إلياس فرحات
في الثالث عشر من تشرين الاول/اكتوبر الجاري، قصفت اسرائيل مواقع عسكرية سورية في تدمر ما أدى الى مقتل جندي سوري وجرح اثنين، حسب مصادر إعلامية سورية، الا ان “المرصد السوري” (مقره لندن) ذكر أن القصف استهدف مواقع ايرانية، بينها برج للإتصالات قرب مطار الايغور (تدمر) وان هناك خسائر في الارواح. لم يمضِ يوم على العدوان الإسرائيلي، الا وصدر بيان شديد اللهجة عن “قيادة غرفة عمليات حلفاء سوريا” توعد بـ”ردٍ قاسٍ” على “الاعتداء الإسرائيلي الأخير في سوريا”، واوضح أن الأهداف التي هاجمها الإسرائيليون “مراكز خدمات وتجمّع للشباب”، وأضاف أنه “نتيجة هذا الاعتداء سقط عدد من الشهداء والجرحى من الإخوة المجاهدين”، واشار إلى أنّه “لولا الانتشار لكان عدد شهداء الاعتداء كبيراً جداً”، وأكد انه “بعد الهجوم الذي انطلق عبر سماء الأردن ومنطقة التنف السورية المحتلة من الأميركيين.. قررنا الرد”، وختمت “قيادة الغرفة” بيانها بالقول: “سيكون الرد قاسياً جداً”.
يتميز هذا البيان عما سبقه من بيانات بالآتي:
– جاء البيان مباشرة بعد الاعتداء وبدت عباراته منتقاة بدقة وبلغة قاسية. – يشير البيان الى انه نتج عن الهجوم خسائر في الارواح من دون أن يذكر الحصيلة وانه “لولا الإنتشار لكانت الخسائر اكبر”، وهذا يعني ان هناك انتشارا واسعا في منطقة “التي ـ فور”.
– حدد البيان خط تحليق الطائرات المعتدية والصواريخ انه عبر سماء الاردن ومنطقة التنف، اي ان القوات الاميركية والسلطات الاردنية شريكتان ومتعاونتان في تنفيذ الهجوم. وبالفعل فاجأت هذه “الغرفة” المراقبين اذ انه لم يمضِ أسبوع حتى اعلنت وسائل الاعلام عن تعرض قاعدة التنف (الأميركية) في جنوب سوريا لهجوم بطائرات مُسيّرة وربما صواريخ بالستية ادى الى اشتعال حرائق في القاعدة.
وتقع قاعدة التنف في نقطة محاذية تماماً لمثلث الحدود السورية ـ الاردنية ـ العراقية وهي القاعدة الاميركية الوحيدة في الجنوب الشرقي السوري. انشات قيادة التحالف هذه القاعدة وكانت تستضيف فيها قوات “سورية معارضة” أسمتها “مغاوير الثورة”، والسبب الاميركي المعلن هو الحد من تقدم تنظيم “داعش” في البادية السورية باتجاه الاردن. لكن السبب الواقعي هو ضمان عدم فتح الحدود السورية العراقية والاشراف على الحدود السورية الاردنية.
هذه المهمات تنطلق من استراتيجية التحالف التي تحرص على عدم فتح الحدود السورية العراقية من جميع المنافذ لضمان وقف حركة التجارة بين البلدين والتي تشكل جزءا كبيرا من حل المشكلة الاقتصادية في كلا البلدين، فضلاً عن الإعتبارات العسكرية والأمنية. فعندما تمركزت القوات الاميركية في التنف اعلنت عن انشاء منطقة عدم تنازع Deconflicting Zone ضمن نصف دائرة مركزها التنف وشعاعها يبلغ خمسين كيلومتراً باتجاه عمق الاراضي السورية.
