
almontasher :عاد ترامب إلى البيت الأبيض متعهدا بخفض الأسعار، وتوفير فرص عمل أفضل، وتحول اقتصادي من شأنه أن يؤسس لعصر ذهبي جديد في الولايات المتحدة. غير أن تقرير الأداء الاقتصادي للربع الأول يكشف عن تقييم اقتصادي مغاير لذلك ومضطرب إلى حد كبير. فقد أظهرت بيانات الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، التي تم إصدارها مؤخرا، أول انكماش اقتصادي منذ ثلاث سنوات، الأمر الذي يثير شكوكا جدية بشأن المسار الاقتصادي الذي ينتهجه ترامب، نتيجة للاضطرابات التجارية وتراجع إنفاق المستهلكين.
تنصّل ترامب سريعا من هذه المؤشرات الاقتصادية السلبية، مشيرا عبر منصته للتواصل الاجتماعي «تروث سوشيال» إلى أن هذه الأرقام السلبية ناتجة عن مشاكل موروثة من إدارة بايدن. وفي المقابل، يواصل البيت الأبيض تأكيده على أن الاقتصاد الأميركي في طريقه إلى التعافي، داعيا المواطنين إلى التحلي بالصبر. وتُسهم الرسائل المتناقضة الصادرة عن إدارة ترامب، بين التفاخر ببيانات التوظيف الإيجابية والتملّص من المسؤولية عن التراجع الاقتصادي، في خلق حالة من الغموض وعدم الاستقرار لدى الاقتصاديين وقطاع الأعمال.
تُعد السياسات الجمركية العدائية التي تبنّاها الرئيس ترامب من أبرز العوامل التي ساهمت في إحداث اضطرابات اقتصادية واسعة النطاق. فقد أدى فرض رسم جمركي بنسبة 10 % على معظم الواردات من مختلف أنحاء العالم، إلى جانب ضريبة بنسبة 145 % على المنتجات الصينية، إلى زعزعة استقرار بيئة الأعمال بشكل ملحوظ. جاءت هذه الخطوة كمحاولة لإضعاف الصين والسعي نحو إرساء ترتيبات تجارية أكثر «عدالة»، غير أن نتائجها جاءت عكسية. إذ لم تُظهر الصين أي ارتباك يُذكر، بل واصلت الحفاظ على موقعها كواحدة من أكثر الاقتصادات تكاملا في العالم، مستعرضة قدرتها على التكيف والمناورة بثقة الدولة التي تدرك جيدا حجم نفوذها الاقتصادي.
ومع تصاعد الضغوط من قبل الشركات الأميركية والناخبين، يسعى ترامب حاليا إلى إعادة التفاوض مع الصين، على أمل أن تغيّر موقفها. في المقابل، تبدو بكين وكأنها تتبنى استراتيجية بعيدة المدى، من خلال دراسة خياراتها بعناية، وإظهار قدرتها على مواجهة السياسات الأميركية دون اضطراب. وتعكس الطبيعة المتشابكة للاقتصاد العالمي أن عزل الصين قد يؤدي إلى عزلة أميركية متزايدة. فارتفاع التكاليف، واضطراب سلاسل الإمداد، وتراجع ثقة المستثمرين تُشكل تهديدات حقيقية لنمو الاقتصادالأمريكي. وإذا استمر ترامب في حساباته الخاطئة، فقد ينتهي «العصر الذهبي» الذي وعد به لا بانتصار اقتصادي، بل بتراجع استراتيجي محبط.
تُشير الإدارة الأميركية إلى أن الإجراءات التجارية التي تفرضها تهدف إلى إنعاش الصناعة المحلية، غير أن العديد من المحللين يحذرون من التداعيات المحتملة لهذه السياسات، لا سيما فيما يتعلق بارتفاع الأسعار وتزايد حالة عدم الاستقرار في بيئة الأعمال، والتي قد تترك آثارا مستدامة على المدى البعيد. وقد برز في هذا السياق مصطلح «الغموض الاستراتيجي» داخل وزارة الخزانة في إدارة ترامب، في إشارة إلى أن عنصر المفاجأة وعدم التنبؤ يُعد جزءا من منهج تفاوضي محسوب، لا مجرد خلل في التخطيط. ومع ذلك، بدأت تظهر علامات القلق في أوساط القاعدة الانتخابية لترامب، ولا سيما بين الناخبين الريفيين وذوي الدخول المنخفضة الذين لعبوا دورا حاسما في فوزه بالانتخابات الأخيرة. فقد كشف استطلاع للرأي أُجري مؤخرا أن ما يقرب من نصف الناخبين في المناطق الريفية، و57 % ممن لا تتجاوز دخولهم 50,000 دولار سنويا، يعربون عن عدم رضاهم إزاء إدارته للشأن الاقتصادي.
في محاولة لتقليص حجم الآثار السلبية المحتملة، أشار ترامب مؤخرا إلى أن الأميركيين قد يحتاجون إلى إعادة تقييم توقعاتهم. ورغم الانتكاسات الأولية التي واجهها، يظل ترامب متمسكا برؤيته لإحياء الاقتصاد الأميركي. ومع ذلك، يبقى السؤال حول ما إذا كانت الرسوم الجمركية التي فرضها ستساهم فعلا في تعزيزالازدهار الاقتصادي أم أنها ستؤدي، بشكل غير متعمد، إلى دفع الاقتصاد نحو الركود. وفي الوقت الحالي، يواجه كل من الشركات والمســـتهلكين وصناع السياسات بيئة اقتصــــادية مشـــوبة بالغموض وعدم اليقين.