بيـان صـادر عـن جمعية تجار بيروت ظلم في السوية عدل في الرعية”
نوفمبر 17, 2020
758 زيارة
عقد المجتمع التجاري بكافة مكوناته ومن كل المناطق اللبنانية، إجتماعاً طارئاً وإستثنائياً في جمعية تجار بيروت، للتشاور حول كيفية تعاطي القطاع التجاري مع قرار الإغلاق الكامل.
وصرّح رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شمّاس إثر اللقاء :
إن الذهول والشعور بالإحباط يخيّمان على القطاع التجاري إزاء الظلم والتعسّف والإساءة التى يرتّبها قرار الإغلاق الكامل الأخير، كونه ينطبق عملياً على هذا القطاع دون سواه.
أما وصف هذا الإغلاق بالعام والتام والشامل، فهو إسم على غير مسمّى، لأن الإستثناءات المختلفة والحالات الخاصة المتعدّدة تجعلان منه قراراً أعوجاً ومستهجناً ومشبوهاً، لا يطال ولا يستقوي إلا على القطاع التجاري المنكوب. هل نسي المسؤولون أن الظلم في السوية عدل في الرعية ؟
إنما بذلك تسقط الدولة مرة جديدة في فخّ إستهداف القطاع التجاري لجعله يُكفّر عن ذنوب هو براء منها ويرتكبها سواه.
إن القطاع التجاري هو المتضرّر الأكبر من الأزمة المالية والنقدية المستفحلة، كما ومن إنفجار المرفأ، فضلاً عن تدابير مكافحة كورونا الإنتقائية والتي تتعامل مع القطاع التجاري على أساس أنه “ما في غير طنسا بالجيش”!
فللمرة الألف، نكرّر أن مرض القطاع التجاري لن يُبلسِم جروح قطاعات أخرى، وأن موته الحتمي لا سمح الله لن يؤدّي إلى إحياء قطاعات أخرى، بدليل أن العجز التجاري تراجع بشكل كبير، ولم يؤدِّ ذلك إلى تراجعٍ موازٍ في ميزان المدفوعات، لا بل بالعكس، إتجه هذا الأخير صعوداً !
ولا عجب بذلك، فإن القطاع التجاري هو الإبن البكر للإقتصاد، والمساهم الأول في الناتج القائم، والمغذّي الأساسي لخزينة الدولة، والموظّف الأول للقوى العاملة، فعندما يتعثر القطاع التجاري ويفقد إتـّـزانه ونقطة إرتكازه، يتعرّض الإقتصاد الوطني برمـّـته إلى إختلالات كبيرة وكارثية، كما نشهد حالياً.
وقد إختبرنا في مراحل سابقة خطورة وسلبية إقفال المحال والمجمـّـعات والأسواق التجارية، التي تعاني من تدهور خطير بلغ ما بين 70 و 90 % وفقاً لمؤشر جمعية تجار بيروت، علاوة على موجة الإقفال النهائي الكثيفة التي تطال العديد من المؤسسات التجارية العريقة، نتيجةً لسياسات التوقف القصري عن العمل المتكرّرة.
هنا لا بدّ من التذكير بأن الرئيس الفرنسي كان قد أعلن أن الإغلاق يهدف الى كبح كورونا؛ هل يهدف يا ترى في لبنان الى كبح الإقتصاد ؟ فماذا تمّ إنجازه بعد الإقفال السابق ؟ وماذا كانت الإستنتاجات ؟ وما الذي تتوخّاه السلطات من الإقفال الحالي ؟ هل هو فقط للتخفيف من حدّة الإنتشار أو أيضاً القضاء عليه ؟ وكيف ؟ وماذا سيعقب مرحلة الإقفال والعودة الى الحياة الطبيعية ؟
إننا طبعاً مدركون لأسباب القرار الموجبة، إنما يجب أن يكون هنالك توازي وتوازن بين الموجبات الصحية والمقتضيات الإقتصادية، وعلى الدولة أن تتحصّن بمزايا التبصّر والإحتراز في تدابيرها، وأن تكون كل الخطوات مبنية على أسس علمية وعملية، بدل الإنزلاق إلى الحلول السهلة ظاهرياً، لكنها تؤدّي في باطنها إلى صعوبات شديدة من حيث الإرتدادات الإقتصادية والمجتمعية، وتضع مصير الملايين من اللبنانيين في خطر.
نحن، وكما على الدوام، معنيون بتحريك الإقتصاد الوطني، كما وبمصير الآلاف من موظفينا وعائلاتهم، الذين بات مستقبلهم في مهبّ الريح، خاصةً في ظل عجز الدولة عن تقديم أي دعم في مقابل الإغلاق والتوقـّـف عن العمل، على غرار ما تقوم به الدول الأخرى.
