أطلقت أزمة الديون الأميركية إنذارًا جديدا، وهي الأزمة التي تلوح بقوة في الأفق بدءًا من منتصف العام الجاري، والتي انطلقت شراراتها مع اندلاع معركة رفع سقف الدين وتجددت مع تحذيرات من إغلاق حكومي كان قاب قوسين أو أدنى.
ومن جديد يتم إطلاق صافرات الإنذار، بعد صدور بيانات الخزانة الأميركية التي كشفت عن أن واشنطن أنهت العام المالي الذي ينتهى في سبتمبر بعجز مالي يقترب من 1.7 تريليون دولار بزيادة 23%.
وكانت التوقعات تشير إلى احتمالات أن يبلغ عجز الميزانية في الولايات المتحدة أكثر من 2 تريليون دولار.
بيد أن النهاية الفعلية أسفرت عن خلل في الميزان التجاري قدره 1.695 تريليون دولار، بزيادة بلغت نحو 320 مليار دولار.
ضغط الدفاع
وتتزامن تلك الأنباء السلبية مع طلب الرئيس الأميركي جو بايدن من الكونغرس تخصيص 105 مليارات دولار لأولويات الأمن القومي والدفاع، بخلاف مخصصات دعم أوكرانيا والتي تعد نقطة خلافية بين الجمهوريين والديمقراطيين، والتي كانت سببًا في الإطاحة برئيس مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي بعد تمرير قانون منح الحكومة الفيدرالية فرصة لتجنب الإغلاق وهو الاتفاق الذي أثار حفيظة الجمهوريين ودفعهم لعزل مكارثي.
ولا تزال مخاطر الإغلاق الحكومي تلوح في الأفق حيث إن اتفاق النواب الأميركي يسمح بالعمل حتى شهر نوفمبر المقبل فقط، تزامنًا واختمار الأزمة واستمرار الخلافات الجذرية بين الجمهوريين والديمقراطيين.
سبب العجز
وجاء العجز الضخم مع انخفاض الإيرادات بمقدار 457 مليار دولار مقارنة بالعام الماضي وانخفاض النفقات بمقدار 137 مليار دولار فقط، حيث بلغ إجمالي النفقات لهذا العام 6.134 تريليون دولار.
ويضيف العجز في الميزانية إلى إجمالي الدين الأميركي الضخم، الذي بلغ 33.6 تريليون دولار في وقت سابق من هذا الأسبوع.
تضاعف مرتين
وقد تضخم الدين في الموازنة الأميركية في أقل من ثلاث سنوات ليقفز من 10 تريليونات دولار منذ الربع الأول من عام 2020، عندما ضربت جائحة كوفيد – 19 إلى أكثر من 32 تريليون دولار.
ومن بين النفقات الحكومية العام الماضي التي غذت هذا العجز نحو 659 مليار دولار ذهبت لتسديد صافي الفوائد على الديون المتراكمة، ارتفاعا من 475 مليار دولار في السنة المالية 2022.
متفائلون
وقالت وزيرة الخزانة جانيت يلين: “إن الإدارة ملتزمة بمعالجة التحديات التي تواجه التوقعات المالية على المدى الطويل”.
وأشارت وزيرة الخزانة جانيت يلين إلى العديد من الإجراءات التي قالت إنها ستؤدي إلى خفض العجز خلال العقد المقبل.
وقالت يلين: “إن الاقتصاد الأميركي لا يزال مرناً على الرغم من الرياح المعاكسة العالمية، مشيرة إلى أن التوقعات السابقة بأن الولايات المتحدة ستقع في الركود على مدار عام 2023 لم تتحقق”.
رفع الفائدة
وفي إشارة إلى تداعيات رفع الفائدة لأعلى مستوى في 22 عامًا من جانب الفيدرالي، فقد أصبح تمويل الديون أكثر تكلفة بشكل ملحوظ خلال العام الماضي.
وقام بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة القياسية في محاولة لمكافحة التضخم بمقدار 5.25%.
وفي غضون ذلك، استجابت عوائد سندات الخزانة لرفع الفائدة، حيث ارتفع عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات من مستويات الـ1% في 2020 لتغازل الآن مستويات الـ 5%.
تأجيل الانفجار
وفي منتصف العام الجاري، نجحت واشنطن في التوصل لاتفاق بخصوص رفع سقف ديون الحكومة الأميركية البالغ 31.4 تريليون دولار، بعد مفاوضات عسيرة وطويلة.
وووفقًا لبنوك عالمية ومؤسسات التصنيف الدولية من دون التوصل لاتفاق، يمكن أن تواجه الولايات المتحدة تخلفا عن السداد له تداعيات كارثية، قد تطيح بأسواق المال العالمية وتدفع العالم إلى أزمة ثقة عميقة.
ولا يمكن للحكومة الأميركية تخطي مستوى سقف الدين الذي حدده الكونغرس، وقد رُفع السقف مقدار 2.5 تريليون دولار في ديسمبر 2021 ليصل إلى ما يقرب من 31.4 تريليون.
ويوجد نحو 8.5 تريليون دولار من هذا الدين، يشمل الصناديق الحكومية مثل الضمان الاجتماعي وصناديق التقاعد الحكومية المختلفة، وهذه الصناديق تشتري الديون الأميركية.
تاريخ الديون
اعتمدت واشنطن على الاستدانة منذ نشأتها، حيث بلغت ديونها خلال حرب الاستقلال بحلول عام 1791 ما يقرب من 75 مليون دولار.
وأدت فترة الكساد العظيم في الثلاثينات من القرن الماضي إلى نمو الدين العام، حيث ارتفع من 65 مليون دولار عام 1860 إلى مليار دولار عام 1863، وحوالي 2.7 مليار بعد وقت قصير من انتهاء الحرب عام 1865.
ونمت الديون بشكل مطرد خلال القرن الـ20، لتبلغ حوالي 22 مليار دولار بعد أن موّلت البلاد مشاركتها في الحرب العالمية الأولى والثانية.