يعيش لبنان ازمات متتالية نتيجة التعثر في بنية نظامه السياسي، وعدم تطوير القوانين والتشريعات وتحديثها كما يجب، بل تماشت مع العقلية التي كانت سببا في تقويض اسس مكونات الدولة.

مع تشكيل حكومة جديدة تعيد الثقة بالدولة ومؤسساتها، تحترم عقول الناس وتحفظ حقوقهم المنهوبة، وامام ما نشهده من انهيارات، تحديات كثيرة تنتظر لبنان للوصول الى الحداثة وما يصبو اليه اللبنانيون.

ابرز التحديات تبدأ بتطوير التشريعات والعمل على تفسيرها بشكل واضح وتطبيقها بشفافية، بعيدا من الاجتهادات في خدمة المصالح الخاصة. هذا التحدي يتطلب جسما عدليا نزيها مكونا من قضاة يخدمون وظيفتهم بما تتطلبه اخلاقيات المهنة. ولا يكتمل المشهد الا بتفعيل عمل المحاماة، واعادة الهيبة الاخلاقية والمهنية الى المحامي الذي يجب ان يفصل بين واجبه ودوره وبين اهوائه المختلفة.

حين تبدأ الاسس القانونية بالانضباط، ندخل الى التحدي الاصعب وهو الفساد الذي هَدَمَ جدران الدولة فَعَرّاها. هذا التحدي يتطلب اعادة تكوين السلطة التي اعتادت ان تعتاش على المحاصصة، وهو سر وجودها واستمراريتها. تكوين سلطة جديدة يتطلب قانونا انتخابيا عصريا منصفا للجميع وعلى قياس الوطن

اما تحدي الاصلاح، فهو يبدأ بتطهير المؤسسات والادارات من المستزلمين ومن التوظيف السياسي، وهذا يتم عبر تنظيم مهام الوزارات وهيكلة اقسامها ودوائرها وربطها ببعضها بوسائل تقنية متقدمة لتسهيل عمل المواطن، بعيدا من البيروقراطية والرشاوى المنتشرة في غرف الوزارات والادارات وغيرها، وتفعيل العمل الرقابي لأنه لا تستوي من دون رقابة فعلية تتبعها مساءلة ومحاسبة.

امام لبنان تحديات اجتماعية كبرى اهمها، تكريس التضامن المجتمعي اولوية لانه يكفل الحقوق ويؤمن لقمة العيش ويحمي الاقتصاد، ويوفر الامن والامان ويفرض الحماية الواحدة للجميع، ينتزع الحقوق ويبني المستقبل.

من التحديات الصعبة، تبقى صناعة الهوية الوطنية وتعريفها لانه، ويا للاسف ضاعت في اروقة الكانتونات الميليشياوية، وفي زواريب الاقطاع والتطرف والتخلف والعصبيات… تحديد الهوية يعزز المصالحة مع الذات، ويساهم في تقبل الشريك، يوحّد الرؤية على الاساسيات الجامعة من دون ان يلغي الاختلاف في الرأي والتنوع.

التحدي التربوي يشكل عصب نشأة الاجيال وبنية مستقبلها وركيزته. تعزيز المدرسة الرسمية بموارد بشرية مختصصة، ودعمها لوجستيا وماديا، وفرض الزامية التعليم، وتطوير المناهج وادخال وسائل التعليم المتقدمة، يضع لبنان على طريق الحداثة، ويقلص من حدة الجهل والتشرد والجريمة والسرقة.

اما اصلاح قطاع الاعلام، فيبقى التحدي الكبير المسؤول عن تنوير الطريق الى المستقبل والحداثة والتمدن، ويتحمل مسؤوليات كبرى في توجيه المتلقي. فالاعلام يجب ان يُطور نفسه ويغسلها من السوداوية المساهمة في التفكك المجتمعي عبر محتوى المادة التي يقدمها، وان لا يتحول الى ادوات توجيهية سياسية انقسامية.. لا بد من سن قانون اعلام حر، مبني على اسس ومبادئ مستوحاة من “ميثاق الشرف الاعلامي لتعزيز السلم الاهلي” الذي اطلق في 25/6/2013 برعاية اممية، كما يكفل تحصين الاعلام من الرشاوى الفردية او المؤسساتية او الخارجية.

اما في الاقتصاد، فمسار التحدي طويل وشاق، يتطلب عناوين وثوابت وتوجهات ونهج، وضمانة وثقة مالية واحترام للعملة الوطنية، وتوازن ما بين الناتج والصرف ومراقبة الاسعار. لا بد من مشاريع وخطط تشجع الانتاج المحلي وتُنمّيه، تُعزز دور اليد العاملة مع توفير السوق المحلية والاسواق الخارجية للتسويق.

يبقى القطاع الصحي ركيزة المجتمعات. فالتحدي كبير بعد ان خسر لبنان نخب طواقمه الطبية وبعد انهيار السياحة الطبية. تنظيم هذا القطاع المزدهر يتطلب دعم المستشفيات الحكومية وتفعيل الضمان الصحي وتقديماته التعاضدية وحماية المستفيدين من “المافيات” الصحية.

تكثر التحديات امام لبنان، وربما سلوك الطريق للبدء في انجاز بعضها معقد. لا بد اذا من نهضة مجتمعية بعقول راجحة لان الفقر لا ينتج ثورات، ولا يدفع نحو التحديات، ولا يلتفت الى المستقبل بقدر ما يعيش الراهن. وحده الوعي يفعلها، وصناديق الانتخابات كفيلة باثبات وجوده من عدمه.