بحضور نحو 200 شخصية مصرفية واقتصادية من كافة الدول العربية عقد اتحاد المصارف العربية بالتعاون مع الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب منتدى تحت عنوان “مخاطر العقوبات والتعامل مع القضايا الحرجة فى مكافحة غسل الأموال”، بحضور حشد كبير من قيادات مصرفية عربية وأسواق البورصات العربية وبعض البنوك المركزية العربية، حيث شارك فيه أكثر من 250 شخصية على مستوى رؤساء مجالس الإدارات والرؤساء التنفيذيين من كل من مصر، والكويت، وسلطنة عمان، والعراق، والسودان، وليبيا، والأردن إلى جانب لبنان يوم الجمعة 18 كانون الثاني/ ديسمبر 2020 في فندق موفنبيك، بيروت.
تحدث في حفل افتتاح فعاليات المنتدى الأستاذ وسام فتوح، الأمين العام لاتحاد المصارف العربية، والدكتور جوزيف طربيه، رئيس مجلس إدارة الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، وعبد الحفيظ منصور، الأمين العام لهيئة التحقيق الخاصة بلبنان، وياسين جابر، نائب بالبرلمان اللبناني، والسفير حسام زكى، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية.
فتوح:
استهل حفل الافتتاح الملتقى الأستاذ وسام فتوح الأمين العام لاتحاد المصارف العربية، بكلمة رحب فيها بالوفود العربية القادمة من مصر وليبيا، والعراق والسودان والأردن وفلسطين والكويت وسلطنة عمان وقطر، والتي حرصت على مشاركتنا هذا اللقاء رغم هذه الظروف الصعبة، وأتقدّم بشكر خاص إلى الحكومة اللبنانية، وبالأخصّ وزارات الخارجية والداخلية والصحة، وكافة الأجهزة الأمنية اللبنانية على ما قدّموه من دعم معنوي ولوجستي، وكافة التسهيلات اللازمة لإستقبال ضيوفنا الأشقاء العرب، وتأمين عقد هذا اللقاء ضمن معايير السلامة الدولية والمعايير المعتمدة في لبنان.
وأضاف: لقد هالنا ما يواجهه بلدنا الحبيب لبنان من تراكم أزمات غير مسبوقة، بدأت ظلالها في الفصل الأخير من العام الماضي مع بروز أوضاع سياسية معقّدة، وبلغت ذروتها مع توقف لبنان عن تسديد ديونه الدولية لأول مرّة في تاريخه، على الرغم من توفر احتياطات بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان تجاوزت آنذاك الــــ 22 مليار دولار، واحتياطي من الذهب يقدّر بما يقارب 20 مليار دولار، مما تسبب بانهيار المنظومة الاقتصادية، وتدهور سعر الليرة اللبنانية، وتزايد الضغوطات على ميزان المدفوعات. وفي ظلّ هذا النفق المظلم الذي دخل فيه لبنان، حصلت كارثة إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس الماضي، الذي أودى بضحايا أبرياء، وآلاف الجرحى، وتهجير وتشريد آلاف العائلات، وتدمير نصف المدينة، وخسائر بمليارات الدولارات.
وقال: إننا في إتحاد المصارف العربية نؤمن بلبنان التاريخ والحضارة والعلم والإنفتاح، ونؤمن بدوره العربي الجامع، ونتطلّع إلى عودة هذا الدور الرائد والعريق ضمن العائلة العربية وأمام المجتمع الدولي، ونقدّر عالياً استضافته واحتضانه لمقرّ الإتحاد منذ أكثر من 45 عاماً حيث رسّخ سعادة الدكتور جوزف طربيه هذا الإيمان، بتثبيت الحجر في الأرض، وإرتفع به صرحاً شامخاً في قلب بيروت العزيزة اطلق عليه البيت المصرفي العربي.
