بين الشروط والشروط المضادة، والعقبات المعروفة وتلك الخفية، يمكن الجزم أن التشكيلات الديبلوماسية «طارت» وصارت «نفسا بالسما». أسباب كثيرة وتعقيدات كان آخرها مطالبة رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط بزيادة سفارة الأردن المحسوبة على الحصة المسيحية من ضمن حصته… ومن دون أن يقدم تنازلاً بالمقابل. وزير الخارجية عبدالله بو حبيب الذي تبلغ بالموضوع من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي زار جنبلاط أمس الأول مستفسراً لكنّ الأخير أصرّ على طلبه رافضاً تقديم المقابل فيما رفض الآخرون التنازل عن حصصهم لإرضائه.
الكل يريد التشكيلات في العلن بينما البعض يضع العصي في طريق إقرارها بالسرّ من خلال شروط تعجيزية تفرض في اللحظة الأخيرة. كلّما حُلّت عقدة كانت تظهر عقدة مقابلها أكثر تعقيداً لتكون النتيجة أن لا تشكيلات قبل الانتخابات على ما يبدو.
منذ تسلّم بو حبيب حقيبته باشر جولاته المكوكية على المسؤولين. وكلّما تسلّم أحدهم صيغة وعده بالردّ عليها لاحقاً. أسابيع تلتها أسابيع ووعود تليها أخرى، دون جدوى، ما شجع السفراء على التحرك فاستقبلهم رئيس الحكومة أمس الأول وكرّر وعده بالحلّ، ولكن على الوعد يا كمون. مسلسل العقد لا يزال مستمراً منذ أيلول الماضي حيث كانت المرة الأولى التي أعيد فيها طرح الموضوع في حكومة ميقاتي.
انطلقت الفكرة بتشكيلات محدودة لا تتجاوز عدد أصابع اليد ثم صار الخلاف الشهير الذي عطل جلسات الحكومة. وحين عادت الحكومة للاجتماع طرح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن تكون التشكيلات موسعة وليشكل كل الموجودين في الإدارة لأن حقهم بالتشكيل يكفله القانون. ثم اختصر إلى اقتراح بتشكيل عدد من الإدارة المحلية ويعود مقابله العدد ذاته من الديبلوماسيين إلى لبنان.
ومن ضمن الأفكار التي طرحت كشروط هي المقايضة والمبادلة: واشنطن مقابل نيويورك، وبرلين مقابل مدريد، وتمّت الموافقة التي جاءت مفاجئة لصاحب الاقتراح الذي تراجع عن فكرته، إلى أن قالها رئيس الحكومة للوزير بو حبيب صراحة «ليس قبل الانتخابات كي لا يساء تفسير طرحها» واعداً بعرضها على جلسة حكومية بعد الانتخابات مباشرة وقبيل استقالة الحكومة، علماً أن كل الأسماء المطروحة هي من داخل السلك الديبلوماسي باستثناء اسم واحد متفق عليه بين رئيسي الجمهورية والحكومة معاً. ومثل هذه الأسماء سواء صارت التشكيلات اليوم أو أرجئت ستبقى هي نفسها المؤهلة للتشكيل ولو بعد حين وهذا ما قاله الديبلوماسيون للرئيس ميقاتي في خلال اجتماعه معهم.
حجة إضافية طرحت من خارج السياق بهدف التعطيل وهي كلفة التشكيلات فيما الدولة عاجزة عن تغطية المبالغ المطلوبة والتي تراها مصادر ديبلوماسية غير واقعية لأن عدد الديبلوماسيين الذي سيعود إلى لبنان يفوق عدد الديبلوماسيين المشكلين في الخارج ما يعني توفير مبلغ يتراوح بين 3 و4 ملايين دولار سنوياً على الخزينة.
صيغة تليها صيغة وكل مسودة يتسلّمها المسؤولون يستمهلون للرد عليها، تليها أخرى معدلة. محاولات بذلت في سبيل تأمين التوافق السياسي المطلوب بين كل الأطراف إلى أن وصلت المفاوضات إلى صيغة شبه نهائية، لكن كانت المفاجأة برغبة فريق سياسي مدّ اليد إلى حصة طوائف أخرى بينما يرفض المسّ بحصته من قبل أي طرف.
