عقد نقيب اطباء لبنان في بيروت البروفسور شرف ابو شرف ونقيب اطباء لبنان في طرابلس الدكتور سليم ابي صالح مؤتمرا صحافيا حول واقع النظام الصحي وحقوق الاطباء، قبل ظهر اليوم في بيت الطبيب، عرضا خلاله هجرة الاطباء والاوضاع الاقتصادية الحالية التي تعاني منها البلاد.
ابو شرف
استهل ابو شرف كلمته بالحديث عن خطورة هجرة الاطباء، لافتا الى انه “يتفاقم اليأس والغضب في نفوس الأطباء فيحزمون أمتعتهم ويغادرون إلى مراكز علمية واستشفائية تفتح لهم ذراعيها بما يليق بنبوغهم العلمي وبقدراتهم. لقد بدأ رحيل الأطباء مع انطلاقة تحركات 17 تشرين الأول 2019، وزاد كثيرا بعد الرابع من آب الماضي”.
واضاف: “لقد فاق عددهم الألف طبيب حتى الآن، وجلّهم من أصحاب الاختصاص والكفاءات العالية. ان طالبي الافادات من النقابة هم فقط الذين يقصدون فرنسا وبلجيكا، اما الباقون فيسافرون دون ابلاغ النقابة التي تعرف لاحقا بذلك عن طريق الصدفة. ناهيك عن الاطباء الجدد وأصحاب الاختصاصات الذين يغادرون فور تأديتهم قسم اليمين”.
ونبّه ابو شرف الى “نسبة الذين هاجروا أو الطين ينتظرون عروضًا في الخارج، التي اصبحت تتراوح بين العشرين والثلاثين بالمئة. فالفئة العمرية التي تهاجر تتراوح بين ٣٥ و٥٥ عامًا، وهي تشكل عصب القطاع الطبي، وهذه الفئة تشكل الجيل الأساس الذي تعوّل عليه المؤسسات الاستشفائية في العلاج والتعليم. وبالتالي فان هجرتهم ستسبب فراغًا كبيرًا ينعكس سلبًا على الدور الريادي للقطاع الاستشفائي اللبناني”.
وعن وجهة سفر الاطباء اكد ابو شرف انهم يتجهون إلى الدول القريبة كما البعيدة، معتبرًا “ان هجرتهم إلى دول الخليج أو العراق لا تعد خطيرة بسبب إمكانية عودتهم لاحقًا، أما الذين يهاجرون إلى أميركا واوروبا فمن الصعب أن يعودوا إلى لبنان، وهذا ما يسبب كارثة كبيرة على القطاع الصحي. كما هناك العديد ممن يفكرون بالرحيل نهائيًا مع عائلاتهم بعد انتهاء موسم المدارس”.
وعن أسباب الهجرة لفت الى انها “باتت معروفة، و اهمها الأوضاع المعيشية الصعبة، حيث لم يعد مدخول الطبيب يوازي ما يتوجب عليه من التزامات التعليم و المعيشة والسكن، بعدما فقدت رواتبهم قيمتها الشرائية الفعلية. وجاء انفجار مرفأ بيروت الذي تسبب بهدم أربع مستشفيات جامعية، ناهيك عن المنازل والعيادات التي لم ترمم حتى الآن إلا بشكل جزئي”.
واكد: “واتت أزمة كورونا لتزيد الطين بلّة، اذ وضعت الجميع أمام حالة صحية صعبة، فبتنا نعاني من نقص في المعدات والمستحضرات الطبية والأسرّة، خاصة في العناية الفائقة، ومن عدم القدرة على مساعدة المرضى، ومن نقص الطاقم الطبي المدرّب، فضلا عن ان الادوية المخصصة للعلاج باتت تنقص في الصيدليات”.
وشدد على “أن أزمة كورونا وخفة التعاطي مع الأطباء في أبسط حقوقهم المتعلقة بالحماية والتجهيزات الوقائية والتعرفة قد حسمت الأمر بالنسبة لهم، فالتعرفة اصبحت هزيلة، وكذلك تتأخر الدولة في صرف الرواتب والمستحقات، وليس لدى المريض ما يكفي من المال لدفع تكاليف علاجه، كما لا يستطيع الطبيب زيادة سعر المعاينة على المريض غير المقتدر”.
وتابع ابو شرف: “فبات الطبيب يعمل بشكل شبه مجاني، ومع كل ذلك فهو يتعرّض بين الحين والآخر للعنف الجسدي أو اللفظي، ولا قوانين تحميه، علمًا أن النقابة تقدمت بمشروع قانون حصانة الطبيب وتوقيف وتغريم وتجريم كل من يعتدي على طبيب لفظيًا أو جسديا وبمشروع قانون ضمان صحي للطبيب مدى الحياة، إذ ان الطبيب لا يستفيد من الضمان الصحي بعد تقاعده وبمشروع قانون إعتبار الطبيب المتوفي أثناء معالجته مرضى كورونا شهيد الواجب”.
