الراعي يوجه رسالة الفصح ماذا قال فيها ؟
أبريل 11, 2020
1,039 زيارة
الراعي يوجه رسالة الفصح ماذا قال فيها ؟
المنتشر : وجه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، من الصرح البطريركي في بكركي، رسالة الفصح الى اللبنانيين جميعا والمسيحيين خصوصا، مقيمين ومنتشرين، بعنوان “وجداهم يقولون: حقا إن الرب قام” (لو24: 33-34)، في حضور عدد من المطارنة والكهنة، قال فيها: “عندما عرف تلميذا عماوس الرب يسوع القائم من الموت، عند كسر الخبز، استعادا قوتهما الروحية والمعنوية والجسدية، ورجعا في تلك الليلة عينها، إلى أورشليم لنقل هذا الخبر المفرح، “فوجدا الأحد عشر والذين معهم مجتمعين، وهم يقولون: حقا إن الرب قام وتراءى لسمعان” (لو24: 33-34). هذه البشرى الدائمة لكل الأجيال وعبر العصور، هي أن الجنس البشري أصبح في حالة قيامة ورجاء، وينبغي أن نسعى إليها دائما كلنا، أفرادا وجماعات، مهما اكتنفها من صعوبات، وما قاومها من محن. إن المسيح رجاءنا جعل الكنيسة علامة الرجاء وأداته وخادمته. ولذلك من واجبها في المحن والمصاعب أن تجسد هذا الرجاء بأفعالها ومبادراتها لشعبنا ولكل إنسان، وتذكر دائما بكلمة الرب يسوع: “لا تخافوا” (راجع متى 27:14 و 10:28؛ مر 50:6؛ يو 20:6)”.
أضاف: “أود في البداية أن أقدم لكم جميعا التهاني القلبية بعيد الفصح المجيد مع أطيب التمنيات، حيثما أنتم: في لبنان، والنطاق البطريركي، وبلدان الانتشار. ولئن حرمنا وحرمكم فيروس كورونا من الاحتفال بالأعياد الفصحية في الكنائس، وتبادل زيارات المعايدة، فإنا عشنا العيد في داخل قلوبنا ونفوسنا التي دخلها المسيح الرب ليقيمها إلى حياة جديدة وحالة جديدة، راجين أن نكون كما يريدنا الرب يسوع ملحا جديدا في حياة هذا العالم، وخميرا صالحا في عجينه، ونورا ساطعا في ظلماته (راجع متى 13:5؛ 33:13)”.
وتابع: “الكنيسة المارونية تجسد كنيسة المسيح، من حيث هي ذات حق خاص، كسواها من الكنائس. وبهذه الصفة هي وسط شعبها سر خلاص وأداة الشركة مع الله والناس وعلامتها (كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 779). كنيستنا هي إلى جانب شعبنا بواسطة أساقفتها وكهنتها ومؤازرة رهبانها وراهباتها ومؤمنيها. وتؤدي رسالتها المثلثة: الكرازة بالإنجيل والتعليم، التقديس بتوزيع نعمة الأسرار، ورعاية الجماعة بإسم المسيح الراعي الصالح (كتاب التعليم المسيحي، 888، 993، 994). وهي بذلك تسعى إلى تعزيز اتحاد كل إنسان بالثالوث الإلهي، وإلى وحدة الجنس البشري (رجاء جديد للبنان، 19). ولكون الإنسان وحدة لا تتجزأ بكل أبعادها، فإلى جانب عملها الروحي والراعوي، تعمل كنيستنا مثل سواها، من أجل خير الإنسان وخير المجتمع العام. فأنشأت أبرشياتها ورهبانياتها مؤسسات تربوية، مثل المدارس والجامعات والمعاهد التقنية، ومؤسسات استشفائية وصحية، وأخرى إجتماعية من مثل المياتم ودور المسنين ومراكز تأهيل للمعوقين ولذوي الاحتياجات الخاصة، ومحطات راديو وتلفزيون. هذه المؤسسات تساهم في نمو الإنسان ثقافيا وإنسانيا وروحيا، وفي تحريره من كل ما يعوق هذا النمو، عملا بالمبدأ الأساس وهو أن يعكس هذا الإنسان مجد الله (القديس إيريناوس)؛ وتوفر فرص عمل ومساعدات مالية وعينية للعائلات المعوزة؛ كما تفسح في المجال لاستثمار ممتلكاتها وأوقافها زراعيا وصناعيا وسياحيا وسكنيا. وتساندهم عند تعثرهم”.
وقال: “فيما الكنيسة تتمايز عن الدولة بطبيعتها ومساحات خدمتها ووسائلها، فإنها تلتقي معها في هذه القطاعات الاجتماعية، التربوية والاستشفائية. وبالتالي يجب أن تتعاونا من أجل الخير العام. وأوجه النداء إلى الدولة لكي تقوم بما يتوجب عليها من مستحقات تجاه المؤسسات المتعاقدة معها. فمن غير المقبول أن تهمل الدولة هذا الواجب سنتين وثلاثا وأربعا، فإنها بذلك ترهق مؤسسات الكنيسة ورسالتها، وتعيق تقدمها ونموها من أجل خير أفضل. إن الكنيسة في الواقع تساعد الدولة على القيام بواجباتها تجاه المواطنين، وفي بعض الحالات تحل محلها لعدم قدرة الدولة على إنشاء مؤسسات مماثلة”.
