عندما تصل طائرة اميركية خاصة الى مطار رفيق الحريري الدولي، لتقل المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم من بيروت الى واشنطن، فان المهمة على قدر عال من الاهمية، وهي مهمة استثنائية بامتياز من ضمن المسار الاساسي الذي اختطه في عمله الامني، واضعا نهجا جديدا لمقاربة كل الملفات المطروحة تحت عنوان “انسنة الامن”.
ليست المرة الاولى يزور فيها اللواء عباس ابراهيم الولايات المتحدة الاميركية بدعوة من البيت الابيض وبطائرة خاصة مرسلة لنقله الى واشنطن. ففي الحقيقة هي المرة الثانية في اقل من عامين، كما دول غربية واقليمية وعربية، بهدف له ابعاد سامية تتصل بتحرير اسرى واماطة اللثام عن مصير مفقودين. الا ان زيارته الاخيرة الى واشنطن فسّرت في اكثر من اتجاه، كونها جاءت في خضم تطورات متلاحقة داخليا وخارجيا، وهي جاءت بعد اتمام الاستحقاق الانتخابي النيابي، والذي تمكنت الاجهزة العسكرية والامنية من تأمين سلامته من دون حوادث تذكر. لذلك كثرت التحليلات والتفسيرات لطبيعة ما سيبحثه “الديبلوماسي الامني” اللواء عباس ابراهيم. بعضها اصاب وبعضها اخفق، والبعض الاخر تعمّد التجني. الا ان الوقائع والنتائج هي الجواب على كل ما طرح من علامات استفهام تتصل بطبيعة الزيارة. وتصف الصحافة الاميركية اللواء ابراهيم على انه يقود اقوى جهاز أمني في لبنان بعد الجيش، ويتمتع بسمعة طيبة كمفاوض ماهر ساعد على تأمين الافراج عن المقيمين والمواطنين الاميركيين مثل سام غودوين السائح الذي كان محتجزا في سوريا، ونزار زكا وهو رجل اعمال لبناني حاصل على اقامة دائمة في الولايات المتحدة خلي سبيله من ايران عام 2019.كما نجح في التوسط في الافراج عن السائح الكندي كريستيان لي باكستر في عام 2019 بعدما احتجزته السلطات السورية في كانون الاول 2018 في اثناء اجازته.
“الامن العام” استطلعت من اللواء ابراهيم طبيعة واهداف الزيارة والنتائج المحققة.
*ما الهدف الاساسي لزيارتكم الى الولايات المتحدة الاميركية؟
– بناء لدعوة تقليتها من السلطات الاميركية، وتحديدا من مستشارية الامن القومي، وانطلاقا من موقعي كمدير عام للامن العام اللبناني، اجريت محادثات مع كبار المسؤولين الاميركيين في واشنطن، وتم البحث في استئناف المفاوضات مع الشقيقة سوريا في شأن معرفة مصيرالمفقودين الاميركيين، بمن فيهم اوستن تايس،حيث التقيت كبار مسؤولي البيت الابيض ووزارة الخارجية والمخابرات، وهي الزيارة الاولى لي منذ ان تولى الرئيس جو بايدن منصبه في كانون الثاني 2021.ان المسؤولين الاميركيين يريدون مني استئناف جهودي لحل هذه المشكلة، ويريدون عودة ناسهم، هذا ما يهدفون اليه.
*ما ابرز اللقاءات التي عقدتموها في واشنطن؟
– التقيت في خلال زيارتي منسق الشرق الاوسط وافريقيا في البيت الابيض وكبار المسؤولين في وزارة الخارجية والامن والاستخبارات. كما استضافتني منظمة
Hostage Aid Worldwide، وهي منظمة تعنىبالبحث عن مصيرالمفقودين الاميركيين.