واعتبر الأستاذ فتوح بأن لا الأزمة اللبنانية، ولا جائحة كورونا المستجدة إستطاعا أنّ يعطّلا عمل الإتحاد، فالأزمة والجائحة بدلا من أولوياتنا ولم تجمدا نشاطاتنا، حيث قمنا بتكثيف الدراسات والأبحاث، وتجميع البيانات المصرفية والقانونية العربية لأكثر من 10 سنوات، وبلغ عدد المواد القانونية التي تمّ تبويبها أكثر من 54 ألف مادة قانونية ضمن الموسوعة القانونية والتشريعات المصرفية العربية، التابعة للإتحاد وأكثر من 224 دراسة بحثية بمختلف أنواعها، تناولت: جائحة كورونا، والقطاعات المصرفية العربية، والمصارف الإسلامية، وترتيب المصارف بحسب مؤشرات مالية أساسية، ودراسات وأبحاث حول: الشمول المالي – التحويلات المالية وتجنّب المخاطر – الإمتثال – الإقتصاد العالمي – التكنولوجيا المالية والتحوّل الرقمي.
كما قمنا بتحديث أساليب التدريب في مواجهة الجائحة، والعمل على تطوير شامل للبنية التحتية للمعلوماتية التابعة للإتحاد، تضمنت تطويراً كبيراً لموقع إتحاد المصارف العربية على الشبكة العالمية، وتمّ الاتفاق مع شركة عالمية كبيرة تقدّم خدمات المنصّات الإلكترونية والتواصل المرئي على عقد نشاطات الإتحاد إلكترونياً: وهي مرحلة أطلقنا عليها: Digital Transformation of UAB Activities
كما أشار الى انضمام الإتحاد في هذا العام إلى عضوية المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للسياحة – دعماً منه لتنشيط السياحة العربية-العربية؛ بالإضافة إلى إنضمامه إلى مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة الذي يترأسها صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز.
كما أوضح الأستاذ فتوح بأن الإتحاد انشأ وحدة جديدة ضمن جهاز الأمانة العامة تحت مسمى: وحدة التحول الرقمي “UABdigital”. ووقعنا مذكرات تفاهم وشراكات مع أكبر 12 شركة في العالم تقدّم خدمات للتكنولوجيا المالية Fintech، بهدف النهوض بإستراتيجيات التحوّل الرقمي في المصارف الأعضاء لدى الإتحاد، وبناء القدرات للكوادر المصرفية، وتمّ توقيع أيضاً إتفاقية مع المعهد العالمي للإبتكار Global Innovation Institute في مجال التدريب والتطوير، والتي لديها شهادة معتمدة دولياً.
جوزف طربيه:
أشار رئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية ورئيس مجلس إدارة الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب الدكتور جوزف طربيه، إلى أن “المجتمع الدولي يولي في وقتنا الحاضر موضوع العقوبات أهمية قصوى، وخاصة في ضوء التحديات والتغييرات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، وما تتطلبه من مواكبة على صعيد آليات عمل السلطات التشريعية والرقابية والأمنية والمؤسسات المالية، وفي ضوء الهشاشة الاقتصادية في بعض الدول التي تجعل من العقوبات اكثر وجعاً وتزيدها ايلاماً الآثار المدمّرة الناتجة عن جائحة كورونا التي غيرت وجه الاقتصادات وهزت الاستقرار العالمي”.
وخلال كلمته في حفل افتتاح منتدى “مخاطر العقوبات والتعامل مع القضايا الحرجة في مكافحة غسل الأموال”، أفاد طربيه بأنه “لا يخفى على أحد أن العقوبات الاقتصادية وما يتتبعها من تجميد للأصول وتحقيقات مالية وجنائية، باتت تستخدم اليوم كسيف مسلّط وسلاح مدمّر على دول العالم كله، تلجأ اليه الدول العظمى للدفاع عن مصالحها السياسية والاستراتيجية بديلاً عن اللجوء الى حروب طاحنة تكبّدها خسائر بشرية وأضرار كبيرة، ويساعدها في ذلك إمساكها بالمفاصل الأساسية للاقتصاد العالمي”.
كما أكد أنه “من أبرز هذه العقوبات اليوم، نذكر خمسة قوانين عقوبات واجراءات كبيرة، منها قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين، قانون ماغنيتسكي للمساءلة حول حقوق الإنسان، قانون باتريوت Patriot Act ومكافحة أعداء أميركا الذي يتيح فرض عقوبات على إيران وكوريا الشمالية وروسيا”، مشدداً على أن “الاتحاد الاوروبي أقر الاسبوع الماضي “خطة عمل لحقوق الإنسان والديموقراطية” وهو إطار جديد للعقوبات يمكن استخدامه في حالات التعذيب والعبودية أو العنف المنهجي، الخ…”.
