إنها حربً على البشرية وموقفنا هو المقاومة الإنسانية
اعتبرت “مؤسسة عامل الدولية” أن ما يحصل في العالم نتيجة ما يفرزه النظام العالمي الجديد من أفكار سياسية واجتماعية سيئة، يتطلب بكل تأكيد مقاومة إنسانية تحررية، ووقفة حاشدة من المنظمات الإنسانية والمدنية، وكل الحركات التي تهدف إلى احترام الإنسان والذود عن كرامته.
وكانت “عامل” قد أصدرت بياناً ردت فيه على ما يجري في العالم من تشييء للإنسان بهدف استعباده بأساليب حديثة، وتفكيك للمجتمعات والعائلات والأسر، من خلال الدعوات المغرضة التي تنتشر في العالم، وغايتها تغيير وجه الإنسان وفرض أشكال جديدة من الانحلال الجنسي، وتدمير ممنهج للمجتمع، كي تسهل السيطرة عليه.
إن تسليم دفة العالم اليوم للشركات الكبرى يتسبب بالكثير من الكوارث والأزمات التي من شأنها إلغاء الطبقات المتوسطة والقضاء على الطبقات الفقيرة، والتسبب بالجوع في أكثر من بلد من العالم الثالث. كل ذلك يندرج في خانة تقديم مصلحة الربح على الإنسانية. وإذا ما أضفنا إلى ذلك الأزمات المفتعلة في الكثيرة من أنظمة العالم، والقلق الأمني المتنقل بين بؤر مختلفة، والبارود الذي يفجره شرطيّ العالم في السودان وسوريا وليبيا والعراق والنيجر وسواها، والنيران التي يشعلها الفاسدون في جهات الأرض الأربع، نفهم أن الهدف هو تقسيم العالم من جديد بين أسياد وعبيد، تحت لواء ما يسمى “الاستعمار الجديد”، بل إنهم يسممون العالم بأفكار تمتد من “عبقرية” مالتوس إلى خبث كيسنجر، تدعو إلى ما تبثه شرائع الغاب من شعارات “البقاء للأقوى” و”الخوف من انفجار الأرض بسكانها”، و”إما تأكل أو تؤكل”، والكثير من الأفكار الأخرى والعناوين التي تهدف إلى تقليص سكان العالم تحت عنوان كبير هو حياة “المليار الذهبي”، أو “الحياة تليق بالنخب فقط”.
كلها أفكار قاتلة ومجرمة، تستخدم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية، للتخلص من بؤساء العالم وكبار السن فيه والولادات “الزائدة”. وحدها الثروات الطائلة هي التي يراد لها أن تتراكم وتتضاعف، فيزيد أصحابها غطرسة وعبثاً وسيطرة على مقدرات العالم وموارده.
ومما زاد اليوم الأزمة تعقيداً، والفوضى تمادياً، والفضائح انكشافاً، تلك الحملة المتفشية في العالم، والمنظمة بدقة، والمدفوعة بقوة، وقوامها توسيع المطالبة بالاعتراف بالأشكال الجنسانية المختلفة للرجال والنساء، بل تخطي هذا التمييز والاعتراف بالمثلية، وفصل الحياة الجنسية والعاطفية عن الإنجاب والأمومة وتأسيس العائلة. ومع سقوط الممنوعات في الثقافة التي تبثها قوى السوق والحرب، راحت الأفكار شيئاً فشيئاً في اتجاه تشريع زواج المثليين وحقهم بالتبني. وتُدخل دول غربية مختلفة تلك المفاهيم في كتب التربية.
وأكدت “عامل” أن التحولات التي يشهدها العالم بشكل متدحرج، من خلال خطاب “تقليل” عدد السكان، والسعي إلى السيطرة على مصادر الغذاء والصحة وباقي القطاعات الحيوية، والتحكم بثقافة البشر، ليس إلا تمدداً للمشروع الفاشي الذي انتشر محلياً وعالمياً، بفعل ضعف وتراجع حركات التغيير والتحرر التي وقعت في فخ التنظير والابتعاد عن الواقع. وأشارت “عامل” إلى أن الهيمنة الثقافية وفرض المعايير والمفاهيم الجديدة الهادفة إلى تدمير شبكات التضامن والتراحم الاجتماعي، وأبرزها الأسرة النواة، ما هي إلا أدوات في المشروع الكبير الذي تقوده شخصيات وشركات وأنظمة، لم تخفِ يوماً نيتها خلق فوضى، عن طريق “الثورات الملونة”، وإضعاف كل أشكال المقاومة الإنسانية.
وأعلنت “عامل” أنها في الوقت الذي تلتزم فيه بحقوق كل إنسان، وخصوصاً الحق بالحياة والحماية، سواء عبر برامجها وعملها في لبنان وفي باقي الدول، معتبرة أن ما يحصل من ترويج للممارسات الشاذة وفرض ثقافة الشذوذ على الأطفال، ثم على القوانين عبر المطالبة بتشريعها، أمر يتعدى مسألة النضال من أجل حقوق الإنسان، بل أضحى بمثابة تنفيذ سياسات لإسعاد الشياطين، وأجندة استعمارية تُفرض بالقوة وباللين على الشعوب.
لذا، تدعو “عامل” إلى إعادة النظر بكل الأفكار التي تحاول جهات متعددة فرضها اليوم، ومن بينها التعدي على حقوق المرأة وقضاياها ونضالاتها النسوية من خلال عقيدة الجندرة الجديدة التي تساوي عقيدة اللاهوية الجنسية، ما يفقد المرأة، بعدئذٍ، قدرتها على المطالبة بحقوق ومواقع ومناصب ومكتسبات هي من حقها وحدها، بل أصبحنا اليوم نشهد خلطاً للمفاهيم والمعايير، وما علينا إلا دعم المرأة وقضاياها المحقة، وحمايتها من موجة العبث الجديدة بحقوقها.
كذلك أكدت المؤسسة في بيانها أن كل البرامج الإنسانية التي تنفذ في لبنان مستمدة من حاجات الناس وبالتشاور معهم، وهي تراعي القيم والعادات والمصالح للبيئات المحلية، وتراعي الخصوصيات الثقافية وتنوعها، ولن تكون يوماً جزءاً من معركة الهيمنة الفكرية التي يحاولون فرضها بالأدوات الناعمة والخشنة على مجتمعنا وكل مجتمعات العالم. ودعت “عامل” المؤسسات الإنسانية إلى التصدي لكل أشكال الهيمنة والارتهان والتبعية، وعدم الوقوع في فخ النظام النيوليبرالي وأدواته من خلال الشعارات الرنانة، حيث أثبتت التجربة التاريخية أنها ليست إلا مجرد حصان طروادة تستخدمها هذه الجهات لتحقيق مكاسب مادية، عبر افتعال حروب الهيمنة على مصير الشعوب، والمساهمة في نشر الأوبئة، وتدهور أوضاع البيئة، وتشجيع الانحلال الجنسي، وإضعاف دور دولة الرعاية واعتماد الخصخصة.