*ما اهم المواضيع التي بحثتمونها مع المسؤولين الاميركيين الذين عقدتم معهم لقاءات متتالية؟
– اطلاق سراح تايس، الصحافي المستقل والسابق في مشاة البحرية الذي فقد في اثناء تغطيته الحرب في سوريا في عام 2012 ، كان على رأس المواضيع التي بحثت في خلال المحادثات.ناقشنا ملفه وباقي المفقودين في سوريا، وتم الاتفاق على انه يجب احراز تقدّم، لكن علينا ان نرى اولا كيف يمكننا سد الفجوة، وكيفية تقريب وجهات النظر بين واشنطن ودمشق.
*ما هو التقدم الذي حققتموه في زيارتكم الى واشنطن على هذاالصعيد؟
– ابرز ما تم تحقيقه هو ان هناك احتمالا قويا بأن تبدأ المفاوضات من حيث توقفت في نهاية ولاية الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب في تشرين الثاني 2020. بعدما كنا قد اقتربنا كثيرا خلال عهد الرئيس ترامب من اطلاق عملية التفاوض، والوصول الى نتائج حاسمة حول مصير المفقودين. يومها شملت تلك المحادثات في شأن إطلاق تايس مطالب من الحكومة السورية، تتصل بانسحاب القوات الاميركية من الرقة واستئناف العلاقات الديبلوماسية الاميركية مع سوريا ورفع بعض العقوبات،ونحن نعمل على ان تستأنف المفاوضات من حيث انتهت.
*هل حملتم تطمينات الى عائلة تايس؟
– التقيت مع والدة تايس ثلاث مراتفي خلال زيارتي التي استمرت ثلاثة ايام، ولكن لم تقدم سوريا الى الان اجابات واضحة حول صحة ابنها او ظروف احتجازه.الجميع يريد اغلاق هذا الملف، والكل تواقون الى تحقيق ذلك. اما بخصوص والدة تايس، فقد وعدتها بأنني لن ادخر جهدا حتى كشف مصير ابنها وانهاء هذا الملف.
*هل يعني ذلك ان تايس ليس على قيد الحياة؟
– لسنا متأكدين من ان اوستن تايس على قيد الحياة، ولا احد متأكدا من ذلك، ولا يمكنني التأكد في ظل عدم وجود تأكيد من سوريا بأنه لا يزال على قيد الحياة، وسأقوم بزيارة سوريا بعد هذه الزيارة لكي ابحث مع القيادة السورية في نتائج زيارتي الى واشنطن وامكان تحقيق تقدم حاسم في كشف مصير تايس.
*هي ليست المهمة الشاقة الاولى التي تخوضونها، هل تتوقعون نتيجة ايجابية؟
– في خلال الحرب السورية، توسطت من موقعي كمدير عام للامن العام في عمليتي تحرير رهائن رئيسيتين من سوريا.عام 2013 قمت بتأمين إطلاق مجموعة من الحجاج اللبنانيين الذين احتجزوا لدى مجموعات المعارضة المتمردين بالقرب من الحدود التركية ، وفي عام 2014 توسطت في إطلاق مجموعة من الراهبات الارثوذكس اللواتي اختطفهن تنظيم “النصرة” الارهابي في سوريا من ديرهم في معلولا. الان ينصب العمل على كشف مصير تايس وباقي المفقودين.وما يشجع هو الاهتمام الخاص من الرئيس الاميركي جو بايدن بقضية تايس، وما لمسته ايضا في واشنطن من رغبة في الحوار يجعلني متفائلابإنهاء هذا الملف.
*هل تطرقتم الى الشأن اللبناني في خلال زيارتكم واشنطن؟
– هناك قلق كبير في ما يتعلق بالشأن الداخلي اللبناني، وهذا القلق يتركّزبشكل اساسي على مخاطر الانهيار الاجتماعي بسبب الانهيار الاقتصادي والنقدي الذي يضرب لبنان، ونحن قلقون من عدم الاستقرار الاجتماعي في لبنان اكثر من عدم الاستقرار السياسي. فالشعب له الحق في الاعتراض ورفع الصوت على انهيار الليرة اللبنانية، لكننا لا نريد ان يتحول الامر الى فوضى، ونحن نعمل بجهد استثنائي لمنع دخول البلاد في فوضى مجتمعية.