ولفت طربيه إلى أنه “سيعاقب المسؤولون عن مثل هذه الانتهاكات بحظر دخولهم إلى الاتحاد الأوروبي وتجميد أصولهم في أوروبا، كما هي الحال مع جميع أنظمة العقوبات المعمول بها في الاتحاد الأوروبي. ولدى الاتحاد الأوروبي حاليًا أنظمة عقوبات خاصة بدول معينة مثل تلك الخاصة ببيلاروس أو روسيا، وثلاثة أنظمة محددة للمعاقبة على استخدام الأسلحة الكيميائية والهجمات الإلكترونية والإرهاب”.
وأوضح أن “المعلوم أن العقوبات الاقتصادية تنتج مخاطر سمعة كبرى للدول بشكل عام، وللمصارف والمؤسسات المالية بشكل خاص قد تؤدّي الى زوالها من الوجود، تحت شعارات كبرى مثل مكافحة الفساد وغيرها. وقد تتسبب العقوبات على المصارف والمؤسسات المالية بتنامي ظاهرة صيرفة الظل (Shadow Banking)، حيث تبرز مشكلة جديدة تتجلى في ظهور قنوات مالية غير خاضعة لأي نوع من أنواع الرقابة”.
كذلك أشار إلى أن “الحل الموضوعي في هذا المجال يتطلّب تشدداً أكثر في الرقابة الداخلية والتوسّع في المعلومات والمعطيات الهادفة إلى تطبيق أشمل لقاعدة “إعرف عميلك”، وتوسيع آليات التنسيق والتعاون ما بين القطاع المصرفي والسلطات الرقابية والقضائية والأمنية. كما تؤدي العقوبات الى ما يعرف بالتهميش المالي (Financial Exclusion) لفئات كثيرة من المجتمع ما يعيق تقدمها وازدهارها”.
وفي سياق متصل، تساءل طربية “أيها السيدات والسادة، اين نحن امام كل ما يحصل؟ يقع عالمنا العربي في عين اللعبة الدولية حيث تتفجر فيه وحوله الصراعات الجيو- سياسية، فمن تصعيد العقوبات على حزب الله وتوسيعها، الى الحرب في ليبيا، الى الصراع في اليمن ولا ننسى بالطبع الحرب في العراق وسوريا وهذه الاخيرة هي من أهم الحروب في القرن الواحد والعشرين. هنا تجد المصارف والمؤسسات المالية العربية نفسها في قلب الحدث، وفي ساحة المعركة، وهنا تجد السلطات الرقابية والسلطات الامنية والقضائية نفسها في مواجهة مع المنظمات والافراد الذين يستخدمون القنوات المالية للوصول الى اهدافهم”.
وأفاد بأنه “من المعروف أيضاً أن هذه الإشكالية باتت تثير قلق جميع المعنيين من مختلف الجهات الرسمية والخاصة. فبتنا ننام على إجراء أو رزمة من الإجراءات ونستفيق على رزمة جديدة من الإجراءات والتشريعات والقوانين، وأصبح هذا الأمر يشكّل هاجساً للجميع، وأصبح علينا جميعاً العمل على متابعة تلك التطورات، والسعي لفهم الإجراءات المفروضة وإستيعابها والإلتزام بها”.
وأشار إلى أنه “بالنسبة للبنان الذي واجه عام 2020 احداثاً غير مسبوقة ومتلاحقة على صعيد العقوبات المالية نتيجة تصعيد الادارة الاميركية وتعميمها سياسة فرض العقوبات، ففرضت عقوباتها على مصرف جمال ترست مما ادى الى خروجه من السوق المصرفية، كما تناولت العقوبات المالية ايضاً مسؤولين كبار سابقين في الحكومة اللبنانية بادعاء تعاونهم مع حزب الله او بتهم الفساد”.
