رسالة موجهة إلى:
المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، المدير التنفيذي لمجموعة الدول العربية بما فيها لبنان، محمود محيي الدين
كريستالينا غورغييفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي
مدير الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، جهاد أزعور
مدير إدارة التواصل في صندوق النقد الدولي، جيرارد رايس
تحية طيبة وبعد،
نيابةً عن نقابة المهندسين في بيروت، أكتب إليكم للتعبير عن مخاوفنا بشأن الآثار الخطيرة للسياسات الماليّة والنقديّة التي تنتهجها حكومة لبنان، ومصرف لبنان، وجمعيّة مصارف لبنان بحجّة التعاون مع مؤسّستكم الموقّرة. كما إنّنا نشعر بالقلق إزاء التغاضي عن آراء شرائح رئيسيّة في المجتمع اللبناني، مثل نقابات المهن الحرة والاتحادات العمّاليّة والجهات الفاعلة غير الحكوميّة، والتي يمكن أن يتم إستبعادها من قبل صندوق النقد الدولي عن المشاركة في المحادثات أو المفاوضات مع السلطة في لبنان، خصوصًا في هذه الفترة الحرجة التي نعاني فيها من الانهيار الاقتصاديّ والاجتماعيّ.
تضمّ نقابة المهندسين في بيروت أكثر من اثنين وستّين ألف مهندسة ومهندس من مختلف الاختصاصات ومن جميع أنحاء لبنان. ويُعد نظام التأمين الصحّي في النقابة، والذي يغطّي أكثر من مئة ألف مشترك، واحدًا من أكبر برامج التأمين في البلاد، ويدعم صندوق التقاعد لدينا أكثر من ثلاثة آلاف وأربعمائة أسرة، ويعتمد تمويل هذه البرامج واستدامتها على قدرة النقابة على الوصول إلى ودائعها المحتجزة بشكل غير قانوني داخل القطاع المصرفيّ اللبنانيّ، كما يتأثر في التغييرات في السياسات الاقتصاديّة الحاليّة التي تعرّض حياة جميع الأعضاء والمستفيدين للخطر وتهدّد صحّتهم.
منذ بداية الأزمة الماليّة، لم تتوقّف نقابة المهندسين عن الدعوة إلى تبنّي خطّة وطنيّة للإنقاذ الماليّ ترتكز على أسس الشمولية والشفافية والعدالة. وكما هو الحال اليوم، ترى النقابة أنّ المفاوضات والمباحثات الجارية بين صندوق النقد الدولي وبين الحكومة اللبنانية والمصرف المركزي لا تلتزم بهذه الأسس. كما أنّها تتعارض مع مبادئ إطار تعزيز المشاركة في قضايا الحوكمة الذي اعتمده المجلس التنفيذيّ للصندوق. لذا، فإنّ غياب مبدأ الشمولية سيعوق بصورة خطيرة التنفيذ المستقبلي لخطّة الإنقاذ المالي الوطنيّة.
ولتجنّب هذه النتائج الكارثية، عملت وتعمل نقابة المهندسين مع نقابات المهن الحرة والنقابات والاتحادات العمّاليّة ورابطة المودعين، فضلًا عن المجموعات المستقلّة الأخرى على تشكيل قوة تمثيلية. ونحن، في هذا الصدد، واثقون من أنّ هذه الرسالة ستشجّع صندوق النقد الدولي على رسم مسار عمل جديد والنظر في توصياتنا عند صياغة خطة الإنقاذ المالي الوطنية بما أنّنا نمثّل مئات الآلاف من العائلات، ونعدّ واحدة من كبرى مجموعات المودعين في القطاع المصرفيّ.
التوزيع العادل للمسؤوليات والخسائر
تستمرّ حكومة لبنان ومعها المصرف المركزي بتعطيل تنفيذ خطّة اقتصاديّة وماليّة شفّافة يمكن أن تحمي صغار المودعين وصناديق التقاعد والاقتصاد عمومًا، بل ينتهجان سويًّا سياسات تضخّميّة لتصفية مدّخرات اللبنانيّين بشكل غير قانونيّ، وقد فشلا في وضع قانون لضوابط مؤقتة واستثنائية على التحويلات والسحوبات المصرفية (كابيتال كونترول) منذ بداية الأزمة، سامحين للمودعين المرتبطين بهم بتهريب أموالهم إلى خارج البلاد، ومحافظين على سياسة أسعار صرف متعدّدة تدّمر النظم الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
ترى النقابة أن أي خطّة إنقاذ مالي وطنيّة ينبغي أن تراعي توزيع الخسائر بشكل عادل، ومحاسبة الأشخاص والكيانات المسؤولة عن واحدٍ من أكبر الانهيارات الاقتصاديّة في التاريخ الحديث، وفي الوقت ذاته، ينبغي أن تتضمّن إعادة هيكلة الدين العام والقطاع المصرفيّ. ومن هذا المنطلق، فإننا نشدّد على أنّ أيّ خطّة إنقاذ مالي وطنيّة ينبغي أن تشتمل على ستّة أركان، وهي:
-
العدالة في توزيع الخسائر: توزيع خسائر الأزمة المصرفيّة بحسب الترتيب التالي: أوّلًا، على رأس مال البنوك، ثمّ على الأسهم الممتازة، وأخيرًا على كبار المودعين. ونشير أيضًا إلى ضرورة حماية صغار المودعين والمعاشات التقاعديّة وصناديق التأمين الصحّيّ من أي عمليّات تصفية (هيركات( أو تحميلها تكلفة الإنقاذ الداخليّ (Bail-in).
