رسامة تعبيرية واقعيةٌ تمزِج ألوانها بتراثِ بلدها الغنيّ الذي يقع على تقاطع ثقافاتٍ وحضاراتٍ تعاقبت عليه أو مرّت من عنده. وهي إذ تُحافِظ على هويّتها الثقافية وخصوصّيتها الوطنية تنفتِحُ في الوقتِ عينه على الحداثة والتجريب والتعبير بالريشة واللون عمّا يعيشه الكائِنُ المُعاصرُ من شؤونٍ وشجونٍ وتطلّعات. كأنّ فرح ألوانها ما هو سوى مُحاولة للتخفيف من وطأة الأوجاع التي تُصيب كلاًّ منّا في رِحلة العُمرِ بين مهدٍ ولحد.
موهوبة، لمساتها ساحرة ، ومن خلال فرشاتها تحادثك بألوانها، الأزرق ، الوردي الصبياني، والبرتقالي الشبابي، والأصفر، والبنفسجي للبلوغ، ومن ثم في بذور العمر المتقدم، حيث الطلاء الأحمر. انك تشعر بالسعادة عند النظر الى اي لوحة من لوحاتها مما يجعلك تسأل بماذا كانت تفكر الرسامة ” فأنا لا أرسم بيدي وإنما بروحي، وفرشاتي التي تخط احاسيسي ومشاعري”
وتقول الرسامة التشكيلية فاتن خليل : اصف عملي بإرث إبداعي للمدرسة التعبيرية الحديثة، حيث اخفي من خلال الشخصيات التي ارسمها قَصَصا عن البيئة التي اعيش فيها ، المؤلمة والغامضة والمتوترة. فإن كل عنصر في اللوحة هو عبارة عن قصة اريد فقط من الناس الخوض فيها واستكشافها، فهي مستوحاة من الحالة التي اعيش فيها في وطن مسلوب الهوية،إذ احلم بالسلام الداخلي والخارجي واطمح بأن يعيش مجتمعنا العربي بسلام وطمأنينة واستقرار وازدهار، فقد استعنت بالمرأة الحالمة القوية وما لها من دلاله روحية وما قدمته من تضحيات واضحه انعكاساتها على المجتمع البشري لكي اعبرعن قدسية الموضوع وعن الهوية والمواطنة. أما الحيوانات والطيور لها معاني تاريخية مجازية مما يمنح العمل الفني ميزة غامضة ومثيرة للتعليق.
وعن الدوافع الى امتهان هذا الفن التعبيري تؤكد فاتن: ان اهم قضية لعبت دورًا كبيرًا في تحديد توجهاتي الموضوعية في مقاربة الأعمال التي أقدمها هي “السوداوية” بكافة أسبابها الإنسانية حتى أنني تناولتها كموضوع لرسالة “الماجيستير” في الفنون التشكيلية الخاصة بي.وغالبًا ما أركز في أعمالي على تناول المواضيع التي تخص الطفل والمرأة وموقعهما الإنساني في عالمٍ شرس يسحق العدالة باستمرار.
متزنة
ولذلك ارى مسيرتي الابداعية متزنة من ناحية عمقها في تناول الوجع الإنساني بكافة أشكاله، ولكنني توقفت لفترة ليست بسيطة لانني تفرغت لأمومتي، ولكن سرعان ما عدت إلى الفن بنظرة أكثر واقعية ووَعي بكل ما يحيط بي كامرأة وأم وفنانة من سقوط للمبادىء الإنسانية الكبرى التي كان يجب على الإنسان احترامها وتبنّيها أثناء وجوده على الأرض، غير أنه اختار بدلًا عنها حب السلطة والاندفاع نحوَ النزاع.
الدولة المتحضرة
وماذا تقول عن الأدوار التي تضطلع بها الفنون والثقافة في التغيير الاجتماعي أو الاقتصادي أو البيئي أو السياسي؟أتصوّر أنّ قطاع الفنون والثقافة لا يقل أهمية عن باقي القطاعات الحيوية التي تتألف منها أية دولة متحضرة في العالم، بل يفوقها من ناحية كونه مدخلًا لتعارُف الشعوب فيما بينها وبالتالي الانفتاح على حضارات جديدة. ما يمهّد السبيل تلقائيًا نحوَ معرفة أكثر شمولًا وَوَعيٍ أكبر بباقي المرافق الحيوية الأخرى اجتماعية كانت أم بيئية أو اقتصادية وسياسية.
تحديات
وعن التحديات والعقبات التي تواجه الفنانين والمشاريع الإبداعية في لبنان حاليًا؟تقول فاتن :
لقد شكّل انتشار فيروس كورونا والنزاعات السياسية الداخلية نقطتين مفصليّتين يتوقف عندهما مستقبل البلد بأكمله وليس فقط قطاع الفنون. ولأكون أكثر تحديدًا فإنني أخشى في ظل هذه الظروف الصعبة أن يتحول الفنان اللبناني إلى لاجئ في بلده وفي الخارج، خصوصًا مع تعطّل أكثرية المشاريع الإبداعية التي كانت مدينة بيروت ست الدنيا أو لبنان “سويسرا الشرق” كما ندعوه، تحتضنُها أملًا في مستقبل أكثر إشراقا لفنانيها على اختلاف تخصصاتهم.
الم
وهل اُثر انفجار المرفأ على عملك كفنانة وعلى مسيرتك الإبداعية؟ قالت شأني شأن أي مواطن لبناني، صدمني الحدَث خصوصًا أنني من سكان منطقة مار مخايل القريبة من موقع الانفجار ما تسبّب بدمارِ معظم أركان مُحتَرَفي وتَلَف أكثر من ثمانية أعمال كنت أعكف على العمل بها. لقد أصبتُ بألَم حقيقي أثرُهُ ما زال الى اليوم، مع شعورٍ فادحٍ بانعدام الأمان. وأظنّ أنها حال كل لبنانيّ سواء كان يحترف الفن أم لا.