ولفت طربيه إلى أن “كل ذلك اضافة الى ما يعانيه لبنان من توقفه عن دفع ديونه الخارجية، وما تبعه من انهيار اقتصادي وتراجع العملة الوطنية، وانحراف البلد مؤقتاً الى الاقتصاد النقدي، مع ما يحمله هذا النوع من الاقتصادات من مخاطر وتحديات؛ الا ان القطاع المصرفي اللبناني تابع اداءه ضمن بيئة سياسية واقتصادية وقانونية صعبة، واتخذ تدابير طوارىء في لبنان بالنسبة لتصعيب الحركة الحرة للتحويلات”.
بموازاة ذلك، أكد طربيه أن “القطاع المصرفي اللبناني استطاع تأمين استمراريته واستمرارية فروعه خارج لبنان العاملة في اكثر من 30 بلداً مع ميل بارز الى الانكفاء المنظم والخروج من عدة اسواق من خلال بيع بعض الفروع الخارجية او اقفالها. كما استمر البنك المركزي اللبناني واجهزة الرقابة ومكافحة تبييض الاموال في تأدية مهامها العادية، بما يجنّب لبنان مخاطر تراجع السمعة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية المتأزمة”.
وأكد على أنه “لاتحاد المصارف العربية تاريخ طويل في تنسيق الجهود لحماية القطاع المالي الاقليمي والاقتصاد الاوسع من مخاطر تسرب الاموال القذرة. إننا في إتحاد المصارف العربية، والإتحاد الدولي للمصرفيين العرب، سنحرص دائماً على إعطاء موضوع مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الأهمية القصوى، بإعتباره من أخطر المشكلات التي تؤثر على مسار المهنة المصرفية العربية، وعلى العلاقات بين قطاعنا المصرفي العربي، والمؤسسات الرقابية الدولية”.
منصور
ثم تحدث الأستاذ عبد الحفيظ منصور، امين عام هيئة التحقيق الخاصة في لبنان وأوضح: إن مسألة العقوبات الإقتصادية، وإن إزداد تطبيقها خلال العقد الأخير إلاّ أنها ليست بجديدة، فقد بدأت تاريخياً من خلال اشكال “الحصار” الذي كانت تفرضه الجيوش والأساطيل لفرض إرادتها السياسية، وبسط الهيمنة والتمدد الخارجي دون اللجوء الى المعارك العسكرية المكلفة وغير مضمونة العواقب.
ولعل العقوبات الأكثر تأثيراً هي تلك المتعددة الأطراف الصادرة عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهي ملزمة التطبيق على جميع الدول الأعضاء فيها، ومثالاً على ذلك العقوبات الصادرة بموجب القرار 1267 في العام 1999 ضد تنظيم القاعدة، والذي تم توسيع نطاقه في العام 2015 ليشمل تنظيم داعش.
وهناك عقوبات متعددة الأطراف صادرة عن الإتحاد الأوروبي (European Union) وهي واسعة النطاق أيضاً، وهناك عقوبات أحادية الجانب (unilateral) تصدر عن دول معينة، كالعقوبات الصادرة عن الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا مثلأً.
وقد تسارعت وتيرة العقوبات في العقد الأخير أكان من المرجعيات الدولية او إفراديا من دول معينة لاسيما من الولايات المتحدة ألأمريكية.
ففي العام 2011 أدرجت الولايات المتحدة البنك اللبناني الكندي على لوائح العقوبات، مما أدى الى توقف البنك عن العمل خلال أسابيع قليلة، وقد علمنا فيما بعد من المسؤولين في الخزينة الأميركية أنه أصابتهم الدهشة من النتائج السريعة لقرارهم هذا. وفي السنوات التي تلت بتنا نرى منحىً تصاعدياً لاستعمال سلاح العقوبات الإقتصادية الذي أضحى إحدى الأدوات الأساسية للسياسات الخارجية للدول الكبرى لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية والشواهد على ذلك معروفة للجميع.
ولعل العقوبات التي تصدر عن الولايات المتحدة هي الأكثر غزارة، و قد تكون حسب الحالة بناءً للقوانين الأميركية المعنية مثل:
-
الفقرة 311 من الـ USA PATRIOT ACT
-
قانون HIFPA-I و HIFPA-II
-
قانون قيصر (Caesar Act)
-
International Emergency Economic Powers Act (IEEPA)
-
قانون ماغنتسكي (Magnitsky act) وغيرها