-
إعادة هيكلة الدين العام: يوفّر شطب غالبيّة ديون الدولة الحيّز الماليّ اللازم للحفاظ على الخدمات الأساسيّة وإعادة تنشيط الاقتصاد.
-
الشمولية: اعتماد إطار شامل لاستقرار الاقتصاد الكلّيّ لا يتّبع التعاميم الماليّة المشوّهة وغير المنتجة لمصرف لبنان، ويدعم البرامج الداعمة للنموّ.
-
الشفافية: إجراء تدقيق جنائيّ ماليّ للقطاع المصرفي وكذلك لمصرف لبنان، تكون نتائجه في متناول الجمهور وخاضعة لمراجعة وسائل الإعلام والرأي العام، ما يبعث على الاعتقاد ببدء عمليّة شفّافة.
-
المساءلة: محاسبة الشخصيّات البارزة سياسيًّا، والموظّفين العموميّين، والتنفيذيّين في القطاع المصرفيّ، بالإضافة إلى النخب الماليّة عن مسؤوليّاتهم العامّة تجاه الأزمة المالية ولاشتراكهم في فرض ضوابط غير قانونيّة على رأس المال، وتهريب ودائعهم إلى الخارج.
-
أرضيّة الحماية الاجتماعية: تأمين أرضية حماية اجتماعية لغالبية اللبنانيّين محدّدة وطنيًّا، مع السعي إلى إصلاحات تنقل الاقتصاد نحو نموذج اقتصاديّ أكثر تنافسيّة وإنتاجيّة.
التنمية، واستدامة صناديق التقاعد، والاستقرار الاجتماعي طويل المدى
ترى نقابة المهندسين أنّ أيّ توزيع للخسائر في القطاع الماليّ اللبنانيّ يجب أن يعفي صناديق التقاعد والتأمين الصحّيّ في لبنان، نظرًا لدورها الحاسم في الحفاظ على الحدّ الأدنى من مستويات المعيشة لمئات الآلاف من الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسّط، ناهيك عن دورها في الانتعاش الاقتصاديّ.
لذا، تشدّد النقابة على ضرورة أن تشتمل خطّة الإنقاذ المالي الوطنيّة الذي يجري التباحث بشأنها على ما يلي:
-
إعفاء حسابات النقابة من نظام ضوابط رأس المال (كابيتال كونترول): في الوقت الحاليّ، لا تستفيد الحسابات النقابيّة من إعفاءات “الوضع الخاص” لضوابط الأمر الواقع غير القانونيّة على التحويلات والسحوبات المصرفية، على غرار بعض المنظّمات غير الحكومية والأفراد. ونحن نصرّ على أن تكون النقابات قادرة على الوصول إلى الحسابات نيابة عن أعضائها دون قيود مفروضة بموجب نظام ضوابط رأس المال غير القانونيّ المعتمد حاليًّا.
-
دعم استدامة صناديق التقاعد والاستشفاء: يجب أن تضمن خطة الإنقاذ المالي استمراريّة صناديق التقاعد واستدامتها، حيث نرفض أي حلّ يخالف هذا المبدأ حفاظًا على حقوق المنتسبين إلى النقابات.
-
المحافظة على قيمة الودائع بالعملة الأجنبيّة: نرفض أيّ نهج يهدف إلى تحويل الودائع من العملات الأجنبيّة إلى الليرة اللبنانيّة، إذ يؤدّي هذا الإجراء إلى تبديد محفظة مدّخراتنا، وتحويل الخسائر إلى أعضاء النقابة وصغار المودعين، وبالتالي تحميلهم المسؤوليّة عن أزمة مالية لم يتسبّبوا بحدوثها.
-
الحفاظ على القيمة الشرائية للمعاشات والحد من التضخّم: أيّ خطّة إنقاذ مالي وطنيّة يجب أن ترتكز على سياسات تهدف إلى الحد من التضخّم، وتوحيد سعر الصرف، وكذلك إعادة هيكلة القطاع المصرفيّ بحيث يؤدّي دوره وسيطًا ماليًّا في خدمة اللبنانيين عامّة.