بعد ثلاثيته «احداث ومذكرات»، التي صدرت العام الماضي، صدر للرئيس الراحل صائب سلام كتاب يحمل عنوان «شخصيات لبنانية وعربية وعالمية عرفتها»، ويتضمن معلومات بعد عقود من الزمن، ويؤرخ فيها لمرحلة مهمة من تاريخ لبنان والعالم العربي والعالم، ويضيء على احداث منها معلوم، ومنها مجهول، لكن اهمية ما كتبه هو شخصياً ودوّن مذكراته، ولم يترك لاحد ان ينقلها عنه، فوضع فيها كل تجاربه ومواقفه وعلاقاته، ونقل الوقائع كشريك في صنع الحدث وفاعل في القرار، وما جرى على مدى عشرات السنوات، منذ ما قبل استقلال لبنان حتى وفاته، او تقاعده السياسي.
ففي هذا الكتاب، وهو الرابع الذي تصدره عائلة الراحل وباشراف نجله الرئيس تمام سلام، فان الرئيس صائب سلام، يترك ارثاً سياسياً، لمن يريد ان يقرأ في السياسة اللبنانية والعربية والدولية، فيستحضر شخصيات كانت في موقع المسؤولية او مؤثرة في محيطها، لينقل لجيل لبناني وعربي ولمهتمين في العالم، عن حقبات سياسية واخرى عسكرية وارتباطات مصالح الدول، ليكتنز القارىء معلومات، ويملأ جعبته باراء وافكار ويطلّع على اعمال شخصيات ويتعرف عليها، كما عرفها صائب سلام، فاراد ان ينقلها الى الرأي ال
وتضمّن الكتاب معلومات عن ثمانية رؤساء جمهورية في لبنان، عمل معهم، منذ الاستقلال في العام 1943 وهم: بشارة الخوري، كميل شمعون، فؤاد شهاب، شارل حلو، سليمان فرنجية، الياس سركيس، بشير الجميل وامين الجميل.
فتحدث سلام عن علاقته مع كل من هؤلاء الرؤساء، من خلال وصفه لهم، وتقويمه لعهودهم وعلاقاته معهم، في اثناء توليه رئاسة الحكومة، وهو يفتتح كتابه بمقدمة بنقد يستخلص فيها، بان الموارنة الذين مدّ يد التقارب بينهم، لبناء دولة، وتعزيز الميثاق مع المسلمين وحصول تفاهم بينهم وبين المسيحيين والموارنة منهم لكن الاستجابة كانت للاسف قليلة جداً.
كما ان سلام يرى في المقابل وللانصاف: ان العامل الثاني تمثّل في تزاحم الشخصيات الاسلامية، بل في تهافتهم على كرسي الوزارة ورئاسة الوزارة مما جعلهم بعيدين عن اتخاذ المواقف المسؤولة والحكمة من جهة، وعن الصمود في وجه الهجمة المارونية وسيطرة رئيس الجمهورية من جهة اخرى.
ويعترف الرئيس صائب سلام، بان للصراعات العربية في الساحة اللبنانية الاثر الكبير في ما وقع فيه لبنان فكنت اوجّه نداءات للرؤساء والملوك العرب يقول سلام داعياً اياهم الى «ان ارفعوا ايديكم عن لبنان».
ويحمّل سلام رئاسة الجمهورية في لبنان المسؤولية في الدرجة الاولى لما جرى من الكثير في لبنان، حيث يقول: لطالما رددت ان مرشح رئاسة الجمهورية يكون مسلماً سياسياً طيلة مدة ترشحه الى ان يفوز بالرئاسة فينقلب بعد 24 ساعة الى ماروني متعصب.
ويتساءل سلام في كتابه، هل افاد المجتمع الماروني من تمسكه بالرئيس الماروني القائم، مهما كانت اخطاؤه، فيرد بان من استفاد هم الاقرباء وخاصة الرئيس وحاشيته وازلامه ومحاسيبه.
ويشير في كتابه الى انه يؤخذ عليه استقالاته المتعددة من رئاسة الحكومة ويعزون ذلك الى «انني تصادمي مع الرؤساء».
في كتابه يؤكد سلام «بانني سأحاول ان اكون منصفاً لكل من رؤساء لبنان الذين عرفتهم وتعاملت معهم عن كثب، ولن اسجل الا ما كان نتيجة خبرتي ومعرفتي اللصيقة بهم، وتعاملي معهم شخصياً خارج الحكم او داخله، وذلك بما يطمئن اليه ضميري في تجاه نفسي وامام التاريخ».