واضاف: ” كما طالبت النقابة برفع التعرفة الرسمية لأتعاب الأطباء من قبل الجهات الضامنة الرسمية والخاصة، كي لا تأتي على حساب المريض. وقد قدمنا عدة دراسات حول هذا الموضوع وطالبنا مرارا وتكرارا الوزراء المعنيين بأخذ هذه الامور بعين الاعتبار خشية من الاسوأ، فطالبنا بربط التعرفة بمؤشر غلاء المعيشة، واعتماد سعر المنصة الرسمي كحد أدنى، لكننا للأسف لم نلقَ آذانًا صاغية”.
حبذا لو أقرّت هذه المطالب تقديرا وتكريمًا ووفاء لهذا الجيش الأبيض الذي لم يتوان يوما وخاصة في زمن الكورونا ،عن التضحية بنفسه من أجل إنقاذ مريضه. ناهيك بأننا أصحاب حق, ومن المعيب أن يشحذ الإنسان حقه.
وتأسف قائلًا: “كفى إذلالا واستعطاء. اننا نؤدي واجبنا بمهنية عالية وإنسانية، وعلينا ان نعمل سويا لنحصّل حقوقنا ونحافظ على كرامتنا. ان هجرة الأطباء خيار كارثي على القطاع الصحي. ولبنان مستشفى الشرق في دائرة الخطر. علينا أن نتحرك سريعًا لنحافظ عليه قبل فوات الأوان”.
واكد: “صحيح ان اطباءنا يغادرون آسفين لتركهم أهلًا وأحباء، ووطنا أحبوه وأرادوه بيتًا للصلاة، فإذا به على يد سياسييه مغارة للصوص. فهم يغادرون لاعنين من اوصلوا البلاد إلى هذه الهاوية من البؤس والفقر والذل. يغادرون بحثًا عن نظام يُطبّق وقانون يُحترم ودستور فوق الجميع وكرامة تُحفظ. يغادرون وكلهم شوقٌ إلى بلاد شعبها قائد لا قطيع، وساستها رجال دولة تحمي بلادها والعباد من الشر والبلاء والجوع والهجرة. يغادرون وفي عتمة قلوبهم حنين إلى وطن الحرية والسيادة والإستقلال، وطن الحق والعدل والعلم والجمال”. وختم ابو شرف مشدّدًا: “لكن الهجرة ليست الحل الامثل لبناء الوطن. واللبناني يبقى غريبا اينما حل خارج وطنه. فلنتعاون على ابعاد الفاسدين واعادة البناء على اسس سليمة قوامها أصحاب الاخلاق والكفاءة والعدل. فيرجع لبنان بلد الحق والخير والجمال”.
ابي صالح
بدوره، ألقى النقيب أبي صالح كلمة قال فيها: “نكرّس مؤتمرنا هذا للتحذير من الانهيار الكامل المنتظر للقطاع الصحي اللبناني بسبب السياسات المعتمدة، التي وللأسف وضعت جانباً كل الإقتراحات التي سبق وقدمناها كنقابة لمنع هذا الانهيار، ووضعت بالمقابل مصالح كبار المحتكرين كأولوية فوق صحة المواطن والمجتمع وهذا ما تجلى فيه عدم دفع مستحقات الأطباء التي وعدوا بها منذ شهور طويلة وهي بدلات أتعاب تعود الى الأعوام 2019 و2020، بالإضافة الى المصالحات عن الفترة الممتدة لحوالي 10 سنوات خلت ما أدى الى إنحدار حوالي 75% من الأطباء الى مستوى الفقر، مما أثر على قدراتهم المالية وإغلاق العديد من العيادات بسبب عدم قدرة الأطباء على تحمل كلفة تشغيلها الباهظة الناتجة عن الأرتفاع الجنوني بسعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية وجشع التجار المحتكرين لإستيراد الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية في ظل اصرار السلطة اللبنانية الممثلة بوزراة الصحة العامة على عدم اللجوء الى الإستيراد المباشر من دولة الى دولة عندما شحت العملات الأجنبية في منتصف 2019، وعدم إعتمادها سياسة دعم وتحفيز الأطباء، خاصة مع تفشي داء الكورونا وإستشهاد عدد كبير منهم وتشريد عائلاتهم وتركها بدون معيل، خاصة مع حجز صناديق النقابة من قبل المصارف.