*كيف تقرأون نتائج الانتخابات النيابية وما افرزته من توازنات جديدة؟
– فياعقاب الانتخابات التي جرت في 15 ايار الماضي، ازداد خطر الشلل السياسي، وهذه النتائج التي اسفرت عنها الانتخابات يمكن أن تُحدث كارثة، لأن لدينا تكتلات سياسية كبيرة مع اتساع الفجوة بينها في مختلف القضايا، ولا توجد اغلبية لاقرار القوانين.
*ماذا عن ترسيم الحدود البحرية الجنوبية وهل سمعتم شيئا ما في واشنطن؟
– في شأن موضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الاسرائيلي، والذي يحاول الموفد الاميركي عاموس هوكستين التوسّط في شأنها، فان الولايات المتحدة تنتظر رد لبنان على المقترح الاميركي الذي قدمه هوكستين. قدم لنا عاموس هوكستين اقتراحا مكتوبا وعلينا ان نرد.
*ما هو الموقف الاميركي من عملية ترسيم الحدود البحرية، بمعنى اوضح هل يستعجلون الوصول الى اتفاق؟
– الجانب الاميركي هو الوسيط الاساسي في عملية التفاوض في شأن ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وهو حريص على نجاحها في انهاء هذا الملف. وكلما كان الحل اسرع، اصبحت نسبة ظروف النجاح اكبر. الجانب الاميركي متحمس لانهاء هذا الملف وطي صفحة يمكن ان تؤدي الى انفجار الوضع مع العدو الاسرائيلي.
*هل في اعتقادكم ان الرد اللبناني سيفتح الباب امام عودة التفاوض ايا كان مضمون هذا الرد؟
– طبعا. لم يزل الجانب الاميركي ينتظر الرد من السلطات اللبنانيةعلى ما اودعه الوسيط الاميركي آموس هوكستاين السلطات اللبنانية في زيارته الاخيرة الى بيروت. من المؤكد ان هذا الرد سيفتح باب النقاش والتفاوض مجددا بين الاطراف المعنيين، ودائما تحت رعاية الامم المتحدة وبوساطةاميركية.
*ماذا تتوقعون اذا اصر العدو الاسرائيلي على الاستخراج من حقل كاريش؟
– يعتبر لبنان في المبدأ ان خط 29 هو خط التفاوض. وكل ما هو داخل الخط 29 يصبح مناطق متنازع عليها، ولا يحق للعدو استخراج النفط او التصرف بأي شيء شمال هذا الخط. وبالتالي سيصبح المساس بالثروة النفطية اللبنانية او غيرها، بمثابة تعد على السيادة اللبنانية وحقوق لبنان. طالما ان الحدود البحرية لم تُرسّم بعد، سيكون للبنان رد كما لو ان لبنان قد تعرض الى اعتداء على سيادته وحقوقه.
*ماذا عن التطورات الاقليمية وخاصة ما يتصل منها بالتصعيد بين ايران واسرائيل، ما انعكاسات ذلك على لبنان لجهة امكان تدخل حزب الله؟
– ايران والعدو الاسرائيلي تخوضان حربا استخباراتية مفتوحة، في ضوء اغتيال العقيد في الحرس الثوري الإسلامي في طهران اخيرا، وعقب الضربة الايرانية على منشأة تستخدمها اسرائيل في اربيل شمال العراق في اذار الماضي. انا استبعد انتنجر المقاومة الى هذه المواجهة، وليست لدينا مخاوف في هذه المرحلة من ان المقاومة سيرد من لبنان على العملية التي حدثت في ايران.