حيّان سليم حيدر الإيمان بالوطن

     وكانت زيارة البابا لاوون التاريخية إلى لبنان، وكانت، مع الإحتفالات والإستعدادات، الكلمات.

كانت الكلمات الطيّبة منها والمعبّرة والمناسِبة.

وسرعان ما ذهبت بي إلى كلمات عبّر سليم حيدر في طيّاتها عن بلد الإيمان، عن مشاعر اللبنانيين النبيلة، الملهوفة، التوّاقة إلى السلام الإنساني.

وقلت لنفسي: ما أنسبها كلمة، بتعابيرها البليغة وصياغتها المحكمة ومراميها الصادقة وكأنّها قيلت في مناسبتنا اليوم، لِمناسبتنا اليوم، كأنّ قالها كلّ من الطرفين، الضيف والمضيف.

                                              لبنان الأفضل                            بدعوة من جريدة “النهار”

بلسان الأستاذ عصام محفوظ

 سأنطلق من بعض البديهيّات:

     العاطفة مشكورة في كلّ حال، وكلّ ما يشتقّ منها: المحبّة والتسامح والعطاء والإيثار والتضحية.    ولكن هذه القيم لا تصمد على محكّ الواقع إذا بقيت مجرّدة تدور في المطلق.  التفاعل الإنساني هو الذي يدخل القيم في صميم الشيم.  فالتجاوب وحده – محبّة بمحبّة، وتسامحًا بتسامح وعطاءً بعطاء وإيثارًا بإيثار وتضخية بتضحية – هو الذي يجعل من المثل العليا ضوابط ثابتة للتعامل في المجتمعات البشرية.  التجاوب هنا هو العدل.

     وحسن المعشر مشكور في كلّ حال، وكلّ ما يشتقّ منه: اللياقة واللطف والتهذيب والإحترام والتحبّب.  ولا شكّ في أنّه خلاق رفيع يجب أن يتحلّى به الجميع.  ولكنّه لا يعطي شيئًا – وقد يعطي نتيجة معكوسة – إذا لم يكن نابعًا من أعماق القناعة، من إيمان راسخ بأنّ اللياقة واللطف والتهذيب والإحترام والتحبّب هي غايات لا وسائل.

     والدهاء السياسي مشكور هو أيضًا بدون إفراط: ألّا تتأصّل المناورة فتصبح معاقرة، وألّا تتطرّف المسايرة فتمسي مماكرة، وألّا تتحجّر المحاذرة فتنقلب مكابرة.

     هذه البديهيات كان لا بدّ من التذكير بها.  فنحن في لبنان، منذ أن صحونا من نشوة الإستقلال وبدأنا نعالج أمورنا، نعيش في سوء تفهّم لها مقصود وبالتالي في سوء تفاهم مستمر.

حقيقة أولى:  لبنان بحكم وجوده بلد إيمان

               والإيمان ليس الدين وليس المذهب، بل هو الأساس والهداية.  الدين بناء.  تختلف الأبنية شكلًا           وحجمًا، ولكن الأساس لا بدّ منه لأنّه المرتكز: الإيمان أساس الدين.

               والمذهب طريق.  تختلف الطرق في المتاهات إلى المحجّة الواحدة، ولكن لا بدّ من صوىً لكي لا يتيه السائرون على الطريق: الإيمان صورة المذهب.

               لا الدين إذن مبعث خلاف ولا المذهب، طالما الإيمان واحد: الله مصدر المثل العليا.

               ينبع من هذه الحقيقة أنّ البناء والطريق وسيلتان لا غايتان، وأنّ الغاية الوحيدة هي ديمومة الوطن في نموّ مطّرد.

وحقيقة ثانية: الوطن بناء وطريق

                بناء للحياة المشتركة وطريق إلى الحياة الفضلى.

               ينبع من هذه الحقيقة أنّ التضحية في سبيل الوطن ليست مفروضة – على الجميع طبعًا – من أجل صيانة البناء وحسب، أي لدرء الخطر عن الوطن محافظة عليه في مرحلة معينة، بل هي مفروضة أيضًا، وعلى الجميع، من أجل ديمومة هذا الوطن في مسيرته المستمرة على طريق حياة أفضل، في ضوء التطوّر الحضاري.

وحقيقة ثالثة: الإيمان علاقة إجتماعية

               إذا كان الإيمان بين الخالق والمخلوق علاقة روحية، فهو بين المؤمنين علاقة إجتماعية.

               ينبع من هذه الحقيقة أنّ المثل العليا ليست مناقب تدور في المطلق.  المحبّة والتسامح والعطاء والإيثار والتضحية… جميع المثل العليا التي بدونها لا إرادة حياة مشتركة ولا توق إلى حياة أفضل، ليست مناقب تدور في المطلق.  بل هي تفاعل إنساني بتجاوب مستمر التجاوب.  التجاوب وحده – محبّةً بمحبّة وتسامحًا بتسامح وعطاءً بعطاء وإيثارًا بإيثار وتضحيةً بتضحية – هو الذي يدخل هذه القيم في صميم الشيم.  هو الذي يجعل من المثل العليا ضوابط ثابتة للتعامل في المجتمعات البشرية.

وحقيقة رابعة: الإيمان بالوطن رؤية حضارية

                تاريخيًّا وجغرافيًّا، وبالتالي سياسيًّا وإقتصاديًّا وإجتماعيًّا وثقافيًّا، الإيمان بالوطن رؤية حضارية.  توقّع وتصميم متكاملين.

                ينبع من هذه الحقيقة أنّ التقوقّع في الماضي تحجّر أمام سيل الزمن الجارف.

وحقيقة خامسة: الإيمان بالوطن فعل

                 أيّ عمل دائب في التنفيذ، وسهر دائم في المراقبة، وتكييف واع للخطّة، تحقيقًا للأماني وتجنّبًا للمزالق ومواكبة للتطوّر.

ينبع من هذه الحقيقة وجوب تجدّد القيادات، في القطاعات التقريرية والتنفيذية، على أسس الكفايات العلمية التي وحدها تنهض بآمال الأجيال الصاعدة، فتتفادى الإصطراع الطبقي، وتمدّ الدولة بدم جديد والوطن بزخم جديد.

– منذ نصف قرن –                                                                                  سليم حيدر

________________________________________________________________

     رحم الله العقول السليمة.

بيروت، في 3 كانون الأول 2025م.                                          حيّان سليم حيدر

عن mcg

شاهد أيضاً

مجلة الامن العام:العدد السابع والاربعون بعد المئة، كانون الاول 2025،في الاسواق

المديرية العامة للأمن العام مجلة “الأمن العام“ Majallasection@gmail.com   صدر العدد السابع والاربعون بعد المئة، …