أضاف: “إذ نقدر ما تقوم به الحكومة من اهتمامات وتضحيات، وما تواجه من صعوبات متنوعة، نتمنى لها ولفخامة رئيس الجمهورية النجاح في النهوض بلبنان اقتصاديا وماليا ومعيشيا لخيره وخير شعبه. ونتمنى لها التمكن من إجراء الإصلاحات المطلوبة داخليا ودوليا في الهيكليات والقطاعات وفقا لأسسها، وهي العدالة الاجتماعية في الحقوق والواجبات، ومساعدة الفقراء، وفرض ضرائب متناسقة مع مداخيل المواطنين وواقعهم الاجتماعي، وجباية هذه الضرائب من الجميع، المحافظة على نظام الاقتصاد الحر ولا سيما النظام المصرفي، وهو نظام يميز لبنان، المحافظة على ودائع المواطنين التي هي جنى عمرهم وتعبهم، استرداد الأموال المنهوبة، فالكل يجمع على أن دولتنا اللبنانية ليست منهوكة بل منهوبة. ومن ناحية أخرى ينبغي على الحكومة ورئيس الجمهورية العمل لدى الأسرة الدولية على تغطية الأعباء المالية الباهظة على الاقتصاد الناجمة عن النازحين، والتي تزيد من الأزمة الاقتصادية التي يرزح تحتها لبنان”.
وتابع: “حيال الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية الخانقة التي اشتدت أكثر فأكثر بفيروس كورونا، توافقنا كبطريركية وأبرشيات ورهبانيات رجالية ونسائية، ورابطة كاريتاس لبنان التي هي جهاز الكنيسة الاجتماعي الرسمي في لبنان، ومؤسسات تعنى بالشأن الاجتماعي، على مضاعفة المساعدات العينية والمالية للعائلات المعوزة التي يتزايد عددها، وعلى تنسيق هذه المساعدات بحيث تشمل كل المناطق والعائلات، عملا بمبدأ القوة في الوحدة، بحيث لا يترك أحد فريسة للجوع. أولا، الكرسي البطريركي والأبرشيات والرهبانيات، من أجل هذه الغاية طلبنا أولا من الدائرة البطريركية والأبرشيات التسع والنيابات البطريركية الأربع ومن الرهبانيات الرجالية الخمس والنسائية السبع، تقارير حول أربع نقاط: العائلات المعوزة وكيفية مساعدتها عموما من الكرسي البطريركي والأبرشية والرهبانية؛ المساعدات الدائمة العينية والمالية من هذه المؤسسات وقيمتها؛ تأمين فرص عمل لموظفين ورواتبهم الشهرية، التي تستفيد منها العائلات؛ تحديد أديار ومراكز للحجر الصحي بالتنسيق مع وزارة الصحة والبلديات والصليب الأحمر اللبناني. ولم نطلب تقارير عن مصاريف أخرى متنوعة”.
وقال الراعي: “تلقينا الأجوبة التفصيلية بكثير من الامتنان وسنعطي ملخصها التفصيلي في ملحق يضاف إلى رسالة الفصح هذه. ونكتفي هنا بإعطاء مجموع المساعدات التي توفرها البطريركية والأبرشيات والرهبانيات: عدد العائلات التي تساعدها من دون التي لم تذكر الأجوبة عددها: 33.456 عائلة، القيمة المالية السنوية للمساعدات النقدية والعينية: 71 مليار و 585 مليون ليرة ما يوازي 47.2 مليون دولار بحسب سعر الصرف الرسمي، عدد الموظفين وبالتالي العائلات المستفيدة 18.870 موظفا، قيمة الأجور والرواتب السنوية: 430 مليار و 73 مليون ليرة ما يوازي حوالي 283.8 مليون دولار بحسب سعر الصرف الرسمي (معدل الراتب 1253 $ شهريا)، عدد المراكز المخصصة من البطريركية والأبرشيات والرهبانيات للحجر الصحي: 18”.
