صرّح رئيس جمعية تجار بيروت، نقولا شمّاس، بأن التفاقم المتسارع للتدهور الذي تشهده البلاد، والتراجع الموازي في قيمة الليرة اللبنانية، وتردّي القدرة الشرائية لدى اللبنانيين، ناهيك عن إنفجار مرفأ بيروت وعواقبه الدراماتيكية، وعن الإقفالات المتتالية بسبب الكورونا، دون أي تعويض بالطبع للتجار، ضربوا مُجتمِعين الجسم التجاري في الصميم، وأدّوا إلى ما أدّوا إليه من إقفال أعداد هائلة من المؤسسات والمحال التجارية، وتوقيف النشاط، في حين أن المؤسسات والمحال التي بقيت قائمة باتت تناضل وتصارع للحفاظ على إستمراريتها وديمومة لقمة عيش موظفيها.
وقال شمّاس أنه كان لا بد في هكذا ظروف كابوسية، أن تنهمك حكومة تصريف الأعمال على مكافحة التهريب بحزم وإجتراح برامج إنقاذية، وعلى رأسها البطاقة التمويلية للأُسر اللبنانية، والتي طرحتها الجمعية منذ أكثر من سنة؛ وأن تبادر الطبقة السياسية إلى تشكيل حكومة إنقاذية تمضي فوراً بالإصلاحات.
إنما، وللأسف، نرى أن الصراعات تحتدم وأن الحلول تبقى في عالم الغيب، في حين أن أوضاع المواطنين المعيشية باتت تشكل مأساة موصوفة، فيما الأسعار تتطاير والذل والحرمان باتا يشكلان قوت اللبنانيين اليومي.
أما آخر ما إبتدعته السلطة، في خضم فشلها المتمادي، وعجزها عن تأمين النقل المشترك، هو زيادة بدلات النقل لموظفي الدولة في كافة القطاعات (في غياب التمويل المطلوب طبعاً)، وهي في نظرنا زيادة مشروعة من الناحية النظرية، بسبب إستفحال أسعار المحروقات. غير أنها ستؤدي إلى إنتفاخ حتمي في الكتلة النقدية وغيرها من العواقب الوخيمة، على رأسها التضخم المتفلت في مستوى الأسعار ونتائجه المأساوية.
ومن الطبيعي أن ينال موظفو القطاع الخاص حصّتهم من زيادة النقل هذه، أسوةً بموظفي القطاع العام، علماً أن المؤسسات القادرة في القطاع الخاص سبق لها أن منحت ما تيسّر من تقديمات لموظّفيها كسلفة مالية من تلقاء نفسها ودون إنتظار أي إشارة من أي جهة كانت. لكن اي زيادة إلزامية مقرّة بمرسوم سوف تفاقم الضغوطات على قدرة القطاع الخاص لإستيعاب هذه التكاليف الإضافية، وسوف تؤدي – لامحال، إلى تفشي البطالة في القطاع التجاري، فضلاً عن المزيد من الإقفالات وتوقف مزاولة نشاط أعداد كبيرة من المؤسسات والمحال المتبقية.
وهنا، لا يسع جمعية تجار بيروت إلا التذكير بأنها كانت، وبالتوافق مع سائر الجمعيات التجارية في لبنان، قد أوصت بحثّ أصحاب العمل، كل حسب قطاعه وظروفه المالية الخاصة، بالمبادرة الى منح زيادات النقل المطروحة حيث وحينما وبقدر ما كان ذلك ممكناً، بطريقة إختيارية وطوعية، دون إلزام أو إرغام.
فإن هذا التدبير المتعلّق بالنقل، اليتيم والمجتزأ، لا يحل المعضلة الإجتماعية – الإقتصادية، بل سيفاقمها، في غياب برنامج شامل ومتكامل تضعه حكومة إصلاحية، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، وذلك من أجل تخفيض بنية الأكلاف وزيادة القدرة الشرائية، وليس العكس كما سيحصل الآن.
إنما، ونزولاً عند طلب وزارة العمل وإلحاح الإتحاد العمالي العام، بخلفية إنفعالية وإرتجالية أكثر منها علمية ومدروسة، لا يسع جمعية تجار بيروت، وبالرغم من تحفظها الشديد، إلا أن تتضامن مع الهيئات الإقتصادية، والتي نحن في صلبها، في التجاوب مع مطلب زيادة بدلات النقل بحسب القدرات المتوفرة، وذلك صوناً لوحدة القطاع الخاص وحفاظاً على رصيده الإجتماعي الكبير، الى جانب سعيه الدائم لتحقيق الديمومة المؤسساتية والفعالية الإقتصادية.
وفي الختام، تحذّر جمعية تجار بيروت بشدّة من المفاعيل السلبية التي ستؤدي إليها حتماً هذه الزيادات إن لم يتم إحتواؤها ومعالجة الأسباب التي أدت إليها، وإيجاد الحلول الشاملة والناجعة من قِبل الدولة لتحسين قدرة المواطنين الشرائية بالسياسات الماكرو-إقتصادية المطلوبة.
ويأتي هذا التحذير تماماً كما سبق للجمعية أن حذّرت من مفاعيل سلسلة الرتب والرواتب المشؤومة ومن نتائجها الكارثية، والتي جرفت في نهاية المطاف الإقتصاد الوطني والمجتمع اللبناني.ونقول ختاماً : “اللّهُمَّ أشهد أني حذّرت”!