وانتهت الإنتاخابات. ومرّ أسبوع كامل من الإحتفالات والمهرجانات (والتهريجات) والتحليلات… )والتحريمات(. وانتهى معها صمتي الإنتخابي الإختياري.
فعاد الكُثُر من السياسيين والأحزاب والإعلاميين والمراقبين والمحللين، عادوا إلى صبّ زيت النكد السياسي على نار (وكوى) الوضع الإنهياري الذي نسوه وأنسوه للشعب. وكانت نهائيات“العنتريات” المتلفزة، التي لا ولن تنتهي، تباروا فيها علىتفسير “الإنتصار” (كلمة فقدت معناها هنا)، بالحواصل، يقابله تبرير بالأكثرية الطائفية، في وجه “الجوائح” بالصوت التفضيلي، يشاطره الإبتهاج بخسارات الخصم بالكسر، فالتدليل على هذا التفصيل.
قانون، لا يشبه أحدًا، لا يشبه أيّ شيء، لا مثيل له، لا نصير له. قانون يتيم.
وبنتيجة هذه الإنتخابات إنقسم اللبنانيون، على عادتهم،مرشحون وناخبون، إنقسموا إلى فئات ثلاث. فمنهم مَن مالواوما أدراك بميولهم، ومنهم مَن إنفضّوا، والغبار لا ينفضّ عنهم، والباقي؟ الباقي ذهبوا مع رياح النسيان، وقد لا يرجعون.
لقد بقيت العيون شاخصة، والآذان صاغية، طوال “ليالي الفرزفي لبنان”. فأدركنا أنه، بموجب القانون المسْتَنِد إلى الدستور الذي يخالفه، يمكن لمرشح أن ينجح أو يسقط ليس فقط على أساس عدد الأصوات، لا، هذه مسألة بدائية. أنت عليك أن تحتسب الحاصل لكلّ لائحة، ثمّ توزّع عدد الناجحين في كلّ قضاء وفي كلّ لائحة وفي كلّ طائفة محظية، كلّ حسب الحواصل. هل فهمت هذا؟ نعم؟ هذا سهل الفهم. ثمّ ! أنت عليك جمع التفضيلي من الأصوات، وما أدراك ما التفضيلي (أتحدّاك أن تعرف ما هو). وفي هذه المرحلة… إختفت عن الساحة الفئة الأولى من الذين “مالوا”:
رأيت الناس قد مالوا… إلى مَن عنده مالٌ
ومَن لا عنده مالُ… فعنه الناس قد مالوا (*)
ونتابع.
ففي اللائحة الواحدة، لا يعني حصول أعلى تفضيلي أنك قد نجحت، لا ! فهناك حسابات جانبية، مؤهِّلة أو لاغية، في اللائحة ذاتها وفي المواجهة مع باقي اللوائح، وهي قد ترفع من منسوب نجاح مرشّح أو ترفع من ضغط زميل له رسب، ودائمًا حسب الإصطفاف الطائفي والترتيب التفضيلي. هذا في الدائرة الواحدة. أما في الدائرة الإنتخابية المتعدّدة الأقضية، وقد تصل إلى أربعة في بعض الأحيان كما حصل، فعليك أن تدخل في حسابات خَوَارِزْمية معقدة للفصل بين الأقضية والطوائف والحواصل والتفضيليات والـ...؟..إسمع جيدًا…والكُسور. هل تعرّفت على الكُسور؟ لا؟ هنا بيت العجائب. عند هذا الحدّ، إنفضّت عنّا الفئة الثانية من الذين “إنفضّوا”:
رأيت الناس منفَضَّة … إلى مَن عنده فضّة
ومَن لا عنده فضة… فعنه الناس منفضّة (*)
ونعود.
يمكن أن ينجع صاحب ال100 صوت أو أقل على جامع ال9000 صوت أو أكثر، وقد حصل. ويمكن أن ينجح مرشّح في لائحة ما، من طائفة ما، ولكن في قضاء آخر غير القضاء الذي أعطى اللائحة الحواصل الفواصل، كما ويمكن ذلك للائحة منافسة للأسباب ذاتها أو لأسباب معاكسة. فهمت؟ هذا كلّه قبل أن تأتيك نتائج صناديق الإغتراب، وما أدراك ! وهنا أيضًا، يمكن أن تحصل المفاجآت، وقد حصلت بالفعل.
وخلال إنتظار تظهير الصورة، أي بإعادة توزيع الكسور على اللوائح والأقضية والمرشّحين والطوائف والحواصل، سُمِعَ البعض المتوتّر يرنّم الكلمات: “بين الكاسِر والحاصل… مرّت لمّه خياله… مرّت لمّه .. .ّ.الة“. ولمّا لم يحصل على الكسر الملعون، أكمل صراخه بالنحيب:
“لا تضربني لا تضرب… كسّرْت الخيزرانة”…
هل فهمت أيّ شيء؟ لا؟ لا تهتم، فلم يفهم أحدٌ على أحد أو على أيّ شيء… ولن. وأنا، الذي قد أبدو لك، قارئي العزيز،أنّني ملكت فهم هذا النظام (وهي كلمة غير موفّقة هنا) لاحتساب الأمور، أنا أعترف لك أنّني، بدوري، وبعد مخاضين إنتخابيّين، في العامين 2018 و2022، ما زلت أجهل قواعدهذه الألاعيب، وتغيب عنّي حلولها المعتمدة. ولربّما كان هذاالمقصود من كلّ هذه البهلوانيات الحسابية والفذلكات في القانون.
وبهذا، حان دور مغادرة الفئة الثالثة من الذين “ذهبوا”:
رأيت الناس قد ذهبوا… إلى مَن عنده ذهبٌ
ومَن لا عنده ذهبُ… فعنه الناس ذهبوا (*)