يهتم العالم حاليًا بالأزمة الأوكرانية بين روسيا وحلف الناتو، وستلقي تلك الأزمة تبعات على العالم والشرق الأوسط، حيث تعزز الانقسام العالمي بين معسكرين الأول شرقي بزعامة روسيا والصين- اللتين تصنفان على أنهما خصمان إستراتيجيتان للولايات المتحدة – ومعسكر غربي متمثل في حلف الناتو- الذي عاد للنشاط عقب أزمة عدم الثقة التي خلفها ترامب. **بقلم: أشرف شنيف- كاتب وباحث يمني
وبالتأكيد سيعزز ذلك الانقسام العربي- العربي بين مؤيد لهذا الطرف أو ذاك، وسيكون هناك تبعات لتلك الأزمة على الدول العربية، خاصة في حال حدوث أي مواجهات عسكرية بين روسيا وحلف الناتو.
وبنفس الاهتمام، نرى تركيز الغرب وأمريكا ينصب على مفاوضات النووي مع إيران في فيينا، وأجد الملفين السابقين مرتبطين ببعضهما البعض بغرض إضعاف وتفكيك التحالف الاستراتيجي بين روسيا والصين وإيران، وذلك يصب في مصلحة دول حلف الناتو وأمريكا على المدى الطويل.
بالتأكيد ستؤثر تلك الأزمات “سلبًا” على التقارب السوري ليجي- الذي تطور مؤخرًا- وذلك لأن سورية أهم حليف استراتيجي للاتحاد الروسي، وذلك سيؤدي لتعميق التحالف الإيراني السوري- في حال فشل مفاوضات فيينا.
*كما سيؤثر ذلك أيضًا على لبنان المنقسم داخليا بين دعم وتحالف مع دول في حلف الناتو وعلى رأسها فرنسا وأمريكا، ودول الشرق وعلى رأسها روسيا وحليفتها إيران.*
أما في اليمن، فهناك تقارب طفيف بين حكومة صنعاء مع روسيا في حال فشل محادثات النووي الإيراني، وأشك أن يحدث ذلك التقارب بسبب تعقيدات الوضع في الشأن اليمني وقلة الفوائد التي ستجنيها روسيا بصورة مباشرة من أي تقارب، كما أنها في غنى عن فتح توتر جديد مع أمريكا الداعمة للشرعية وللموقف السعودي، ولهذا رأينا سابقًا تأييدًا روسيًا وصينيًا للشرعية على حساب حكومة الوفاق في صنعاء رغم دعم حليفتها إيران لتلك الحكومة!
في نفس السياق، سنجد إسرائيل منقسمة داخليًا بسبب علاقتها الدبلوماسية “المتوازنة” مع طرفي الأزمة الأوكرانية، لذا سنجد إسرائيل ستمسك العصا من المنتصف، مع تركيزها على مفاوضات فيينا.
كما أن أي مساس بسياسة الاعتدال الدبلوماسي بين روسيا من جهة والناتو من جهة أخرى سيكون نتائجه كارثية في دعم المقاومة الفلسطينية من قبل روسيا عبر حليفتها إيران، ولهذا نجد أن إسرائيل من أكثر الدول حساسية لأي تصعيد في الأزمة.
في المقابل، ومن خلال قراءة تحركات وتقاربات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في الفترة السابقة، نجد أنه أيضًا سيفضل خيار المنتصف، وذلك لعدم تعقيد الوضع المصري كما هو حال إسرائيل، فروسيا أهم الدول الحليفة له وكذلك أمريكا، وهو في غنى عن أي تبعات سلبية سيجنيها من دعم أي طرف، وسيسعى لتجنب وجود أي ضغوط سياسية أو دبلوماسية ضد مصر.
وبالنسبة للموقف العراقي فينصب جل اهتمامه على الاتفاق النووي وعودة العلاقات المتوازنة بين أمريكا وإيران، مقابل اهتمام أقل بالأزمة الأوكرانية.
أما تركيا فهي تسعى للتوازن وتخفيف الخلافات والتوترات مع حلفائها ضمن حلف الناتو، وعلى رأسها فرنسا واليونان، كما أن لديها مصالح اقتصادية مشتركة مع روسيا والصين، متمثله مشروع سيل الشمال وطريق الحرير.
وقد رأينا بداية للتطبيع مع أرمينيا، كما أن الوضع الاقتصادي التركي لا يحتمل أزمات سياسية جديدة، ولهذا رأينا تقارب تركي إماراتي مؤخرًا في سبيل تحقيق الاستقرار السياسي، ولما من شأنه تحقيق الاستقرار لليرة التركية.
ولهذا ستلتزم تركيا الحياد أيضًا تجاه الأزمة الأوكرانية، أو ستنتهج الدعم غير البارز ضمن حلف الناتو، وليس لها أي مصالح تجنيها من الاتفاق النووي مع إيران.
في الأخير، سنجد تبعات للأزمة الأوكرانية على مفاوضات النووي الإيراني يصب في مصلحة الحلول السريعة والتنفيذ طويل الأمد، وذلك بهدف عزل إيران عن روسيا لتتمسك إيران بمصالحها الوطنية والاقتصادية على حساب تحالفها مع روسيا، وكذا ترك مجال لأمريكا للمناورة السياسية لتنفيذ الالتزامات على مدى طويل مع ممارسة الضغوط على إيران “وتقطير” الفوائد لها وفي حدها الأدنى لصالح الضمانات لها ولحليفتها إسرائيل، وذلك لمنعها من الوصول للسلاح النووي وإضعاف نفوذها في الشرق الأوسط.
وقد يؤدي ذلك إلى حلحلة الوضع في اليمن من وجهة نظر أمريكا، ولهذا لمسنا في الفترة الأخير تحريك للعمليات العسكرية في اليمن.
ويدعم ذلك انشغال إيران بالمفاوضات وانعزال اليمن عنها بعد وفاة سفير إيران، وهذا أدى لانقطاع التواصل الدبلوماسي بين صنعاء وطهران، ولهذا فإن العلاقة عكسية بين الأزمة الأوكرانية مع مفاوضات فيينا، وستأخذ مدى طويل للغاية للحل، وهما أقرب للمناورة عن إيجاد الحلول.