دعا وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى في كلمة ألقاها خلال زيارته معرض الكتاب في مركز باسل الاسد الثقافي في صور في حضور نواب وفاعليات وشخصيات سياسية واجتماعية وثقافية، في خلال جولة له في المدينة اليوم، “رئيس الجمهورية الذي أقسم اليمين على احترام الدستور وصون المؤسسات، أن يعمل على تصويب المسار، لا بالتدخل في شؤون السلطة القضائية، فهذا ما لا يرضاه عاقل، ولكن بإخراج الطاغوت من دار العدالة المفترض أن تكون مسكونة بعبق الملكوت وبإيجاد وسائل تنفيذية لتوكيد احترام الدستور والقوانين من قبل جميع السلطات”، معلنا ان “العدالة بوابة انتصار الحقيقة”، سائلا: كيف لطالبي الحق أن يدخلوا إلى رحابها، إذا أحكمت أقفالها ورميت مفاتيحها في بحر المشاريع الشخصية والسياسية والسلطوية الخارجية والداخلية؟
وجاء في كلمة المرتضى:
من يتأمل خريطة العالم يجد إتجاه الجنوب نزولا إلى أسفلها. لذلك،كانت الحيرة تعتريني كلما سمعت الجنوبيين اللبنانيين القاطنين في بيروت يقولون… “إنهم طالعون إلى قراهم”، حتى تحقق لي بالدليل الذي لا ينقض، أن الصعود عندهم ليس ارتقاء مكانيا من ساحل إلى هضاب وجبال، بل هو أولا ارتفاع منسوب الكرامة الوطنية، لإمتلاء قلوبهم بالإيمان بلبنان، ونفوسهم بالبطولة المضحية، وزنودهم بالعزائم التي تحطم كل عدوان، فإذا هم يذهبون دائما إلى فوق… أية اتجهوا، وهذا حق لهم ما داموا قد اكتنزوا للبنان كله شعبا ودولة ومصيرا. من الماضي أروعه، ومن الحاضر أشجعه، ومن الآتي أمانه وأمنعه.
على أنني اليوم ههنا في صور التي يرقى عمرانها البشري إلى أربعة آلاف عام قبل المسيح،
التي جعلت البحر الأبيض المتوسط بحيرة تتوسط مدائنها المنتشرة حوله على شواطئ سلطانها،
التي أهدت العالم شظف المراكب ورفاهية الأرجوان، التي زارها السيد المسيح وشفى إبنة المرأة الكنعانية عند تخومها، التي امتلأ فضاء صخرها وملحها بميراث الحضارات المتعاقبة منذ فينيقيا حتى بيزنطية،التي تعطر ليمونها بهتاف مآذنها: “الله أكبر” وبأصداء أجراس الآحاد والأعياد،
التي اغتسلت دروبها بطهارة خطى إمامها الحاضر دائما السيد موسى الصدر،التي أعلن الدم “القصير” فيها أول وأطول انتصار على الدبابات الإسرائيلية الهمجية.
أنا الآن ههنا لا لأمتطي صهوة التاريخ، فقد تعبت صور من كثرة ما حملت من صروف وأحداث،….أنا الآن ههنا لكي أنظر من نافذة اليوم إلى شمس الغد الطالعة من خلف ذرا حرمون، لتضيء الجنوب المنتصر، وتعد بالانتصار جنوب الجنوب… من آخر الناقورة حتى رفح.
والانتصار لفظة عزيزة في قاموس الجنوبيين بخاصة واللبنانيين بعامة، لأنها ذات معنى حرفي وآخر مجازي، أو كما يقولون بالفرنسية: sens propre و sens figuré. وإذا كان المعنى الحرفي المتعارف عليه دحر الاحتلال الإسرائيلي وإرساء معادلة النار بالنار لحماية لبنان وشعبه وثرواته، فإن المعنى المجازي الذي يعادل الأول أو ربما يفوقه هو الانتصار على كل عوامل التفرقة والانقسام في مجتمع متمايز متعدد، كمجتمع صور الذي يضم مواطنين من أديان ومذاهب مختلفة، ومن طبقات اجتماعية متفاوتة، وانتماءات حزبية وعائلية متنوعة. إنه المثال الصالح والأنموذج الحي والصورة البهية عن الوطنية الحقة، وعن التنوع ضمن الوحدة، وعن ثقافة التمسك بالآخر والحرص عليه. هذا المجتمع، بل هذا المصهر الإنساني أعطى المعنى المجازي للانتصار بعدا حقيقيا، لأنه شكل النقيض الواضح للمفاهيم التي قام عليها الكيان المغتصب. فنحن المسلمين والمسيحيين، بمقدار ما نثبت في عيشنا وأرضنا وحقوقنا معا، نغلب أعداءنا المنظورين وغير المنظورين، ونكرس حقيقة الحديث الشريف: “الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله”.
وتلوح لي ههنا قامة منارة في ظلمة وبوصلة في ضياع، عينان تطفو فيهما زرقة السماء وعزم تصخب فيه عواصف الأمواج، سواد عمة ونصاعة ضمير، إمام كنائس وأسقف مساجد، من جسد في عيشه وخطابه منظومة القيم الإيمانية والوطنية والإنسانية، من تأبى القلوب أن تسميه مغيبا وهو يستوطن نبضها، سيد الحقيقة والعيش الواحد الإمام موسى الصدر. فإنه كان العنوان الأخلاقي للدعوة إلى العيش الواحد بين المواطنين والمفتاح الذهبي لبوابة الانتصار”.
أضاف المرتضى:العدالة بوابة انتصار الحقيقة. فكيف لطالبي الحق أن يدخلوا إلى رحابها، إذا أحكمت أقفالها ورميت مفاتيحها في بحر المشاريع الشخصية والسياسية والسلطوية… الخارجية والداخلية؟ وكيف للعدل أن يتحقق إذا كانت الشاشات قاعات محاكم، والمظاهرات لوائح اتهام، والعواطف نصوص قانون؟ إن الدم الذي سال في الرابع من آب، يستحق أن ننحني أمامه كلنا، ونطالب بحقه كلنا، وما من حق إلا بالآليات الدستورية والقانونية التي يجري الآن تجاوزها صراحة. هذا ما دفع الثنائي الوطني إلى الموقف الذي اتخذناه في مجلس الوزراء، ضنا بالحقيقة أن تضيع، وبالدستور أن ينتهك، وبالعدالة أن تحرف عن مقاصدها. لذلك أدعو فخامة رئيس الجمهورية الذي أقسم اليمين على احترام الدستور وصون المؤسسات، أن يعمل على تصويب المسار، لا بالتدخل في شؤون السلطة القضائية، فهذا ما لا يرضاه عاقل، ولكن بإخراج الطاغوت من دار العدالة المفترض أن تكون مسكونة بعبق الملكوت وبإيجاد وسائل تنفيذية لتوكيد احترام الدستور والقوانين من قبل جميع السلطات”.
وختم :”وبعد يا صور! يا عبق الماضي وزهوة الحاضر وأمل المستقبل! بنوك أوقدوا النار في أنفسهم كي لا يقعوا تحت احتلال الاسكندر المقدوني. وبنوك أوقدوا النار في آليات الاحتلال الإسرائيلي وفي أجساد جنوده المعتدين وحرروا وطنهم، وبنوك بكل أطيافهم سيوقدون في غد نار الفرح بجلاء الحقيقة… وجلاء المغتصبين عن أرض فلسطين الطيبة”.
الجولة
وكان وزير الثقافة استهل جولته بزيارة مفتي صور وجبل عامل الشيخ حسن عبد الله في دار الافتاء الجعفري بحضور المسؤول التنظيمي لإقليم جبل عامل في حركة امل علي اسماعيل ، ثم انتقل الى مقر البلدية حيث كان في استقباله رئيسها المهندس حسن دبوق وأعضاء المجلس البلدي وفعاليات المنطقة.
ثم قام بجولة ميدانية في الموقع الاثري وزار مقر الكونسرفتوار والمكتبة العامة برفقة مدير عام الاثار المهندس سركيس الخوري ومدير المواقع الاثرية في الجنوب علي بدوي ، رئيس بلدية صور حسن دبوق والمسؤول الثقافي لحركة امل في إقليم جبل عامل الشيخ ربيع قبيسي والمسؤول الاعلامي علوان شرف الدين
بعدها زار الوزير المرتضى مطران صور للروم الكاثوليك ايلي الحداد في مقر المطرانية، فمطرانية الروم الارثوذكس واستقبله المطران الياس الكفوري والأب نقولا باصيل، فمفتي صور الشيخ مدرار الحبال في دار الافتاء ومنها الى الكنيسة اللاتينية حيث التقى المطران طوني شكري.
كما زار نصبي الشهيدين حسن واحمد قصير في بلدة دير قانون النهر، ووضع اكليلا على النصبين مؤكدا ان “قوة لبنان في وحدته في حفظ تنوعه في العيش الواحد، الذي يمثل فرادته في مقاومته ، وهو الباقي ونقيضه الى زوال”.