محمد فحيلي – خبير مخاطر مصرفية وباحث في الاقتصاد
التركيز على أموال المودعين، دون أي شيء آخر، يخفي وراءه نوايا شيطانية…
إضافة إلى ضرورة التكليف والتأليف اليوم، لكي يكون لنا حكومة كاملة ومكتملة الصلاحيات والواجبات، هناك انتخاب رئيس للجمهورية خلال أشهر قليلة. أهمية هذه الاستحقاقات الدستورية، هي أن لبنان يقف هذا العام أمام تحديات ترتبط بصياغة خطة تواجه الاضطرابات النقدية والمصرفية وتلتزم بشروط صندوق النقد الدولي وتعمل على معالجة أزمة الطاقة. هذه الاستحقاقات كلها تستوجب وجود السلطتين التشريعية والتنفيذية مكتملتين.
هناك كم من القوانين والخطوات الإصلاحية التي سوف تكون الشغل الشاغل لمكوّنات السلطة السياسية، وكلها تصبّ في بحر القطاع المصرفي، لأن هذا القطاع كان ركيزة الاقتصاد اللبناني الأساسية لجهة تأمين السيولة المتوجبة لدعم نشاطات القطاع الخاص الإنتاجية. سافر وتوسّع مع لبنان الاغتراب ليبقي صلة الوصل مع الوطن الأم، وطور كوكبة من الخدمات المصرفية التي ساهمت في تحسين مستوى العيش لعدد كبير من اللبنانيين أصحاب الدخل المحدود. وأخيراً وليس آخراً، أمّن السيولة المطلوبة لتمويل العجز في الموازنة العامة لسنوات عديدة (وليته لم يفعل!). لذلك نجد التركيز على القطاع المصرفي و#ودائع الناس.
قد يكثر الحديث في الأيام المقبلة عن قانون #الكابيتال كونترول وتعديل قانون السرية المصرفية وقانون هيكلة القطاع المصرفي، ودائماً “أموال المودعين” تكون نقطة تلاقي كل هذه القوانين. كثرت الاقتراحات والاجتهادات لجهة معالجة هذه المشكلات المترابطة والمتشابكة بمسبباتها وحلولها.
-
اطمئنان المودع على أمواله في المصرف هو رهن إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
-
الحد من الخسائر في سياق إعادة هيكلة #المصارف مرتبط عضوياً بقدرة الدولة على إعادة رسملة مصرف لبنان.
-
الموارد المتوفرة لدى الدولة حالياً تحدّ من قدرتها على إعادة رسملة مصرف لبنان.
-
تعزيز وتمكين الدولة لمعالجة الأزمة (أو الأزمات) الاقتصادية المتعددة الجوانب والأوجه، هو رهن رغبتها في (لأنها قادرة على) إقرار وتنفيذ الإصلاحات الضرورية والمطلوبة من صندوق النقد الدولي والدول المانحة.
الاستقرار والنمو في القطاع المصرفي يعتمد على فعالية السلطة النقدية في إدارة الأزمة، نقديةً كانت أم اقتصادية، المناخ الاستثماري في البلد، وطبيعة وحجم النشاط الاقتصادي. لذلك هناك عوامل كثيرة تؤثر على أداء البنوك وفاعليتها في تعبئة الودائع وتقديم الائتمان، وبالتالي دورها في تمويل النشاط الاقتصادي. لذلك سلامة عملياتها وصحة سياساتها تعتبر من المقتضيات الأساسية لتطور ونمو الاقتصاد ذاته، واستمرار استقراره وإمكانية تحقيق أهدافه. وليس من المستغرب الوقوف عند أداء النظام المصرفي اللبناني بشكل عام وتحديد دوره، وما هي العوامل المؤثرة عليه سلباً وإيجاباً، وذلك حتى نتفادى السلبيات ونثمِّن الإيجابيات ونحدّد مَواطن الخلل على المستوى النقدي.