إننا نؤكـّـد هنا مجدداً إلى أن الإلتزام بالتدابير والإجراءات الخاصة بالوقاية والسلامة تفوق الـ 90 % وفقاً للزيارات السرّية التي ما زالت شركة GWR تقوم بها بإنتظام على المحال والمؤسسات التجارية في لبنان. فالخطر لا يكمن إذاً في المحال والمجمـّـعات التجارية، التي هي دائماً أول من تطاله قرارات الإقفال، في حين أن التباعد الإجتماعي هو أصلاً وتلقائياً، للأسف، مؤمّن فيها نتيجةً لما حصل في الفترة السابقة من تقليص لعدد الموظفين ومن ندرة الزبائن في ظل تردّي الأوضاع الإقتصادية العامة في البلاد.
وعليه، فإن مطالبنا هي بإعادة النظر بالقرار فوراً، ومعاملتنا مثل باقي القطاعات الإنتاجية في البلاد، والعمل بنصف الطاقة التشغيلية لجهة تواجد الموظفين، بالتنسيق مع جمعية تجار بيروت وجمعيات المناطق، وإلا التعويض عن الخسائر المتراكمة.
وجلّ ما يطالب به القطاع هو أن تؤمـّـن الدولة دعماً مالياً لتغطية أعباء الأجور بما يوازي ضعفي الحدّ الأدنى للأجور أي 1,350,000 ل.ل. عن كل موظف شهرياً، من خلال إجراء هندسة أو ترتيبات مالية خاصة لهذا الغرض.
وفي حال لم تتبنّ الدولة هذا الخيار، فينبغي أن تـُـعتبر الأكلاف المخصـّــصة للأجور بمثابة سلفة من الشركات لصالح خزينة الدولة (crédit d’impôt) ينبغي تنزيلها لاحقاً من الضرائب التى ستترتـّـب على هذه الشركات.
فمن غير المنطقي أن تفلـّـس المؤسسات وأن يتحمـّـل الملايين وزر تقاعص الدولة في القيام بموجباتها وتحمـّـل مسؤولياتها في الموضوع الصحـّـي بتجهيز المستشفيات، كما كان مطلوباً منذ البداية.
أخيراً وليس آخراً، نحن نرفض شيطنة القطاع وتصنيفه بالنشاط غير الأساسي وغير الحيوي في الإقتصاد الوطني.
إن هذه التسميات والتصنيفات تطال كرامة التجار في الصميم، وهي لا تليق بتضحياتهم في سبيل الإقتصاد الوطني، ولا بإفنائهم لخدمة المواطنين،
وتشكـّـل ضربة معنوية باهظة الكلفة، تُضاف إلى الضربات المادية المتكرّرة التي تنهال على قطاعنا منذ العام 1975.
ونخشى ما نخشاه أن لا يكون هذا الإستهداف للقطاع التجاري بشكل مستمر بريئاً، إنما ينمّ عن خيار إقتصادي خاطىء وماكر ومدمّر، معلـَـن أو غير معلـَـن، لضرب القطاع والإقتصاص منه.
إن هذه الرزمة من القرارات بحق القطاع التجاري ظاهرها تكتيكي وإجرائي، وهي تأتي تحت ستار إجراءات صحية، إنما باطنها إستراتيجي ووجودي، في محاولات لتصفية الحسابات مع هذا القطاع. وذلك يمثـّـل مدخلاً غير معلناً لتغيير النظام الإقتصادي في لبنان.
ولا يمكن أن نبقى كتجار مكتوفي الأيدي أمام جريمة تفكيك أكثر من 100 عام من العمل التراكمي في القطاع التجاري. وهذا خيار غير أخلاقي، ومنافي لأبسط قواعد العلم والإقتصاد.
إن الحرية الإقتصاية لا تكمن فقط في النظام، بل أيضاً في الخيارات. لذا لا يمكن أن نرضى أن يفرض أحد على اللبنانيين أي خيار في المطلق، وكم بالحري إذا كانت تلك الخيارات خاطئة.
لذا نطالب بردّ الإعتبار الى القطاع التجاري: معنوياً من حيث الإقرار بمركزية دوره على الساحة الإقتصادية اللبنانية، ومادياً من خلال التعويض أو السماح بمزاولة العمل أسوة بالقطاعات الأخرى.
ونكرّر هنا أن القطاع التجاري لم يكن يوماً جزءاً من المشكلة، إنما كان على الدوام جزءاً كبيراً من الحل.
وفي الختام، ” كنا نتمنـّى أن يزول كورونا ويبقى القطاع التجاري، ولكن الظاهر أنه مع تلك السلطات سيزول القطاع التجاري ويبقى كورونا ! “