تعجّ المنطقة بالمبادرات وتتسارع التطورات في الميادين كافّة، وأبرزها تلك السياسية والعسكرية والأمنية منها والتي، وبسرعة غير متوقّعة، قلبت معطيات الحروب الدائرة في المنطقة ومجرياتها، الحامية منها والباردة، ومعها موازين القوى وتوجّهات أقزامها من المستفيدين (المستفيضين) وكلّ ما يجمع كلمة إستراتيجي بمرادفة تكتيكي بمفهوم مبدئي بتحديد مرحلي أو تحليل دائم.
وتأتي المفاجآت، متفائلة هي هذه الأيام، مع إنعقاد الإجتماعات على أشكالها: قمم، مكبَّرة (ومكبِّرة)، مصغَّرة (ومصغِّرة)، ثنائية، ثلاثية، عشوائية… كلّ ذلك بات مرحّبًا به هنا، أو مرذولًا هناك، لأنّه يعمل على تخفيف التشنّجات وحصر الصراعات ولجم التوتّرات المُعاشة فيما بين الجميع خاصة منذ عقد ونيّف من الزمن.
وينبري لبنانيون، من جميع الفئات والمسؤوليات، والبعض بحقّ، ليسألوا ويتساءلوا لماذا لبنان غير مدعوّ إلى هذه الإجتماعات، وليس له لا دور ولا رأي، علمًا أنّ معظم الموضوعات المدرجة على جداول أعمالها تتناوله وترسم مستقبله مبنيةً على المشاكل التي يعاني منها؟
وتذهب بي التساؤلات تلك إلى مقالة كتبتها منذ 40 عامًا عندما كنت لا أزال أعمل بكلّ جدّيّة في مجال البحث عن حلول ناجعة لإنقاذ لبنان، وكانت قواعد إبداء الرأي تلزمني بإعتماد الأسلوب “الرصين” لطرح الحلول السياسية بعيدًا عن أسلوبي الساخر الذي له، لا شكّ، تبريراته، كونه أكثر إلتصاقًا بالواقع.
لماذا أتذكّر ذلك المقال الذي نشرته لي غرّاؤنا “السفير” يوم جمعة وقع في 23 آذار 1984م؟ كان ذلك على أثر “إنفضاض” مؤتمري جنيف ولوزان الداعيين يومذاك، وكما العادة، إلى وقف “الحرب”؟
لا محال. فلا بدّ من بعض السجع في العنوان: ” لوزان ليست خاتمة الأحزان”.
لماذا أتذكّر؟ لأنّ في خاتمة المقال ما يذكّر، بل ما يؤكّد، ما نعيشه الآن، وفي كلّ آن سياسي مصيري، ولأنّه يجيب على تساؤلات اللبنانيين المتكرّرة في سياق معالجة كلّ أزمة. فتاريخ لبنان السرمديّ، بحسب بعض المؤرّخين، لا يبدأ إلّا منذ العام 1830 وبعدها تتكرّر الحروب، الأهلية بمحلّية، ومعها المساعي الخارِجْداخلية العبثية لإيقافها كلّ عقدين من الزمن أو نيف، وهذا على مدى ما ناهز المئتي عامًا حتى الآن.
جاء في خاتمة المقال: “…إلّا طبعًا للبنانيين الذين سيبقى أمرهم معلقًا ويظهر وفاقهم عندئذ كملحق لبروتوكول الحلّ لقضية المنطقة”.
وللترفيه أعيد نشر مقدّمة وخاتمة المقال.
في المقدّمة: ” ونحن لا نريد مناقشة تفصيلية للبنود الستّة التي صدرت وإن كنّا نودّ التوقّف عند بعضها وهناك من يعتبرها “إنجازات كبيرة” كان على اللبنانيين أن يدفعوا ثمنها غاليًا من دمهم وحاضرهم ومستقبلهم !
ومن الطبيعي أن يستوقفنا البند السادس الذي توجّه بالشكر الى سلطات كانتون “فو” والسلطات الفيدرالية على حسن ضيافتها، مشيرين إلى أنّ كامل مصاريف المؤتمر وترتيباته الأمنية وغيرها كانت على كاهل المواطن اللبناني المقهور! فيما يُخَصّص البند الخامس للتنويه بدور الأشقّاء العرب البنّاء ونشكرهم صراحة على ذلك. ولئن كنّا لا نعترض على بنود الشكر ونشدّد عليها ونكرّرها في كتاباتنا ومجالسنا، إلا أنّه لا بدّ من ملاحظة الحجم الذي أخذته هذه البنود، فهو يشكل ما نسبته ثلث البيان الختامي وعلى حساب “البنود” التاريخية التي كان ينتظرها الناس بفارغ الصبر، فكانت خيبة أملهم كبيرة بما صدر، على رغم الوعد الذي قطعه البند الأول بهدنة بقيت معالمها غير محدّدة، وكان صداها ينتقل إلى الناس في منازلهم ومحلّاتهم من خطوط التماس وما يدور فيها وحولها من عمليات عسكرية.”
ثمّ.
في الخاتمة: “أمّا إذا كانت الأمور معقّدة أكثر من ذلك، فلنعلن أيضًا عجز أحد الجبّارين على حل المشكلة ولنتبنّى المقولة المبشّرة بأنّه لا سلام في لبنان قبل مرور فترة زمنية على تسلّم الإدارة الأميركية الجديدة لمهامها. ليتم بعدها التغازل بينها وبين إدارة الإتحاد السوفياتي الجديدة الوجه العريقة النمط السياسي وبعدها قد يلتئم مؤتمر الشرق الأوسط في جنيف في العام 1986 على أساس أنّ للجميع مصالح ومطامع في منطقة الشرق الأوسط، إلّا طبعًا للبنانيين الذين سيبقى أمرهم معلقا ويظهر وفاقهم عندئذ كملحق لبروتوكول الحلّ لقضية المنطقة.”
وجاء في ختام الختام عبارة:
” متى يكون للبنان مسؤولون يحسنون كشف كل الحقيقة من دون إشاعة الذعر في النفوس؟ “