الكلام عن النظام المصرفي في أي اقتصاد يتضمن عناوين كتمويل التنمية، الادّخار، الإصلاحات، الودائع المصرفية، الطاقة الإيداعية، الوعي المصرفي، الثقة، انتشار المصارف، الكثافة المصرفية، التطور المالي والفاعلية. الفشل في الوصول إلى خاتمة حميدة في مقاربة الحلول للمشاكل التي يتخبّط فيها القطاع المصرفي اللبناني يعود إلى الهدف الوحيد الذي وضعته السلطة السياسية في مقاربة موضوع إعادة هيكلة ورسملة المصارف، وهو “إنقاذ مكونات السلطة السياسة وإعفاؤها من مسؤوليتها في الفساد وهدر المال العام”. لم يكن إنقاذ وإعادة الحياة وعافية الاقتصاد المحلي هدفاً لها أبداً.
“خطة التعافي المالي” التي أقرتها حكومة الرئيس ميقاتي في اجتماعها الأخير ليست الحل المطلوب لإنقاذ الاقتصاد اللبناني، وليست الحل الذي يعيد الحياة إلى القطاع المصرفي ويمكّنه من خدمة الاقتصاد. الحلول متوفرة في العودة إلى تعميم مصرف لبنان الأساسي رقم 154 (تاريخ 27 آب 2020) الذي يحدد مكامن الضعف ويطرح آلية لمقاربة معالجة معظمها، ولذلك يجب أن يكون الممر الإلزامي لأي إصلاح للقطاع المصرفي. تهميش العمل بأحكام هذا التعميم من قبل السلطة النقدية ومن قبل المصارف ليست مصادفة، وغض نظر مجموعات حماية المودعين (حتى الحقوقيين منهم) عن هذا التعميم هو أمر مقلق!
لماذا الحديث عن قانون إعادة هيكلة المصارف وإجراء تقييم شامل لأكبر أربعة عشر مصرفاً من قبل مكتب استشارات دولي في الشروط المسبقة للاتفاق المبدئي (SLA) بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي في ظل وجود، أو من دون ذكر، التعميم الأساسي لمصرف لبنان رقم 154. يطلب المجلس المركزي لمصرف لبنان من المصارف العاملة في لبنان ضمن أحكام هذا التعميم:
-
أن يقوم، كل مصرف على حدة، بعملية تقييم عادل وشامل لموجوداته ومطلوباته تساعده على وضع خطة إنعاش وإنقاذ بغية تمكينه من الاستمرار في خدمة الاقتصاد الوطني.
-
أن يقوم كل مصرف بحثّ عملائه، الذين قام أي منهم بتحويل ما يفوق مجموعه 500 ألف دولار أميركي إلى الخارج خلال الفترة المبتدئة من 1 تموز 2017 حتى صدور هذا القرار. ومن رؤساء وأعضاء مجالس الإدارة وكبار المساهمين والإدارات العليا التنفيذية للمصارف وعملاء المصارف من الأشخاص المعرضين سياسياً (PEP) تُعْتَمد نسبة 30% بدلاً عن 15%، على أن يودعوا في “حساب خاص” مجمّد لمدة 5 سنوات، مبلغاً يوازي 15% إلى 30% من القيمة المحوّلة. الحساب الخاص معفى من التوظيفات الإلزامية.
-
حث المستوردين على أن يحولوا من الخارج مبلغاً يوازي 15% من قيمة الاعتمادات المستندية المفتوحة في السنوات 2017، 2018، 2019.
-
يمكن دفع فوائد على الحساب الخاص دون التقيّد بسقوف.
-
على أن يقوم كل مصرف باستعمال، بشكل أساسي، هذا النوع من الودائع لتسهيل العمليات الخارجية المحفّزة للاقتصاد الوطني.
-
أن يقوم كل مصرف بتكوين حسابٍ خارجي حرٍّ من أي التزامات لدى مراسليه في الخارج لا يقل، في أي وقت، عن 3% من مجموع الودائع بالعملات الأجنبية.
-
على كل مصرف، وبنتيجة تقييم أوضاعه إفرادياً، أن يتقدم من المجلس المركزي لمصرف لبنان للاستحصال على موافقة إعادة تكوين رأسماله و/أو زيادته، وفقاً للحاجة، وبعد أن يكون قد أتمّ التقيّد بسائر النصوص القانونية والأنظمة المصرفية السارية.
-
يتعرض كل من يتقاعس عن تطبيق أحكام هذا القرار، ووفقاً للحالة، لأن تُتّخذ بحقه التدابير والعقوبات المنصوص عليها في القانون 44/2015 (مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب).