المحامي عاطف حسن منصور:حين يغيب العلم… تغيب الدولة في ذكرى عيد الإستقلال
نوفمبر 22, 2025
69 زيارة
المحامي عاطف حسن منصور
almontasher > ليس العلم الوطني مجرد قطعة قماش ترفرف في الرياح، بل هو التعبير الأسمى عن سيادة الدولة ووحدة كيانها وهيبة مؤسساتها. إنه الرمز الذي يختصر تاريخ الشعب وتضحياته، ويجسد وحدة الوطن بألوانه الثلاثة. فحيث يعلو العلم تعلو معه فكرة الدولة، وحيث يهمل تبدأ معالم الإنقسام بالتسلل إلى الوجدان العام.
في الدول التي ترسخت فيها الثقافة الوطنية، يعد العلم ركناً من أركان السيادة لا يقل قداسة عن الدستور أو القضاء. تخصص له ميزانيات ضمن الإنفاق العام، وترفع الأعلام في كل حي وقرية ومؤسسة رسمية أو خاصة.
أما في لبنان، فالمشهد مختلف ومؤلم. نكاد لا نرى علماً لبنانياً مرفوعاً في الشوارع أو المؤسسات، وإن وجد فهو ممزق أو باهت الألوان. حتى المدارس الرسمية والخاصة قلما تخصص مساحة لرفع العلم، وكأن الأجيال الناشئة تربت على الغياب لا على الإنتماء. وطغت الأعلام الحزبية بعددها وإنتشارها على الأعلام اللبنانية، فباتت تملأ الشوارع والساحات فيما العلم الوطني غائب إلا في المناسبات الرسمية وكأنه صار ضيفاً على أرضه.
قانوناً، إن إحترام العلم ليس خياراً معنوياً بل واجب وطني نص عليه مقدمة الدستور اللبناني التي أكدت على إحترام رموز الدولة وسيادتها، كما حدد المرسوم رقم 150 الصادر بتاريخ 7 كانون الأول 1959 مواصفات العلم اللبناني وألزم الإدارات العامة والمؤسسات الرسمية برفعه بصورة دائمة فوق أبنيتها ومراكزها. غير أنّ الواقع يكشف تقصيراً واضحاً في تنفيذ هذا الواجب، ما يشكل إهمالاً إدارياً ورمزياً في آنٍ معاً.
ومن الوجهة القانونية–الإدارية، يعتبر العلم من الرموز الرسمية للدولة التي لا يجوز المساس بها أو إهمالها، إذ يشكل جزءاً من السيادة الوطنية التي يحميها الدستور، تماماً كما يحمي القضاء والجيش والعملة الوطنية. وإهمال رفعه أو تركه ممزقاً يعد إنتهاكاً غير مباشر لمبدأ إحترام الدولة لذاتها، وهو مبدأ ذو طابع دستوري غير مكتوب، لكنه مستقر في الفقه والإجتهاد الإداري المقارن.
ولعل ما يحتاجه لبنان اليوم هو تبني سياسة وطنية متكاملة تعيد الإعتبار للعلم، من خلال إلزام جميع الإدارات العامة والبلديات والمؤسسات التعليمية والخاصة برفعه وصيانته دورياً، وتخصيص إعتمادات مالية لتأمين الأعلام وإستبدال التالف منها. كما ينبغي إدخال موضوع رمزية العلم وتاريخه في المناهج التربوية ضمن مادة التربية الوطنية، وحظر رفع أي رايات حزبية أو فئوية في الأماكن العامة والمرافق الرسمية، بإعتبار أن الساحة الوطنية يجب أن تبقى موحدة تحت راياث واحدة. ومن الضروري أيضاً تشجيع المبادرات المدنية والمدارس على تنظيم إحتفالات دورية لرفع العلم وترداد النشيد الوطني، كي ينشأ الجيل على إحترام رموز دولته لا على التعلق برايات أخرى.
إن إعادة الإعتبار للعلم ليست مسألة شكلية، بل هي خطوة لإستعادة ثقة المواطن بالدولة ذاتها. فالعلم في جوهره هو عنوان الشرعية والكرامة الوطنية، ومرآة الإنتماء المشترك الذي يتقدم على كل ولاء آخر.
صفوة القول،إذا أردنا للبنان أن ينهض من دوائر الإنقسام كما هو اليوم، فعلينا أولاً أن نعيد إلى رمزه الخالد مكانته فوق كل مؤسسة وسطح وسارية ليبقَ العلم اللبناني مرفوعاً رمزاً لكرامة الوطن، وشهادة على وحدة الأرض والإنسان، وعهداً ثابتاً لا تمحوه الأيام.