الكموج والأربعون فهيم …
من سلسلة “وقَهْقَهْ وقَهْقَهْ وقَهْقَهْ…” – 2
وبِتَسلسل كموجي (أي عشوائي، فوضوي غير خلّاق) نورد القليل من عجائب لبنان ألّانهاية لها والمتجدّدة أبدا.
ولأنّ الكموج غالبًا ما يبحث عن مشكلة لكلّ حلّ، لذلك، ومن المفارقات (مبعثرة) التي لا تفارقنا:
الفهيم، ممثّل الكُموج جمعاء، حسب المادة 27 من الدستور اللبناني (1)( والأجدر تسميته بالمستور اللبناني مع الإختلافات على تناقضاته)، يتفقّه في تفسير المواد وخلفية المشترع … هربًا من مغبّة تطبيقها.
لقد تعطّل البلد بجميع إداراته وتعطّل مجلس القضاء الأعلى، وزيادة في الإحتياط، أي كي لا يتسنّى إصلاح أيّ أمر بأيّ شكل، أعلن المحامون الإضراب العام والتام عن متابعة قضايا موكّليهم (وهي مخالفة أخلاقية وقانونية معًا) في المحاكم المتوقّفة عن العمل. ومع هذا يختلف الكُموج على صلاحية من يسمّي القضاة في المحاكم المعطّلة، هي وحياة الناس. والأنكى، عملًا بمبدأ فصل السلطات وتأكيدًا لإستقلالية السلطة القضائية، عمد الفهيم الحكومي إلى تشكيل لجنة تجمع جميع المطلوب إبعادهم عن القضاء، وبالتالي منعهم من التدخّل فيه، كي يحدّدوا، للقضاء هذا، كيف يقضي على ما تبقّى من إستقلالية لديه. فهمت شي؟
بلد من دون كهرباء على مدى 40 عامًا وأكثر الوعود تتنقّل من 24/24 إلى 18/24 فإلى 8/24 وإخيرًا إلى 2/24 وما زال “النضال” الكموجي قائمًا فيه على تعيين الهيئة الناظمة لـِ”لتغييب” الكهرباء. وهذه هيئة من هيئات (أم هي هيهات) ناظمة ستُعْنى بتغييب كلّ خدمة عامة أو أيّ عمل لمرفق عام والتي هي، على فكرة، هيئات تأتي رديفة لمؤسّسات إستبدلت سابقًا بمجالس التي جاءت في الأسبق بديلة لوزارات كانت هي في بداية الأمر ولية أمر الفهيمين (المواطنين)، وقد جرى كلّ ذلك ويجري بذريعة التعويض عن تقصير الوزارات، ومنذ تأسيسها، في إدارة شؤون البلاد.
وقبل الإسترسال في تشويق القارىء، وللجواب على سؤاله الأكيد: “ما بالك يا حيّان مسكون بهذا الكموج، وما هو الكموج؟” إشرح لنا، نقول:
سأل أحدهم الإمام الإشبيلي: ما هو الكموج؟ فاستغرب الإشبيلي، وقال: وأين قرأت هذه الكلمة؟ فأجابه بكلّ ثقة.. في قول الشاعر: “وليل كموج البحر أرخى سدوله”، فقال الإشبيلي: الكموج هو دابّة تقرأ ولا تفهم !
واللبناني فهيمٌ يتألّم، يتأقلم .. ولا يفهم ! والآن..؟ صار فينا نكمِّل؟
الكموج يريد للبنان أن يشبهه.. أو أنّه قد إختلطت الأمور عليه (وعلينا أيضًا) فإنّ لبنان يريد التشبّه بالكموج الذي لا يشبهه؟
حضر الكموج حوارًا بين الفهيم والبهيم وإحتار عندما إختلف الفهيم مع البهيم ومع ذلك إختلطت الأفاهيم بالأباهيم (للتوضيح فإنّ علاقة الأباهيم بالبهيم هي نفس علاقة الأفاهيم بالفهيم !) وإحتار الكموج واحتارت السلطة الفهيمة معه.
يا كُموج لبنان … إتّحدوا !
وقد جمعناهم من كلّ وادٍ كموج، لأنّ في لبنان في يد كلّ طائفة عصا..
في لبنان، الحجة العلمية تقنع أربعين عالم ولكن أربعين حجّة علمية لا تقنع كموجًا واحدًا،
في لبنان، السؤال دائمًا ما يطرح نفسه، وليس الكموج يطرح السؤال،
في لبنان، الفساد يتسبّب بالإنهيار، والكموج لا يعرف فاسد واحد.
الكلّ يعني الكلّ منشغل، منهمك، منكبّ على رسم الخط 29 في البحر، ولا كموج، أكرّر، ولا فهيم يسأل عن إمكانية إستغلال الثروة الوطنية في باقي “بلوكات” البحر وعددها عشرة، أو يتساءل لماذا يتكبّد المُكَلَّف اللبناني مصاريف هيئة النفط والغاز المعينة منذ العام 2012 ومجلسها العجائبي التركيب، “التداوري التشاوري التوافقي” الصلاحيات الميثاقية، وأعضاؤها يقبضون شهريًّا 133000 من “الفريش” والكموج يتساءل من بعيد: هل “الفريش” عادةً ما يكون في المأكولات أو أنّه في الدولارات؟
في لبنان يتحوّل الكموج من سلعة إلى سلعاتا (إنتخابية)، مع الحرص على بقاء الأمور “زيْ ما هيّي”،
وشعار “لا داعي للهلع” مع الليرة أصبح شعارًا للدواء والقمح والنفط والغاز والكهرباء والغذاء … ولا يهمّك… والبلد ماشي (… إلى ؟).
يا كموج… لقد أصبحت عاصمتك أغلى عواصم العالم (حسب تقرير البنك الدولي) وأصبح مواطنك أفقر ناس العالم، وقد صُنّف بلدك ما قبل آخر دولة في مقياس السعادة عالميًّا… والفهيم، ولي أمرك، دائمًا ما يسلك الطريق التي أوصلت البلاد في الأساس إلى الهلاك وأنت ما زلت تتوقّع نتائج مختلفة للتي وقعنا فيها.
البلاد في عتمة والكموج يفكّ سرّ القول “أن تضيء شمعة خير لك من أن تلعن الظلام”. والظلام يكاد أن يصبح ظلاميًّا، وقد أصبح بالفعل، والكموج يتقصّى معاني الشاعر “أرى الشمع يبكي في مواقده من حرقة النار أم من فرقة العسل؟” ويريد أن يعرف علاقة ذلك بالردّ البليغ عليه “ما ضرّ بالشمع إلّا صحبة العسل”(*) ؟ والفهيم يتساءل: مَن عليه أن يُجالس في غابة لبنان هذه؟.
والفهيم، الذي لا يتقن العمل إلّا بنظام “خاسِر – خاسِر” … فقط نكاية بالآخر، يدرس لسنين (ومرّت) التدقيق الجنائزي (مزيج من جنائي وجزائي) والبطاقة التمويهية (مزيج من التمويلية والتموينية) كي لا يطبّق أيّ منها، ممّا ذكّرني بالكموج الذي كان يشعر بالجوع والعطش بنفس القدر وقد مات لأنّه لم يستطع الإختيار بين التبن والماء.
حقيقة، ما ضرّ بالفهيم إلّا صحبة الكموج.
(إقرأ في عددنا القادم: “… عن الكُموج في عالم العلوج” !)
.
بيروت، في 6 نيسان 2022م. حيّان سليم حيدر
__________________________________________