وقد منعت الولايات المتحدة أي تحركات في هذه المنطقة. وحدث ان تقدمت قوات من “الدفاع الوطني السوري” مرتين الى داخل المنطقة، لكنها تعرضت لقصف اميركي الحق بها خسائر فادحة بحيث انه لم تكرر مثل هذه العمليات اي قوات حكومية سورية او من حلفاء سوريا. وقد تبين ان القوات الاميركية مجهزة في القاعدة باجهزة رصد وانذار وتحديد اهداف وان منطقة عدم التنازع تخضع لمراقبة شديدة على مدار الساعة بحيث يصعب اختراقها براً وجواً. اعتراف القيادة الوسطى بهحوم التنف أعطى مفاعيله إسرائيلياً، فالطائرات المسيرة التي وصلت الى سماء قاعدة التنف يمكنها ان تصل الى العمق الاسرائيلي خصوصا وانه اعلن ان بعض هذه الطائرات انطلق من سوريا والبعض الاخر من العراق وقد امضت الطائرات جميعها مدة تحليق تتجاوز العشرين دقيقة للوصول الى اهدافها بهذا المعنى، أرادت “غرفة عمليات حلفاء سوريا” بمهاجمة قاعدة التنف القول للأميركيين أنها غير آبهة بتقنياتهم وبامكاناتهم الدفاعية، وأنها تملك من السلاح والتقنيات ما يجعلها قادرة على أن تكون طويلة اليدين، ولم يعد خافياً ان السلاح المستخدم في الهجوم هو الطائرات المسيرة والمذخرة وربما بعض الصواريخ البالستية.
هنا تُطرح أسئلة مثل كيف تمكنت الطائرات المسيرة من التفلت من اجهزة الرادار والانذار الاميركية العاملة في التنف؟ وما هي الامكانات الفنية التي تتميز بها هذه الطائرات بحيث استطاعت الوصول الى اهدافها وتفجير نفسها فوقها او في داخلها؟ لقد سبق ان أُطلقت طائرات مسيرة على اهداف عديدة وكان يجري اعتراضها واسقاطها بسهولة وحصل ذلك مع القوات الاميركية في الشمال السوري ومع القوات الروسية في سوريا وغيرها. ومن النتائج الملفتة للنظر هو ما ورد في بيان المتحدث باسم القيادة الوسطى الاميركية الكابتن بيل أوربن من أن منطقة قاعدة التنف تعرضت إلى هجوم متعمد ومنسق “بطائرات مسيرة ونيران غير مباشرة”. واضاف أن القيادة الأميركية الوسطى “تحتفظ بحقها في الرد على الهجوم في الزمان والمكان المناسبين”. وهذا التعبير يُذكرنا بزمن عربي رسمي كان يعتمد اللغة نفسها ويستمر عاجزاً عن الرد، فهل قررت القيادة الوسطى الاميركية إعتماد “طريقة الأنظمة العربية” إياها في “الرد”؟ لا شك ان الهجوم على التنف يمثل نقطة تحول في المواجهة بين الولايات المتحدة و”غرفة عمليات حلفاء سوريا” او بمعنى آخر إيران وأذرعتها، وقد وجدنا كيف أن طهران لم تتأثر لا بمناخ الإستعداد لجولة سابعة من المفاوضات النووية غير المباشرة في فيينا ولا بمناخ حوارها مع الرياض، أي أنها قررت أن تفصل الرد العسكري عن المعطى السياسي ولو أنها تحكمت بالـ”دوز” والأهداف. إقرأ على موقع 180 الزلزال الإماراتي – الإسرائيلي: تهويد المشرق والخليج!
نجاح الهجوم واعتراف القيادة الوسطى به أعطى مفاعيله إسرائيلياً، فالطائرات المسيّرة التي وصلت الى سماء قاعدة التنف يمكنها ان تصل الى العمق الاسرائيلي خصوصا وانه اعلن ان بعض هذه الطائرات انطلق من سوريا والبعض الاخر من العراق وقد امضت الطائرات جميعها مدة تحليق تتجاوز العشرين دقيقة للوصول الى اهدافها وفشلت الدفاعات الاميركية في اعتراضها. في هذه الحالة، ما الذي يمنع “غرفة عمليات حلفاء سوريا” من نقل الاشتباك الى داخل اسرائيل؟ لا شك ان المنطقة حبلى بالتطورات والمفاجآت وقد تكون مقبلة على تطورات دراماتيكية حتماً لن تكون في مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل برغم التفوق العسكري والتكنولوجي الذي تتمتعان به.. أما الأردن، فتبقى الحسابات معه مختلفة ربطاً بالتقارب الأردني مع سوريا وإحتمال تزويد لبنان بالكهرباء الأردنية، فضلاً عن “الإحتضان الأردني” المُعلن لرئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي.. وربطاً بتحوله إلى أبرز قاعدة أميركية في المنطقة غداة الإنسحاب من أفغانستان وعشية الإنسحاب المحتمل من العراق.