واعتبر “أن هذا الوضع المالي السيء دفع بأكثر من ألف طبيب الى الهجرة، بحثاً عن مورد مالي لتأمين متطلبات الحياة والدراسة لأبنائهم داخل وخارج لبنان، خاصة أن جمعية أصحاب المصارف بالتكافل والتضامن مع الطبقة السياسية الحاكمة قد صادروا مدخراتنا كما مدخرات سائر اللبنانيين ما حرم أبنائنا من متابعة دراستهم الجامعية خاصة خارج لبنان.
في موضوع لقاحات الأطفال ولقاحات الكورونا، لفت أي صالح إلى أنه “حذرنا من مغبة ترك قسم من المقيمين على الأراضي اللبنانية فريسة أمام جشع المتاجرين بصحة الناس وبالأمن الصحي خاصة أن الأرقام المنشورة تبين أن قسم من اللبنانيين يتعدى المليون وستماية ألف مواطن لن يشملهم اللقاح بحجة التمويل وضرورة اللجوء الى القطاع الخاص الذي سيستعمل مدخراتنا في المصارف لتحقيق الأرباح ويبدو أن الأمور بدأت تتضح أنها تسير في هذا الإتجاه”.
وأضاف: “أمام هذه الوقائع نتوجه الى اللبنانيين كافة لنعلمهم بأن أمنهم الصحي في خطر فمن بقي من الأطباء متمسكاً بأرضه ووطنه مضحياً في سبيل أداء واجبه المهني والإنساني تجاهكم أيها اللبنانيين. إن طرد أبنائهم من الجامعات حيث يدرسون، وتعريض حياتهم للخطر في محاربة تفشي داء الكورونا حيث أن جزء منه (سيتعدى الثلاثين بالمئة) لم يتلقوا اللقاح، بالإضافة الى إرتفاع كلفة معيشة عائلاتهم في لبنان قد يدفعهم الى الهجرة لتأمين الحد الأدنى من تكاليف المعيشة والإحترام والتثقيف الطبي الذي لم يعودوا قادرين على متابعته بسبب إرتفاع الكلفة (كلفة التسجيل في المؤتمرات العلمية والمنشورات الطبية الدورية والتدريب على التقنيات الجديدة). وهذا سيكون بمثابة رصاصة الرحمة على الأمن الصحي للبنانيين تطلقها الطبقة السياسية التي حكمتنا منذ ثلاثين سنة وحتى الآن، لهذا نقول لكم ان معركتكم في سبيل أمنكم الصحي هي ضد هذه الطبقة وليس ضد الأطباء الذي سيضطرون آسفين رفع بدلات اتعابهم أسوة بباقي الشرائح والفئات الإجتماعية”.
وتابع: “نطالب مرة اخرى الدولة اللبنانية بإعتماد الدراسة الإقتصادية التي أعدتها نقابتنا وقدمناها الى الجهات المعنية في وزارة الصحة ولجنة الصحة النيابية والجهات الضامنة، لتحديد بدلات أتعاب الأطباء، وكذلك نطالب بدفع مستحقاتنا من السنوات الماضية بأسرع وقت ودون تلكؤ ودون أعذار بيروقراطية بين الوزارات المعنية، فضلا عن التصديق على مشاريع القوانين التي قدمناها الى مجلس النواب خاصة مشروع القانون الرامي الى إعتبار شهداء الجسم الطبي والتمريضي نتيجة إصابتهم بداء الكورونا أثناء تأديتهم مهامهم، وإعتبارهم كشهداء القوات المسلحة، ومشروع حماية الأطباء من الإعتداءات اللفظية والجسدية وتجريم المعتدين ومشروع قانون ضمان الأطباء بعد التقاعد وتعزيز الراتب التقاعدي، ودفع مستحقات الأطباء في الفترات اللاحقة ضمن المهلة التي حددها القانون اللبناني والتي لا يجب أن تتعدى الثلاثة أشهر، وحماية مدخرات النقابات من التضخم والحفاظ عليها وعلى قيمتها العملية”.
وختم أبي صالح مؤكدًا “إن الإستمرار في سياسة المكابرة والتجاهل ورمي المسؤوليات من قبل السلطة اللبنانية وعدم الإسراع في تنفيذ هذه المطالب المحقة التي إجازها لنا القانون اللبناني سيدفعنا آسفين الى إتخاذ خظوات تصعيدية ومؤلمة، نطلب بالحاح من اللبنانيين تفهمها، كما نطلب منهم الوقوف الى جانب نقابتي الأطباء في تحركهما اللاحق، ضد هذه السلطة في سبيل الحفاظ على الأمن الصحي والاقتصادي للمجتمع اللبناني ونقول بالفغم الملآن اننا اليوم لسنا بحاجة الى ترقيع ثوب مهلهل إنما بحاجة الى تغير الثوب كليًّا”