الخوري
ويكشف سلام في كتابه عن معلومات حصلت معه، خلال تعاونه مع ثمانية رؤساء، وما يعرفه عنهم، فيقول عن الرئيس بشارة الخوري، ان خطأه الاكبر كان يوم رغِب بالتجديد لولاية رئاسية ثانية، لست سنوات، وكان ذلك بتسويق من رياض الصلح وصبري حماده وحبيب ابو شهلا، وغيرهم، ولفيف عائلته. اما خطأه الآخر فهو انه عندما تمكن من زمام الرئاسة، اصابه غرور اصحاب السلطة، في حين ان خطأه الثالث وهو ظهور ملامح النزعة المارونية التعصبية عند بشارة الخوري، والتي راحت تلازم كل رئيس ماروني.
شمعون
ووصف سلام كميل شمعون بثعلب عتيق، وكلما تقدم في السن زاد في عتقه وثعلبته، وهو لديه «كاريزما» وقوة شخصية، فعرف بالمكر والتقلب في السياسة، فنجح كميل شمعون في ان يجعل من نفسه الزعيم الماروني المطلق في لبنان».
شهاب
ويقول سلام في كتابه عن الرئيس فؤاد شهاب وعلاقته به بانها كانت متوترة باستمرار وان من صفات شهاب الصغيرة ان زائره لا يكاد يغادر مكتبه حتى يبدأ بانتقاده ويعطي القابا له، وكان يلقب بيار الجميل بـ «العصا الخشبية» وكمال جنبلاط بـ «قضيب الزعرور» وهذا وصف مستعار من الاديب سعيد تقي الدين عن جنبلاط.
حلو
وعن الرئيس شارل حلو يقول سلام بانه مثقف وكان يطمح الى رئاسة الجمهورية التي لم تكن تنتظره بل مقاومتنا لفؤاد شهاب اوصلت حلو الذي كانت رئاسته امتدادا للعهد الذي خلفه.
فرنجية
ووصل الرئيس سليمان فرنجية من «كتلة الوسط» التي كان يترأسها سلام الذي اشار الى ان شهاب قاوم وصوله وكان مرشحه الياس سركيس كما رفضه الرئيس المصري جمال عبد الناصر وكان سلام اول من ترأس حكومة مع بداية عهد فرنجية واتى بها من الشباب واصحاب اختصاص وسميت بـ «حكومة الشباب» لكنه اصطدم مع رئيس الجمهورية الذي اعاق عمل الوزراء وفرض الاستقالة على البعض منهم واقال البعض الاخر الا ان الخلاف الاشد بين سلام وفرنجية كان على اثر اغتيال ثلاثة من قادة المقاومة الفلسطينية كمال ناصر وكمال عدوان وابو يوسف النجار في 10 نيسان 1973 ومطالبته بتنحية قائد الجيش اسكندر غانم فرفض فرنجية واستقال سلام.
سركيس
وفي الكتاب يقول سلام عن الياس سركيس: عند انتخاب سليمان فرنجية قاومنا الياس سركيس ونجحنا حاولنا ان نقاومه عام 1976 لحساب ريمون اده وكنا عشرة نواب متضامنين ولكننا فشلنا بسبب تأييد سوريا له بكل ما لديها من وسائل… حتى بالارهاب وقوة السلاح واذكر انهم ارسلوا يوم الانتخاب قوة من الجنود جاءت برئيس مجلس النواب كامل الاسعد ورفاقه من الفندق الذي كان ينزل فيه في شارع «الكومودور» في الحمراء كما ان سركيس اقسم اليمين الدستورية في شتورا وليس في بيروت.
بشير الجميل
ويتحدث سلام في كتابه عن عدم معرفته ببشير الذي كان يعتبره مثل والده ويقول عندما سئل مرارا عما كنت انتظره من رئاسة بشير وكنت اجيب دائما بأن رئاسة هذا الشاب قد تأتي على لبنان بالخير العميم كما يمكن ان تكون شرا مطلقا على هذا البلد وكان يرفض وصول بشير الجميل الى رئاسة الجمهورية عندما كان يسأله الموفد الاميركي فيليب حبيب عن رأيه.
امين الجميل
ويروي سلام عن امين الجميل الذي خلف شقيقه بشير بعد مقتله فيقول: وجدنا امامنا مرشحين اثنين لا ثالث لهما في ذلك الظرف كميل شمعون وامين الجميل ففضلنا الجميل الذي كانت وللاسف الشديد التجربة الجديدة معه انها اسوأ حتى من التجربة المأساوية التي كانت لنا في عهد شمعون وان الفشل مع امين الجميل اشد وادهى واكثر ضررا للبنان بما ادى اليه من نتائج.
واذ ننقل ملخصا قليلا، من رأي سلام في العهود الرئاسية الثمانية التي تعامل معها، فان في الكتاب شخصيات لبنانية بارزة بلغ عددها 14، كتب عنها المؤلف بما عرفه عنها، وهي: ابو علي سلام، كامل الاسعد، المطران ايليا صليبا، عبد الحميد كرامي، رياض الصلح، عادل عسيران، بيار الجميل، هنري فرعون، حميد فرنجية، مجيد ارسلان، ريمون اده، كمال جنبلاط، رشيد كرامي والمفتي حسن خالد.