والمتعارف عليه أن توزيع السفارات في الخارج يعتمد التوزيع الطائفي التالي: 14 سفارة في أوروبا للمسلمين مقابل 13 سفارة للمسيحيين، وفي الدول العربية هناك 12 سفارة للمسلمين مقابل 7 للمسيحيين، في آسيا وأستراليا 6 للمسلمين و5 للمسيحيين. لتكون النتيجة اأن حصة المسلمين تزيد على حصة المسيحيين في حين أن العكس هو الحاصل في سفارات أفريقيا وأميركا الشمالية والجنوبية ما يحدث توازناً طائفياً بين المسلمين والمسيحيين. في أفريقيا 4 سفارات للمسلمين مقابل 8 للمسيحيين وفي أميركا الجنوبية 4 للمسلمين مقابل 8 للمسيحيين وفي اميركا الشمالية 3 للمسلمين مقابل 4 للمسيحيين.
وبذلك تكون كل الحجج والذرائع المقدمة بهدف المماطلة في كفة، والشرط الأخير في كفة مقابلة حيث تبلغ وزير الخارجية من رئيس الحكومة أن رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط يطالب بزيادة حصة الدروز في التشكيلات والموزعة بين موسكو والهند وصوفيا وتشيلي واليمن، (ومن ضمن الحصة المسيحية القائم بالأعمال في سيراليون مؤقتاً لعدم وجود سفير)، وهذا إن حصل فسيكون على حساب بقية الطوائف.
منطقياً كان يفترض في حال مجاراته أن تتم الزيادة من ضمن حصة الإسلام لكن ما يريده جنبلاط تحديداً هو سفارة الأردن المحسوبة على المسيحيين بينما لا يريد التنازل عن سفارة من حصته بالمقابل.
وبذلك تكون التشكيلات أمام عقبة إضافية خاصة أن الجواب وإن كان ايجابياً جاء بصيغة الاستفسار عن المركز الذي سيعوض من خلاله على المسيحيين بالمقابل. لكن لا جواب حتى الساعة.
وبذلك تكون الأسباب التي تؤخر التشكيلات منذ انطلاق البحث بالملف هي التالية:
– شرط تشكيلات جزئية وليس كاملة.
– تشكيلات كاملة.
– مقايضة في بعض المراكز الديبلوماسية.
– عدم وجود أموال تغطي كلفة التشكيلات.
– تجنب لربط إقرارها بالانتخابات النيابية.
– مطالبة جنبلاط بزيادة حصة الدروز.
أما الأسباب التي لا يجاهر بها أي فريق ويعمل عليها ضمناً فهي أيضاً كثيرة من بينها:
– رفض بعض السفراء العودة للالتحاق بالإدارة المركزية في لبنان.
– رفض إجراء تشكيلات مع نهاية العهد علماً أن المخالفة القانونية موجودة بسبب تجاوز أكثر من عشرة سفراء سنوات خدمتهم في الخارج المنصوص عليها في القانون ويستمرون في مقارهم من دون مرسوم تمديد لمهامهم.
وبينما يعتبر البعض أن هذه التشكيلات إن أقرّت فستكون هدية لفريق سياسي بعينه فإن مثل هذا الأمر غير واقعي لأن إرجاء التشكيلات يعني أن البتّ بالملف لن يكون قبل العام 2023 بالنظر إلى صعوبة تشكيل حكومة جديدة خلال فترة وجيزة بعد استقالة الحكومة الحالية بعد الانتخابات مباشرة، ولأن الفترة الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية قد لا تكون مؤاتية.
على امتداد كل تلك المدة تكون تغيرات كثيرة طرأت كأن تبلغ سفيرة لبنان في نيويورك امال مدللي السن القانونية وسيحل محلّها حكماً القائم بالأعمال جان مراد المقرب من التيار الوطني الحر. يعني هذا أن عدم إقرار التشكيلات سيكون لصالح الحصة المسيحية، وإلى حينه أيضاً يكون السفير في برلين مصطفى أديب قد أتم السنوات العشر لإقامته في الخارج بما لا يسمح له قانوناً بالانتقال إلى نيويورك ويجب أن يعود إلى بيروت حكماً.
بكل تلك الأسباب مجتمعة يكون قد اكتمل مسار التعطيل لملف التشكيلات وظهرت حقيقة النوايا المبيتة للمسؤولين ممن يخترعون الحجج للمماطلة في إقرارها لغاية ما في نفس يعقوب.