أضاف: “ثانيا، رابطة كاريتاس لبنان، إنها جهاز الكنائس الكاثوليكية في لبنان لخدمة المحبة الاجتماعية. فبإسم هذه الكنائس تتلقى المساعدات المالية والعينية المتنوعة، من الداخل والخارج، وتوزعها في جميع المناطق اللبنانية حيث تتواجد من خلال تنظيمها بأقاليم وفروع. إنها، بتأدية مساعداتها العينية: الغذائية والطبية والاجتماعية والإنسانية والتنموية، ومساعداتها المالية، تتكامل وتتناسق مع قطاعات خدمة المحبة التي تقوم بها البطريركية والأبرشيات والرهبانيات. هذا كله مدعاة رجاء وطمأنينة لشعبنا، الذي تحتضنه الكنيسة بمحبتها وسهرها وعنايتها لئلا يخور في الطريق. وعلى سبيل المثال، وزعت رابطة كاريتاس لبنان خلال شهر آذار الماضي حصصا غذائية ل 6500 عائلة، وتعمل مع محسنين على مساعدة 12.500 عائلة معوزة. وفي العام الماضي أمنت مساعدات طبية ل 38.514 شخصا. ولا بد من توجيه كلمة شكر لشبيبة كاريتاس السبع مئة والخمسين الذين يعملون على الأرض في توزيع المساعدات وغيرها من النشاطات الميدانية، وللأشخاص المتطوعين الألف ومائتين العاملين في مراكز كاريتاس، وللست مئة وثلاثين موظفا الذين يعملون في المركزية والأقاليم وتوفر لهم كاريتاس فرص عمل برواتب شهرية تبلغ 312.182.631 ليرة. يضيق المجال هنا لتعداد قطاعات خدمة المحبة في كاريتاس، فهي معروفة عبر مطوياتها ومنشوراتها وإطلالاتها الإعلامية وتقاريرها السنوية. نشكر الله على جهاز الكنيسة الاجتماعي هذا، ونوجه التحية إلى كل العاملين فيه، وبخاصة إلى رئيس مجلس إدارتها الجديد وأعضاء هذا المجلس”.
وتابع: “ثالثا، تنسيق خدمة المحبة، من أجل أن تشمل خدمة المحبة جميع المحتاجين، استدعى الواجب تنسيقها بين المؤسسات والجمعيات الخيرية العاملة على الأرض اللبنانية، وبين البطريركية والأبرشيات والرهبانيات. فأسس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في دورة تشرين الثاني الماضي لجنة طوارئ لهذه الغاية عهد بها إلى الهيئة التنفيذية. وفي السياق عينه نظم المركز الماروني للتوثيق والأبحاث إجتماعات تنسيقية في الكرسي البطريركي وفي مبنى المركز، شملت كاريتاس لبنان والبعثة البابوية وأربع عشر مؤسسة وجمعية تعنى بالشأن الاجتماعي في منطقتي كسروان وجبيل لوضع نموذج تنسيق يطبق في مختلف المناطق اللبنانية. فوزعت استمارات تعريف بها: إسمها ومركزها ومنطقة عملها وميادين نشاطاتها واقتراحات رؤيتها العملية. لكن قرار التعبئة العامة ووجوب الحجر المنزلي علقا الاجتماعات التنسيقية. فبقي التواصل قائما عبر وسائل التواصل الاجتماعي. إنا في المناسبة نوجه تحية شكر لجميع العلمانيين العاملين في هذه المؤسسات والجمعيات، وللمحسنين ولكل الذين يقومون بمبادرات محبة فردية وجماعية. وندعو غيرهم من المسيحيين ومن أبناء كنيستنا لإدراك مسؤولياتهم عن واجب المحبة الاجتماعية، بحكم معموديتهم والميرون. فإياهم خاطب المكرم البابا بيوس الثاني عشر قائلا: يتوجب على المسيحيين أن يعوا بوضوح متزايد أنهم لا ينتمون فقط إلى الكنيسة، بل هم الكنيسة، وإنهم أكثر من غيرهم في الخط الأمامي من حياة الكنيسة (بيوس الثاني عشر خطاب للكرادلة الجدد، 20 شباط 1946 AAS 38 (1946) 149.). وإنا نشجع التعاون بين البلديات وأهالي القرى والبلدات لتلبية حاجات العائلات المعوزة بشكل يحمي كرامتها. جميلة العودة إلى ما كان يسمى بالعونات”.
وقال: “رابعا، الميثاق التربوي الوطني الشامل، من الأمور التي علقها انتشار فيروس كورونا، إعلان رسالتي العامة التاسعة في 25 آذار الماضي وهي بعنوان الميثاق التربوي الوطني الشامل: شرعة الأجيال اللبنانية الجديدة. فأرجأنا إعلانها الرسمي والبدء بتطبيقها إلى موعد آخر. تجدر الإشارة إلى أن خدمة المحبة الاجتماعية والإنمائية جزء من رسالة هذا الميثاق الذي يوضح بإسهاب مقتضياته وأهدافه ورؤيته ورسالته وجهازه التنفيذي.
وختم الراعي: “في ختام هذه الرسالة الفصحية، نود التأكيد أن المسيح الرب، القائم من الموت والمنتصر عليه، جعل جميع البشر في حال قيامة روحية واجتماعية. فعليه نتكل في مواجهة فيروس كورونا ومصاعب الحياة، قائلين: نحن مائتون، إذا قياميون. بهذا الرجاء أجدد لكم جميعا التهاني والتمنيات بالعيد. المسيح قام! حقا قام!”