الكراهيات الإلكترونية والتصدي الصعب

الغميد منير عقيقي

رئيس تحرير مجلة الامن العام

وجد خطاب الكراهية وبث الاضاليل والكذب، واستثارة الاحقاد على مواقع التواصل الاجتماعي فضاء رحبا، ما زاد من التحديات الامنية والاخلاقية التي تواجهها الدول والمجتمعات في داخلها. وقد زاد من سعير بث الكراهيات الالكترونية ايضا صعود المدارس الفكرية المتطرفة، وتصاعد ظاهرة الاسلاموفوبيا، وسقوط بعض الصحافة والصحافيين بنشر مدونات تثير الغرائز اكثر مما تدعو الى الاحتكام الى العقل والمنطق.

أكثر تجليات كارثة تفشي الكراهيات الالكترونية كانت في وسائل الاعلام التقليدية التي سقطت بسهولة ويسر شديدين في مستنقع الأحقاد والكراهيات الإلكترونية، خصوصا مع توجه انظمة ذات الطبيعة المُوجهة او العسكرية والديكتاتورية، الى ضخ المليارات من الدولارات من اجل خلق منصات ومواقع ومدونات الكترونية هدفها صنع الدعاية.

ما يستدعي التوقف عنده في خطاب الكراهية الالكترونية، هو ان القيّمين عليه لا يتحسبون للنتائج وتلك مصيبة، واذا كانوا يعرفون ويفعلون فالمصيبة اعظم، خصوصا وان اقل الاضرار تبدأ في تهديد السلم الإجتماعي، تقسيم المجتمع، ترسيخ الممارسات العنصرية والفوقية، وصولا الى احتمالات وقوع الحروب في الداخل ومع الخارج. الامثلة على ذلك كثيرة ومتعددة، وليست مقصورة على حضارة او دين او نوع او منطقة. فمن لبنان الى الغالبية من الدول العربية مرورا بالـ»روهينغا» في آسيا، و»رواندا» في افريقيا وصولا الى الازمة العابرة التي حصلت بين فرنسا والولايات المتحدة الأميركية.

الخطورة المتنامية لمضمون خطابات الكراهية والحقد والاضاليل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دفعت حكومات ومؤسسات حقوقية ومدنية الى التصدي لهذه الظاهرة التي تهدد العالم اجمع ومن دون اي مبالغة، خصوصا ان وظيفتها هي خدمة اجندات سياسية بعينها، وكان التوجه لدى الكثير من الدول الديموقراطية في اللجوء الى اصدار قوانين تُجرّم مثل هذا النوع من الخطابات. فكان القانون لضبط الجموح السياسي مع حفظ حق التعبير كتابة وتصريحا وبوصفه حقا مقدسا.

اوضح تقرير صادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة وتحت عنوان «دراسة عن حظر التحريض على الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية: دروس من منطقة آسيا والمحيط الهادي»، ان عددا كبيرا من هذه الدول تطبّق قوانين يمكن استعمالها، سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة، لحظر خطاب الكراهية بمختلف مظاهره، مع الإشارة الى وجود تباين في بعض المصطلحات بين قوانين الدول محل الدراسة. لكن في الوقائع العملية، فإن سنّ قوانين وتشريعات ليس كافيا لمواجهة خطاب الكراهية، ويجب ان يقترن بوجود ارادة سياسية جادة لتطبيق تلك القوانين، وان تكون الدولة نفسها تتمتع بدرجة مرتفعة نوعا ما من الديمقراطية.

واهمية الاعلام في التصدي لظاهرة كهذه، اكثر ما لحظها هو إعلان بشأن المبادئ الأساسية الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي، وتعزيز حقوق الإنسان، ومكافحة العنصرية والفصل العنصري والتحريض على الحرب وأصدرته منظمة اليونيسكو. وتضمن هذا الإعلان العديد من المواد التي تتصدى لخطاب الكراهية في وسائل الاعلام. وتنص احدى مواده على «أن دعم السلام والتفاهم الدولي، وتعزيز حقوق الإنسان، ومكافحة العنصرية والفصل العنصري، والتحريض على الحرب، يقتضي تداول المعلومات بحرية ونشرها على نحو اوسع واكثر توازنا، وعلى وسائل الإعلام الجماهيرية أن تقدم اسهاما اساسيا في هذا المقام، وعلى قدر ما يعكس الاعلام شتى جوانب الموضوع المعالج، يكون هذا الاسهام فعالا».

كل هذا يستلزم قبل اي شيء وجود إرادة سياسية لبنانية جامعة تتنازل «طوعا» عن بث الكراهية والاكاذيب والاتفاق على «اطار امان» يضمن العمل السياسي الحرّ وما تقول به المادة 13 من الدستور. كما يستلزم الامر قرارا اعلاميا حازما وصادقا بعيدا من هَوَسْ «الرايتنغ»، من اجل مواجهة هذه الافات في الخطاب الاعلامي، وايضا من اجل الدفاع عن اخلاقيات المهنة والحفاظ على الاعلام كوسيلة بناءة في خدمة المجتمع والاستدلال على مكامن الخطأ في الممارسة السياسية.

المقالة في عدد المجلة الـ 99 الصادر في 4-12-2021ل 2021 الساعة 00:40

عن mcg

شاهد أيضاً

غرفة طرابلس ولبنان الشمالي:إطلاق منصة ” الغرفة  للتصدير” في لبنان

بشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمنظمة الكتلانية للتعاون والتنمية   نقر اي صورة لتكبيرها  أطلق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *