مؤلفاته بالإنكليزية : “الفدراليون العرب في السلطة العثمانية”، “الصهيونية والعنصرية”.
كما أشرف على إصدار وشارك في تأليف العديد من الكتب الصادرة عن ندوة الدراسات الإنمائية من سنة 1964 حتى سنة 1990، وقف حسن صعب على رأس ندوة الدراسات التي إرتبطت كافة نشاطاتها بشخصه وجهده ودأبه على إطلاق عملية التنمية في لبنان وجعلها قضية تعني كل المواطنين من دون استثناء.
لحسن صعب إضافة إلى مواقفه الإنمائية مواقف في السياسة والتربية والإجتماع ومئات الدراسات والمقالات المثبته في قراريس الجامعة وصفحات الجرائد والمجلات.
وفي مواقف الدكتور صعب إيمانه بتحول لبنان من حالة الحرب الى حالة السلم تحولاً غير عشوائي، بل تطور عقلاني من التخلف الى التقدم. ومن الغابة إلى الحضارة. فالسلام غاية في ذاته لأن من قتل نفساً واحدة كأنما قتل الناس جميعاً، لكن ديمومة السلام مرهونة بالتقدم العلمي.
في العام 1985 قال حسن صعب في إفتتاح المؤتمر الوطني الثالث عشر للإنماء :
التطوير الإنمائي يستلزم سيادة العقل في لبنان، سيادة العقل في الدين لأن الدين بعقل حرية. لكن الدين بلا عقل عصبية وسيادة العقل في السياسية. لأن السياسة بلا عقل أحقاد وأهواء والسياسة بعقل هي صناعة الحضارة وسيادة العقل في علاقة المواطن بأخيه المواطن لأن هذه العلاقة بلا عقل هي فريسة رواسب الماضي. وهذه العلاقة بعقل هي رائدة رؤية المستقبل.
ديموقراطيتنا حتى العام 1975 يقول الدكتور حسن صعب ديموقراطية استهلاكية اكثر مما كانت انتاجية. كان استهلاكنا يعتمد على الخدمات التي نقدمها لإنتاج الغير لا لإنتاجنا الذاتي. كنا نفاخر بأننا الدولة الوحيدة في العالم الثالث التي يفوق مردود قطاع الخدمات مردود القطاعين الزراعي والصناعي، وهذا صحيح، لكن الأصح هو أن إعتماد خدماتنا على الغير، عرضنا للكارثة، حينما اخلت الحرب بتواصلنا وتبادلنا مع الغير. لذلك فإننا نتطلع مع توطيد الامن والسلام في كل وطننا الى انبثاق الديموقراطية الابداعية التي تعبيء كل امكاناتنا لإنماء طاقاتنا الذاتية تعبئة إنمائية شاملة قوامها الإنسان وسيلة وغاية.الإنسان رأسمالنا الأول فردياً وجماعياً.
ورهان الدكتور حسن صعب هو على اللبناني المستأسد في أرضه ، والملازم لمدرسته، والمتعهد لمزرعته، والمتفوق في مصنعه، والمتفنن في مصرفه، والمنتظم في متجره، والمستبحث في مختبره، والمبدع في محترفه، والمتولع بإدراته، والمستبسل في مقاومته. هذا اللبناني المصابر في وطنه هو رأسمالنا الإنساني الصامد متكاملاً مع رأسمالنا النازح.
وحديث الدكتور حسن صعب عن لبنان السلم يرافقه دائما ذلك الحلم ، بأن يكون اللبناني رائد الحضارة لا وحش الغابة. اننا نعقد آمالنا على الذين فقدوا الأمل لأن هؤلاء يرفضون ان نعود للواقع الذي عرضنا لليأس. لكنهم يتطلعون لواقع جديد يكون فجراً لأمل جديد.
واردف درويش ببيانه قول للدكتور حسن صعب : “إن هذا التطور هو مطمحنا جميعاً. وقد نكون في مستهله، ونحن نترقب إنجاز الإستحقاق الدستوري الرئاسي، الذي لا نريده متحولاً من حاكم لحاكم، بل مفترقاً من عهد الغابة لعهد الحضارة، ومن درب التخلف لدرب التقدم، ومن نموذج التفتت الذي أصبحنا علماً عليه في العالم، لنموذج جديد للتوحيد في التنويع، ولديموقراطية الحرية والنظام، والإبداع والأصالة، والقيم العلوية، للأخوة والمحبة، والعدل والمساواة، التي تعبر عن روح مسيحيتنا وإسلامنا، والتي يتوجها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
إنماؤنا المنشود هو إنماء الإنسان، كل إنسان وكل الإنسان. ولا تستقيم ديموقراطيتنا إلا في ظل هذا الإنماء الإنساني. ولذلك نصر على ان يكون لتطورنا من الحرب للسلم مضمونه الإنمائي أي معناه الإنساني.”
وختم درويش قائلاً : يختلج القلب الحزن على رحيل معلمي الدكتور حسن صعب، وخصوصاً في هذا الوقت العصيب الذي يمر به الوطن عموماً وفلسطين وجنوب لبنان خصوصاً. فالراحل بصماته وأعماله لا تعد ولا تحصى.
اقترح على محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود ورئيس المجلس البلدي عبد الله درويش والأعضاء الكرام بتسمية شارعاً يليق برجل العلم والفكر والإنماء المرحوم الدكتور حسن صعب عربون محبة ووفاء لسيرته العطرة وتخليداً لذكراه الطيبة.